أضواء عدسات الكاميرات اخترقت حاجز خصوصيتي وكل المصورين يتقاتلون من أجل صورة لديانا آركان عقب الحادثة المروعة التي هزّت وسط عالم الأغنياء. وقفتُ أمامهم فيما لا يزيد عن بطانية تغطيني وعلى وجهي المأساة التي عشتها وانتهت—بالنسبة إليهم. فهي لم تنتهي في عقلي وقلبي مهما حييت. الشرطية التي كانت تصطحبني خارج المستودع دفعت أحد الصحفيين بعيداً عندما امتدت يده بمكبر الصوت يحاول الحصول مني على جملة لينشرها.
"أفسحوا الطريق! ممنوع الاقتراب!" صرخت الشرطية بلا جدوى لأن التزاحم ازداد حتى كدت أن أختنق. أخفضت رأسي ليسقط شعري ويخبئ وجهي عن الكاميرات التي تقفز أمامي بنورها المعمي. كانت الشرطة تطوّق علي أكثر حتى تحميني من الأجساد المتزاحمة لكن قربهم المفاجئ دبّ الرعب في قلبي.
أطبقت فمي بكفّ يدي وحاولت طرد الصور البشعة من مخيلتي لكن جهدي آل بالفشل. اندفعت المشاهد التي عشتها في رعب لثلاث شهور أمام عيناي وعندما أمسكتني الشرطية من كتفاي لتقودني نحو سيارة الإسعاف التي تنتظرني بدأت أرتعد.
"آنسة آركان! آنسة آركان من فضلك!"
"ما هو شعورك؟ هل أنتِ سعيدة أنه تم إنقاذك حية؟"
"آنسة آركان! هل لديكِ فكرة عن هوية مَن أخبر الشرطة عن مكانك!؟ هل كان أحد المختطفين؟!"
"أهو صحيح أن الأستاذ آركان قد قُتل؟"
"هل الأستاذ آركان ميت فعلاً؟ كيف حدث هذا آنسة آركان لماذا قتلوه وتركوكي؟"
"ديانا!" هتف صوت مألوف بأعلى ما لديه وهنا رفعت رأسي لأرى لينك يركض نحوي بأسرع ما لديه وعلى وجهه رعب كبير. لم يكن حتى وصل للحشد الذي يحاوطني حتى بدأ يدفع الناس بقسوة كي يمر من بينهم لكن الحشد كان يبتلعه أكثر.
لم يكن حتى وصلت لسيارة الإسعاف والمزيد من الشرطة قد وصلوا لمسرح الجريمة أن نجحوا في ابعاد الحشد ووضع شريط أصفر يمنع الإقتراب أكثر من هذا. لكن صراخ لينك جعلني أنظر في اتجاهه لأجده يصارع أحد الشرطيين في العبور. "أي جزء من كونها حبيبتي لم تفهم!؟"
تم تسليط ضوء جديد في عيني لأجفل وأنظر للطبيب الذي وقف أمامي يتفحصني. تجاهلته وفتحت فمي حتى أخبر الشرطي بأنه لا بأس وأن يسمح للينك بالعبور لكن كل ما خرج كانت بحة حادة أحرقت حلقي وجعلتني أسعل بقوة. عبس الطبيب وفوراً سحب شيئاً من جيب معطفه وفتح فمي به وتفقده ليزداد عبوسه قبل أن يسحب خافض اللسان ويعيده لجيبه.
"يبدو أن أحبالك الصوتية قد تضررت من ما أجزم أنه الصراخ المستمر. لا تحاولي التكلم لفترة حتى لا يصبح الضرر دائم. وبحق الله دع الصبي يمر فهي تعرفه ويجب أن يكون معها شخص مألوف الآن!" أنهى الطبيب كلامه صارخاً في وجه الشرطي الذي يعيق لينك ليهرب الأخير فوراً قافزاً من تحت الشريط الأصفر ومهرعاً نحوي.
"ديان—ديانا يا إلهي! يا إلهي أنا آسف أنا—" انكسر صوته عندما وقف أمامي ولمعت عيناه الزرقاء بالدموع وهو يقاومها, وكانت هذه اللحظة التي انهرت فيها.
فرؤيته هنا بعد أن فقدت الأمل في الخروج من المكان حية والجيوب التي زينت أسفل عيناه وشعره المبعثر وحالته التي لا يرثى لها أخبرتني أني لم أكن وحدي في هذه المأساة كما ظننت. فقد عانى غيري معي كذلك. هربت أول دمعة من عيني قبل أن يتبعها الآخرون وأنهار أمام لينك كلياً.
"ديانا..." ارتعش صوته وهو يلفّني في أحضانه ويسمح لي بالإنهيار معه. سمحت للشهقات بأن تتالى وهو اعتصرني أكثر.
"يجدر بك توخي الحذر يا بني. إن الفتاة تُظهر علامات اعتداء عليها فلا تطيل الاقتراب منها حتى لا تجزعها." سمعت الطبيب يهمس للينك وزادت شهقاتي ألماً عندما ارتجف جسد لينك من حولي في صدمة وسمعت همسته المنكرة وهو يحاوطني أكثر بعناق وقائي.
"حلوتي... أنتِ بخير أليس كذلك؟ أرجوكِ كوني بخير..." انكسر صوت لينك أخيراً وأحسست بدموعه تسقط على رأسي. "أنا آسف. أنا آسف. سوف تتخطين كل هذا أعدك بهذا. أنا آسف ديانا..."
"ديانا! ابنتي!" صرخة أمي جعلتني أنا ولينك نفصل عناقنا لنرى أمي تعدو نحونا والدموع تتساقط من عيناها. "ديانا... والدك...أنتِ... أوه ديانا أنا سعيدة أنك بخير."
منذ ذلك اليوم ولم يتركني لينك وحدي لحظة, وانتظر معي حتى استعدت عافيتي وتركت المستشفى وعاد لي صوتي مجدداً. وكيف كافأته على اهتمامه؟ أن أول شئ قلته له أنه لا يمكننا أن نكون سوياً.
"لماذا؟ ماذا تعنين؟"
أطرقت رأسي في تعب رافضة رؤية النظرة التي اعتلت وجهه. "أعني فليمض كل منا في طريقه, لينك."
“ديانا انظري إلي." طلب مني وهو يقف على بعد مسافة آمنة من سرير المشفى. كنت قد انتهيت من ارتداء ملابسي استعداداً للرحيل عندما وصل ليعيدني للمنزل بنفسه قائلاً أنه اتفق مع أمي. ولهذا قررت اخباره في هذا الوقت أنها آخر مرة سنرى بعضنا البعض. عضضت شفتي بيأس وجلبت عيناي له أخيراً. عقد لينك ساعديه أمام صدره في جدية. "ربما هذه الحادثة غيرتكِ للأبد لكن لا أزال أتذكر من أنتِ. لذا أخبريني عن السبب الحقيقي. أنتِ تخططين لشئ."
أخذت نفساً طويلاً. لا فائدة من الكذب على لينك فذكائه يفوق تلك الترهات بمراحل. "لقد كنت محقاً بشأن الأكاديمية."
النفس الحاد الذي هرب منه كان كفيلاً لجعلي أستمر. لينك أخفض ذراعيه. "هناك شئ ما حيالها, أنا متأكدة. أنا...أظن أنهم السبب وراء حادثة الاختطاف."
"ماذا؟ كيف لكِ أن تعرفي هذا؟" بدأ لينك يتنفس بسرعة ولم أستطع لومه. لقد تحدث عن أخته كثيراً منذ اختفائها وعن كيف أنه يشك أن الأكاديمية لها يد بالموضوع.
"كانت هناك لحظات يظنون فيها أنني فاقدة للوعي تماماً. لكنني...كنت أسمع بعض كلامهم على مراحل. و..وفي مرة وهم يعذبون... أبي سمعته يصرخ فيهم قائلاً: لن تأخذوا ابنتي لهذا المكان طالما حييت." ولهذا ضحك بوجهه أحد الرجال ورد عليه قائلاً: وهذا بالضبط ما نريد.
عقد لينك حاجبيه. "وتظنين أنه يعني أكاديمية أبولو؟"
"بل أنا متأكدة."
ازدادت حيرة لينك أكثر لأنحني نحو حقيبة ملابسي وأستخرج الخطاب الأسود الذي وصل الأسبوع الماضي—أسبوعان بالضبط بعد الحادثة— وعليه ختم الأكاديمية الذهبي. تناوله مني لينك وأخذ يقرأه بصوت عال: "آنسة ديانا آركان, يؤسفنا سماع ما حدث معكِ ووالدك بعد أن سحبتِ طلب التحاقكِ للمرة الثالثة. وبسبب أننا نتابع أخبار جميع طلابنا نعلم بشأن أزمتكِ المادية الحالية ولأننا لا نضيع أبداً مواهب الشباب المثالية نقترح عليكِ التقدم لبرنامج المنحة الجديد. نثق بأنكِ اختيار جيد وإضافة نافعة لأكاديميتنا, آنسة آركان وننتظر من إبداعك أن يجد المكان المناسب ليظهر. مع تحياتنا أكاديمية أبولو."
رفع لينك رأسه عن الخطاب وعينه واسعة لأعطيه نظرة باردة. "هل لاحظتَ ما لاحظتُه أيضاً؟"
أومأ وتفحّص الخطاب مجدداً قبل أن يمسح إصبعه على شعار الأكاديمية الذهبي في شرود. "إنه تهديد."
"لينك, إنه أكثر من تهديد, إنه اعتراف بأن لهم يد فيما جرى لأبي! لينك..." همست اسمه ووقفت من السرير أخيراً. "أنا لم أقدّم طلب التحاق ثالث."
اتسعت عيناه الزرقاء وبدت له الأمور واضحة أخيراً. سارعتُ في التفسير قبل أن يتحدث: "وأعلم أنه ليس والدي. لأني أكاد أجزم أن السبب وراء تلك الحادثة هو سحبه لطلب الالتحاق عندما قدمته أمي."
لينك ظل يحدق في بصدمة عارمة وهو يستوعب ما أقصد. قبضت يدي وأنا أتمالك نفسي حتى لا تسقط دموعي التي تهدد بالنزول. "أنا لا أعلم بمن أثق بعد الآن."
"لكن...لماذا ستفضح الأكاديمية نفسها هكذا لك؟ إنهم ليسوا أغبياء فلا بد أنها حركة مدروسة, ديانا."
أومأت برأسي. "هذا ما أنوي معرفته."
"أنتِ لا تعنين—"
"لقد قدمتُ طلباً للمنحة صباح اليوم, لينك. سوف أكتشف ما حدث لوالدي وأختك."
العديد
من المشاعر مرت بعينيه في تلك اللحظة قبل أن يأخذ نفساً يتمالك فيه نفسه ويعتصر
الخطاب اللعين في يده ونظرة تمعُّن تستبدل ملامحه. "دعيني أساعدكِ إذاً."
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
"أفلِت يدي!"
توقفت في منتصف الحديقة تحت المطر المنهمر
بعدما شددت يدي بقوة من بين يده المحكمة التي كان يسحبني منها أليكساندر خلفه وهو
يسرع بنا بالخروج من الحديقة. توقف أليكساندر والمظلة معلقة فوق رأسه ناظراً ليده
التي أفلتها قبل أن يرفع عيناه لي. "ما مشكلتك؟"
"أية لعبة تلعب، رويال؟"
ابتسامة جافة رسمت نفسها على شفته. "عدنا
لرويال إذاً."
"لا تلاوعني! لقد كان غباءً مني أن أصدق
أنك جئت هنا لأنني اتصلت بك فقط. بعد كل شيء أنت تنتمي لنفس المكان الكاذب فكيف
ستختلف عنهم؟"
ارتسم الغضب على ملامح أليكساندرفي لحظة
واقترب مني. "هل تظننين أنني من خطط لهذا؟"
"بما تفسر وجود من صورنا إذاً؟ هل
الأكاديمية من أرسلتك؟ هل تتلاعب بي، رويال؟"
بسط أليكساندر شفتيه وهو يحدق بوجهي الغاضب.
في عينيه كان يرى المطر وهو يعاود ليبتلعني وعيناي مليئة بالشرار بعد أن صدقت حسن
نيته. بعد مدة هو تنهد مغمضاً عينيه قبل أن يعاود فتحهما ويضعهما علي. "لقد
أتلفوكِ إلى أبعد مدى."
انزلقت قدمي على الوحل وأنا أتراجع خطوة
للوراء في صدمة، عيناي واسعتان لتتسع خاصتاه عندما استوعب ما قاله ليهز رأسه
ويحاول التفسير لكنني كنت قد ابتعدت عنه وبدأت أركض.
ركضت بأسرع ما لدي حتى قادتني قدماي خارج
الحديقة وأنا أسمع خطواته خلفي وهو يحاول اللحاق بي. "ديانا!"
توقفت مكاني ونظرت حول الشارع المظلم في
توهان من خطوتي التالية. هل أعود للمنزل وأتجاهل ما حدث مع أمي؟ أم أقضي الليلة في
أي مكان آمن حتى يحل الصباح وأعود للمنزل لأخذ حقائبي والعودة للأكاديمية؟ في تلك
اللحظة سمعت صوت احتكاك حذاء يتوقف خلفي لتتصلب أكتافي وأنا أسمعه خلفي.
"أنا لم أعني ما قلت."
كنت أتنفس بعلوّ، وصوت أنفاسي عالي بيننا في
المطر الذي يأبي التوقف بعد إصراره ساعات على الهطول، كتفاي يتحركا في تزامن مع
أنفاسي وظهري موجه لأليكساندر. سمعته يخطو خطوة ليتصلب كتفاي أكثر في استعداد
للهرب. إن لمسني أو اقترب أكثر من ذلك قد أقتله. ولم أكن أمزح.
"لقد عنيت أنكِ تشككين في كل تفصيلة من
حولك ولا تسمحين لنفسك أن تثقي بأحد."
خطوة أخري. تحركت قدماي للأمام استعداداً
للركض مجدداً ليتوقف خلفي فوراً. "أنا معجب بقوتك. رجاءً لا تفهميني بطريقة
خاطئة."
أغمضت عيناي وبدأ جسدي يستسلم أخيراً لبرودة
المطر ويقاوم ليظهر ذلك في ارتعاشي. هربت مني ضحكة ساخرة لأسمعه يتسائل:
"ديانا؟"
رفعت رأسي للسماء واستقبلت المطر بهيئتي
الرثة وجسدي ينتفض من البرد...ربما...وأطلقت العنان لضحكة قوية لم أسمعها من وقت
طويل. لكنها خلت من السعادة. في الحقيقة هي كان خالية من كل شئ. ضحكة عالية خاوية.
استمرت الضحكة لعدة ثوان بينما أليكساندر صامت من خلفي حتى توقفت واستدرت نصف
استدارة له، عيناي تلتحم مع عينيه. وهذه المرة هو لم يرى سوى فراغاً فيها. فراغاً
عظيم جعله يتوقف ويملأه القلق وبصره يتنقل بين مقلتاي.
"لكنك محق، أليكساندر." خرج صوتي هادئاً. "أنت لم تخطئ في شئ.
وجملتك تلك حملت جميع معاني الصدق لمرة."
"لكن—"
"لكن إن حاولت وضع ولو إصبع بالقرب مني
مجدداً سأقتلك، ليكس رويال." صوتي كان قوياً وأنا أنظر له. "هذا تحذيرك
الأول والأخير. ستكون أنت أول من أقتله في ذلك المكان الملعون إن حاولت اعتراض
طريقي مجدداً والتلاعب بمشاعري لغاياتك الخاصة. وأجل: أنا لا أثق بمخلوق حي الآن
فلا تتعب نفسك في كسب ثقتي."
استدرت لأرحل بعدها.
"لقد رأيت شعراً أزرقاً!"
توقفت أقدامي وأفكاري فوراً.
سمعته يأخذ نفساً وهو يقترب كي يخفض صوته:
"الشخص الآخر الذي كان يصورنا. عندما كشفته حاول الإختباء لكن ليس قبل أن
ألمح لون شعره. الأزرق."
كلا. هذا لا يمكن. استدرت له وهو يكمل:
"وأنا لا أكذب."
تنقل بصري بين معالم وجهه في بؤس لتكذيبه
لكني لم أثق حتى بنفسي الآن لأفهم ملامحه. "زاكاري؟"
"هذا هو تخميني."
ارتفع كفي يغطي وجهي. "ماذا يعني هذا
إذاً؟"
"قد يعني الكثير، ولكن الآن فلنغادر
فالوقت متأخر والجو ليس ملائماً."
تركت يدي تسقط عن وجهي. "ولما صيغة
الجمع؟ فلتغادر أنت لم أطلب منك البقاء."
"بحقك ديانا، إلى أين ستذهبين في هذا
الوقت؟ ولا تقولي المنزل لأني أعرف أنك لن تعودي إليه الآن. سيارتي في نهاية
الشارع، تعالي معي وابقي فيها حتى تدفئي وفي الصباح سأوصلك لأخذ حقائبك ونذهب
للأكاديمية."
"سأبقى في فندق حتى الصباح."
"أشك أنكِ أحضرتِ نقوداً قبل ترك
المنزل." قالها متذاكياً لترتفع زاوية شفتي في ازدراء وأقترب منه أرفع كفي
له.
"أنت محق. أعطني نقوداً حتى أحصل على
غرفة حتى الصباح."
هنا هو ابتسم منتصراً. "لم أحضر نقوداً
قبل ترك المنزل أيضاً إذ نزلتً على عجلة."
استدرت للرحيل. "حسناً، أراك غداً
إذاً."
"انتظري! ديانا!" نبرة صوته
واسراعه خلفي أجبرني على التوقف وسماعه رغم اعتراض عقلي الشديد. قبضت أصابع يدي
سوياً واستمعت له. "لا تأخذي الأمر بهذه الطريقة إذاً، لكن إن كنتِ أختي لم
أكن لأترككِ هنا في منتصف الليل على هذه الحالة وبعدما اكتشفنا أن هنالك من
يتبعنا. أعلم أنكِ تكرهيني ولا تثقين بي ولكن أمامنا ثمان ساعات حتى نعد للأكاديمية،
فلما لا تقضي خمسة منهم ثم يذهب كل منا في طريقه في الصباح؟"
الإعتراض لم يكن ليجدي بفائدة معه وكرهت
الإعتراف بهذا ولكنه كان محقاً. أنا لم أحمل أي شئ معي ليحميني ولا أستطيع مهاتفة
لينك من على هاتفه بعد نفاذ بطارية هاتفي. كان هذا هو حلي الوحيد. "حسناً."
التفت في اللحظة التي هبط كتفاه مع نفس أطلقه
قبل أن يبتسم ويشير لنهاية الشارع. "لقد ركنتها هناك."
لم أقل شيئاً وظل وجهي فارغاً ليبدأ بقيادتي
لمكانها وأنا خلفه. لم يكن المكان بعيداً ولكننا مشينا لأكثر من خمس دقائق حتى
وصلنا لأتوقف أمام سيارته السوداء الرياضية. كانت ماركة بوجاتي مما جعلني أرفع
حاجباً ليطلق نفساً مازحاً. "لستُ أتفاخر لكنها سيارتي المفضلة."
وفي يوم ما كانت سيارتي المفضلة كذلك ولكن لم
أخبره بذلك بل اقتربت منها لأتوقف مجدداً بسرعة عندما لمحت شخصاً جالساً في المقعد
المجاور للسائق.
آرتميس.
كانت تلعب في شعرها بين أصابعها وتبدو ضجرة
ولكن على وصولنا هي لمحتنا لتلتفت في سعادة لعودة أليكساندر أخيراً فقط لتلتوي
ملامحها عندما رأتني معه.
سبقتها في السؤال: "ماذا تفعل هذه
هنا؟"
أخفضت شبّاكها فوراً وصوتها وصل إلي: "ماذا
تفعلين أنتِ هنا؟ ولما احتاج ليكس التنقل بنا بحثاً عنكِ؟ بم تخططين يا
أنت؟؟!"
التوت شفتي وبدأت أستدير. "أنا لن أركب
معها."
سمعتها تصرخ خلفي: "سبقتيني في قولها.
هيا بنا نرحل، ليكس. لقد تأخر الوقت."
أوقفني أليكساندر عندما مد يده أمامي حريصاً
على عدم لمسي: "فلتركبي ديانا، وكفاكما من هذا نحن في اجازة فخذا اجازة من
شجاركما كذلك." قالها ملقياً نظرة نحو آرتميس في السيارة خلفي.
"على جثتي." لن أركب معها. ربما
خططا لشئ ولهذا هما معاً وركوبي مع كلاهما يتيح لهما بالقيام بأي شئ.
"أخيراً نتفق على شئ، بريف." سمعت
صوت باب السيارة يفتح وينغلق لأنظر ورائي وأرها تستقيم خارج السيارة وفي يدها مظلة
سوداء وكعبها الطويل يطرق على الأسفلت المبتل. كانت ترتدي ملابس فخمة عبارة عن
فستان حريري طويل يلتصق بانحناءات جسدها ومعطف فرو أبيض ملتف حول كتفيها وهي تمسكه
بيدها من ذيله. اكسسوارات ثمينة زينت عنقها وأذنيها بينما كان شعرها الطويل
منسدلاً خلف ظهراً في تموجات بنية خفيفة. كانت تضع تبرجاً زيادة عن العادي بأحمر
شفاه أبرز جمال الفستان ولون عيناها حتى تحت إضاءة الشارع الضعيفة. كانت تبدو على
استعداد لموعد فاخر.
"يبدو أني قاطعت شيئاً مهماً."
"ماذا؟" سألتني في تشوش وبدا لي
كتمثيل بينما سؤالي واضح وأنا أنظر لملابسها.
لم يعطنا أليكساندر فرصة الإطالة في الحوار
وهو ينظر بيننا. "هذا ليس وقته، والمكان ليس آمناً ديانا، فلا أظنها فكرة سديدة
أن تبقي هنا في هذا الوقت. وغداً علينا العودة للأكاديمية."
بسطتُ شفتي لتنظر بيننا آرتميس في عجلة.
"ليس آمناً؟ ماذا يعني هذا؟ ماذا حدث، ليكس؟"
"لاحقاً. هيا، ديانا."
لم يعجبها هذا فبدأت تنظر بيننا قبل أن يتوقف
بصرها علي وهي تطالع منظري. "ليس لاحقاً. هل استدرجتك هذه لخطر ما؟"
"لاحقاً." هذه المرة كان صوت
أليكساندر صارماً لتفهم منه آرتميس شيئاً فتترك الموضوع وتنظر لأليكساندر يقودني
للسيارة ويفتح لي الباب الخلفي.
هذا أضحكني وأنا أركب السيارة. "كم
تحاول بشدة، رويال. لقد أصبح الأمر مثيراً للشفقة."
رده الغاضب أتى عن طريق إغلاق الباب خلفي
بعنف لتضحك آرتميس وهي تركب في المقعد المجاور للسائق وتغلق المظلة ثم الباب بعدها:
"لم يفت الأوان بعد على تركها هنا ودهسها بالسيارة، ليكس. لن يكتشف أحد
وسنكون قد صنعنا معروفاً للكل وعلى رأسهم أنا."
لم يجد كل من أليكساندر وأنا هذا مضحكاً ليشعل
الأول مكيف السيارة على حرارة دافئة ملأت السيارة فوراً قبل أن يدير محرك السيارة ثم
يغلق باب السائق بقوة مماثلة جلبت ابتسامة بسيطة على وجهي وأنا أشاهده. عندما لم
يتحرك مباشرة وظل ساكناً في مكانه نظرت للمرآة الأمامية لأكتشف أنه يشاهدني من
خلالها.
"هل تستمتعين بهذا؟"
قلبت عيناي وارتخيت بين الجلد الدافئ أحاول
تدفئة نفسي وأيضاً أُفسد مقاعد سيارته الفاخرة أكثر. كانت المياه تتقطر من شعري
وملابسي وتسقط على جلد المقعد في صوت أزيز كلما تحركت. عندما نظرت للمرآة مجدداً
وجدت أليكساندر يقلب عيناه على فعلتي قبل أن يدير مقود السيارة وتبدأ السيارة في
الحراك.
----
"أعطيها سترتك، آرت."
وصل إلي مسامعي أصواتهما من بعيد وكأني تحت
الماء لأدرك وبصعوبة أنني وبطريقة ما غلبني النوم.
"ولما قد أهتم إن تجمدت من البرد؟ نحن
لسنا من جلبناها للمطر. انظر لنفسك وما حدث لك بسببها، ماذا إن مرضت؟ أنت مغنٍ،
ليكس! وغداً نعود للأكاديمية."
"آرت...رجاءً." قالها أليكساندر في
خفوت وهو يتنهد وكأنه متعب ليعم الصمت من الطرف الآخر لمدة طالت حتى شارفت على
العودة للنوم مجدداً لكن ليس قبل أن أشعر بشئ دافئ ثقيل يهبط عليّ وشخص يلفه جيداً
حولي لأرحب به فوراً عندما أسكت إرتعاشة جسدي. أقتربت منه أكثر محاولة تغطية ذقني.
توقفت اليد عن الحركة لوهلة قبل أن تختفي من
علي تماماً في لحظة ولكن الصمت في السيارة كان ثقيلاً هذه المرة عدا من صوت المحرك
الناعم وأليكساندر يقود السيارة.
"ماذا حدث؟" اخترق سؤال آرتميس
السكون بعد مدة ولكنه كان خافتاً هذه المرة.
"لقد كانت تجلس تحت المطر منذ بداية
هطوله دون حراك حتى جئت، وقبلها هي اتصلت بي لكن لا أعلم لماذا. لا أظنها كانت
ستغادر إن لم آتِ."
"منذ بداية هطوله؟ ليكس هذا منذ أكثر من
خمس ساعات."
"أعلم.."
"لقد جعلتنا نترك المنزل على عجلة ظناً
أن شيئاً قد حدث لها. أنا لا أثق بها وبأفعالها، ليكس. ربما خططت لهذا."
"أعلم.."
تنهدت آرتميس. "لا تفسد شيئاً بسببها،
ليكس. هي لا تستحق. وأنت تعلم أنها لن تهتم ما إن حدث لك أو لنا شئ. هي ليست واحدة
منا."
هذه المرة لم يعقّب أليكساندر.
♪
نزلت من سيارة الأجرة وساعدني السائق في حمل حقيبتي الوحيدة لأمام البوابة قبل أن
يتوقف في ذهول ويحدق في ضخامة المدخل الفخم بفم مفتوح. "هل ترتادين المكان
فعلاً؟"
"أجل."
"يالك من محظوظة. لقد حاولت ابنة أخي
دخول المكان منذ الصغر ولكنها سمعت أن هذا المكان محجوز مسبقاً لأبناء عائلات
الأغنياء ولا مكان لمن هم عدا ذلك."
"هذا غير صحيح." تدخّل الصوت
الجديد وقد كانت يارا تقترب وخلفها سائقها الخاص يجرّ حقائبها خلفهما قبل أن
يتوقفا أمامنا. كانت ترتدي زي الأكاديمية مثل جميع الطلاب أمام البوابة الذين
يودعون عائلاتهم، لكن على عكسهم بدت وكأنها جائت وحدها. "صحيح أن أغلبية
الطلبة من الطبقة الغنية لكن تجارب الأداء كل عدة سنوات تسفر عن طلاب موهوبين
ليسوا أغنياء يتم قبولهم مثلهم كأي طالب آخر هنا."
"أوه، أنا آسف إذاً." انحنى سائق
الأجرة بابتسامة واسعة. "أتمنى لكم النجاح إذاً فأنتم تمثلون مستقبل دولتنا
في الفن والترفيه."
أومأت يارا له في شموخ وأشارت لسائقها بترك
أشيائها لينحني هو الآخر قبل أن يغادر: "وداعاً آنسة مالك."
"واو،" علقتُ في هدوء لتلفت لي.
"لم أرك هكذا أبداً."
هذا أثار حيرتها وهي تعدل حجابها الأبيض
وترمي بذيله وراء كتفها. "ماذا تعنين؟"
"تتحدثين وتتصرفين كالأغنياء. مثل أي
طالب هنا."
"ديانا... أنا غنية." أخبرتني
وكأنها معلومة جديدة عليّ. لم أقل شيئاً للرد على هذا. تنهدت ونظرت لحقيبتي
الوحيدة جواري. "كيف كانت إجازتك؟"
"...حافلة."
ارتفع حاجبها الأيمن. "حقاً؟"
تجاهلت سؤالها وأشرت للسيارة الفخمة التي
جائت منها. "هل زرتِ عائلتك؟"
هذا بدّل ملامحها للضيق لتنظر بعيداً.
"هم على بعد قارتين منّا. كنت لأقضي العطلة في الرحلة فقط. وهذا ذهاب دون
إياب."
"كم يبدو هذا حزيناً،" تدخل الصوت
الجديد لنتلفت لمالك الذي ظهر بابتسامة واسعة وسماعة رأس ملتفة حول عنقه وكأنه
انتزعها من على رأسه للتو. "كان بإمكانك إخباري، كنا لنقضيها سوياً فأنا لم
أزر عائلتي أيضاً."
زاد انضمامه لنا من ضيق يارا لتزفر. "لا
أريد إفساد عطلتي."
"آوتش. كم تجرحينني كل مرة يارا، يالك
من قاسية القلب." مثّل تألمه بوضع كف فوق قلبه.
تجاهلت كليهما عندما شعرت بصداع يبدأ في
مقدمة رأسي وكنت على وشك تركهما وحمل حقيبتي داخل البوابة لولا أن أوقفني صوت محرك
سيارة البورش الصاخب التي اقتربت من موقف الأكاديمية. رفعت رأسي ظناً أنها سيارة
أليكساندر لولا إختلاف الموديل لكن عندما توقفت السيارة أمام المدخل خرج من باب
السائق آجاكس بلاك عوضاً عن أليكساندر مبعثراً خصلاته السوداء. اقترب منه أحد
البوابين الذين يختفون بعدما ندخل الأكاديمية ليلقي آجاكس مفاتيحه له في الهواء
ويشير للسيارة. "حقائبي بالداخل. أخرجها رجاءً وسيستلمها شخص منك بعد
قليل."
أومأ الرجل وركب مكان آجاكس وأخذ السيارة نحو
المرأب المخصص لسيارات الطلبة ليركنها. التفت آجاكس خاوي الأيد وكان يرتدي نظارة
شمس شعرت بها تنظر باتجاهي. لم أتأكد إلا عندما بدأ يتحرك آجاكس باتجاهي. الحديث
بين يارا ومالك توقف فوراً وشعرت بيارا تدير جسدها لتشاهد آجاكس يقترب حتى توقف
أمامي. أجبرني على رفع رأسي لأنظر لوجهه بسبب طوله الشاهق ولكني لم أستطع رؤية شئ
من خلال نظارته السوداء وأزعجني أن هذا أزعجني.
"هل أنتِ على ما يرام؟"
قطبتُ حاجباي على سؤاله الخافت ليشير إلي:
"لا تبدين بخير."
ربما لأنني أشعر بنزلة برد تهدد عظامي وجهازي
المناعي بسبب جلوسي تحت المطر لوقت طويل؟ من ثم أنني لم أنم سوى داخل سيارة ولساعة
واحدة قبل أن أستيقظ وأجد آرتميس نائمة بالمقعد المجاور للسائق ملتفة حول نفسها
وتميل رأسها على زجاج شباكها وشعرها يغطيها بينما أليكساندر كان جوارها جالس خلف
المقود مستيقظ ولم يغمض له عين وهو يدرس على هاتفه تحت ضوء عمود الإنارة الخفيف
يتظاهر بأنه لا يعلم أني مستيقظة معه؟
فرغت غاهي لإجابته في اللحظة التي لمحت فيها السيارة
المميزة ودخولها الذي أوقف العديد للتحديق. علامة الراء الذهبية تحدق بي من مقدمة
السيارة الليموزين فور وقوفها أمامنا. نزل السائق مسرعاً يفتح أحد الأبواب ليخرج
أليكساندر شامخاً وبهيئة مرتبة وكأنه لم يتركني أمام بيتي في السادسة صباحاً ليعود
لمنزله ويسرع في التغيير وحزم أمتعته. استدار حول السيارة ليفاجئني بفتح الباب
الآخر ومنه هبط كعب آرتميس الطويل على الأسفلت قبل أن يتبعه تنورتها الذهبية وباقي
جسدها.
هل عادوا سوياً؟ هل هم يقضون وقتهم طوال
العطلة سوياً؟ هل ينامون في نفس المنزل؟ هل...يتواعدان حقاً؟ لقد ظننته أوصل
آرتميس بعدي لمنزلها ولكن الآن كل شئ بدأ يتضح لي. هي كانت عنده ليلة البارحة
عندما اتصلت بأليكساندر وكانت متأنقة وكأنها على موعد. من ثم هي جاءت معه ليقلني
في الصباح ولم تتذمر كثيراً بأن يوصلها أولاً ليتيح لها وقت التحضّر وحزم أمتعتها
هي الأخرى. لأنها كانت ستعود معه أصلاً.
لأن أشيائها كانت في منزله.
لا أعلم لما صفعتني هذه الحقيقة فجأة ولما لم
ألحظها قبلاً. هي أتت معه في نفس سيارة الليموزين قبلاً، لكنني ظننت أنه قد مرّ
عليها قبل المجيئ للأكاديمية. لأنهم ربما يقطنون بالقرب من بعض. لأنهم أصدقاء.
فهل هم؟
خلعت آرتميس نظارة الشمس وانتظرت أليكساندر
حتى أمسك بيدها وبدآ يسيران معاً بينما يفرغ السائق حقائبهما من السيارة ويتبعهما.
ظننت أنهما سيعبراني متظاهرين بعدم تواجدي خصوصاً عندما التوت شفة آرتميس على
رؤيتي، لكن أليكساندر فجأة توقف جواري. شعرت بحرارته تغلفني قبل أن يدير رأسه
وينظر لذراعي. ذراعي المجبّس.
نظر لحقيبتي بعدها. "اتركيها هنا.
سآخذها مع باقي الحقائب وأجلبها لغرفتك بعد قليل."
نظر كلينا أنا وآجاكس للحقيبة أمامي قبل أن
يسبقني آجاكس في الحديث: "أستطيع أن آخذها أنا الآن."
التحمت عينا أليكساندر معه في قسوة مفاجئة.
"كلا."
أشار آجاكس ذقنه لآرتميس التي تطرق كعبها
بالبلاط في نفاذ صبر وهي تشاهدنا في ضجر. "يبدو أنك مشغول."
بسط أليكساندر شفتيه في انزعاج لأقلب عيناي وأنحني
لفرد ذراع الحقيبة الذي أجرّها منه. "يعجبني هذا السباق لإظهار من لديه عضلات
أكثر لكنني أستطيع مساعدة نفسي. أراكم في الصف، يا أولاد."
"ديانا." لا أعلم لما أوقفني صوت
أليكساندر ولم انتظرته حتى لحق بي ووقف أمامي.
"ماذا تريد؟" مستحيل أن يكسر
تظاهرنا بأننا لم نكن مع بعض منذ ساعات فقط. هذا ليس شئ يفعله أليكساندر.
"هل أنتِ بخير؟"
"ماذا تفعل؟" سألته وأنا أنظر
حولنا للأعين الواسعة وتفاجؤ حتى آجاكس وآرتميس. لما يظهر اهتمامه وأمام الكل؟
تجاهلني وهو يسحب شيئاً من جيب سترته الذهبية
وعندما نظرت ليده الممدودة وجدت بها علبة دواء. "خذِ هذا. حتى لا
تمرضي."
"خذه أنت." أخبرته ببرود من ثم
أعطيته ظهري قبل الرحيل تحت أعينه التي تتبعني. "أنا بخير."
♪♪
"لم أظن أن حالتك بذلك السوء عندما
هاتفتيني."
رفعت رأسي بصعوبة من الوسادة لأنظر لجرايس
وهي تغلق باب غرفتي خلفها. "أتظنينني كنت لأهاتفك إلا لو لم تكن حالتي بذلك
السوء؟"
هذا أوقفها وهي تنظر إلي متسطحة على جنبي فوق
السرير بملابس الأكاديمية في منتصف اليوم وأبدو كأن سيارة قد مرت فوقي لعشرة مرات
فقط. "وجهة نظر سديدة."
"هل جلبته؟"
رفعت يدها تريني الدواء. "معي."
اقتربت بعدها تعطيه ليدي التي امتدت قبل أن تتردد. "ام...لقد أوقفني رويال
بالخارج عندما رآني أتجه لغرفتك وأعطاني هذا."
عندما أرتني الدواء الآخر هبطت ملامحي في
عناد. "أعيديه له. أو ارميه. لا أكترث. فقط أعطيني ما جلبتِ حتى أستطيع إكمال
باقي اليوم الدراسي فرأسي ستنفجر."
"وحلقك كذلك." عقّبت على صوتي
المبحوح لأغمض عيناي.
"اللعنة. لدي صف غناء بعد قليل."
أنّيت في ألم وأنا أحاول النهوض لأخذ الدواء عندما أعطتني جرايس كوب المياه الذي
كان يجاور السرير. "آمل أن الأستاذ آفين لن يجبرنا على تقديم عرض
اليوم."
"لا بد وأنكِ مريضة فعلاً فقد بدأتِ
تهذين." رفعت جرايس حاجباً.
"أنتِ محقة." أنيت مجدداً وأنا
أمسك برأسي. "هو دوماً يجبرنا على تقديم عروض كل صف." حتى جرايس لم تحتج
أن تكون معنا في الصف لتعرف هذا.
عم الصمت لبعض الوقت وأنا أبتلع حبة الدواء
ثم أرتشف الماء بعدها قبل أن تسألني: "كيف حدث هذا؟"
"لقد مرضت. هل يحتاج الأمر حدثاً شيقاً
لكي يحدث؟"
"لا تهيني ذكائي رجاءً. لقد كانت تمطر
البارحة اليوم كله فلكِ أن تتخيلي مفاجئتي عندما وجدتكِ أنتِ وأليكساندر رويال
فجأة مرضى."
قفز بصري نحوها سريعاً. "أليكساندر
مريض؟"
"ما بالك؟" عقدت جرايس حاجبيها.
"منذ متى وأنتِ تهتمين لما يحدث له؟"
"لا عليكِ." تنهدت بعد أن وضعت
الكوب مكانه مجدداً ثم أرخيت ظهري على رأس السرير وأغمضت عيناي. لكن شعور الذنب
كان لا يزال يرافقني. السبب الوحيد هو أنني السبب في مرض أليكساندر ليس إلا. لكني
لم أهتم له.
"أنتما كنتما سوياً البارحة صحيح؟"
سؤالها جعلني أنتفض وأمسك معصمها بقوة
فاجأتها عندما توسعت عيناها في ألم وهي تنظر لي في صدمة. "أغلقي فمك."
سحبت جرايس معصمها من قبضتي في غضب وأخذت
تدلك يدها التي احمرت بسببي. "لدي إجابتي إذاً."
"إن كنتِ حقاً تريدين مساعدتي فأنتِ
تقومين بعمل سيئ، ثندر." أخبرتها ببرود. كيف لها أن تسأل سؤالاً كهذا بصوت
عال في الغرفة وتنسى مع من نلعب؟ أنا لا زلت لا أعرف من كان يصورنا البارحة وهل
الأكاديمية من أرسلتهم فعلاً أم لا.
لأنه لو اتضح أن الأكاديمية تتبع تحركاتي
فعلاً...فهم قد رأوني مع لينك.
لكن هذا مستحيل. لينك قد تأكد من كل شئ وأنا
أثق به. هو أكثر حذراً مني ويعلم ما يفعل. فلما كان زاكاري هناك إذاً؟ وهل أصدق
أليكساندر أم هي طريقة منه لتضليلي عن كونه فخ قد رصده لي؟
تنهدت جرايس ونهضت من على طرف السرير مبتعدة
عني. "أنتِ مزعجة لا أعلم لما أتفاجأ من برودتك كل مرة. المهم،" مسحت
على تنورتها قبل أن تنظر لي بجدية. "أنا أعلم أنكِ لستِ غبية ولكن علي أن
أحذرك لأنني لا أحب ما يحصل مؤخراً، ديانا. توخي الحذر من أليكساندر وباقي الهرم.
هم لن يكونوا أصدقائك أبداً."
"وأنتِ ستكونين؟" زفرت في سخرية.
"أخبريني إذاً من يساعدني من الإدارة."
لكن كما توقعت هي هزت رأسها وكأنها تعبت مني
وتوجهت نحو الباب لترتفع زاوية شفتي قبل أن تملكني نوبة سعال أخرى. ولكن لم يكن
ذلك سبب توقف جرايس أمام الباب وكأنها استوعبت شيئاً لأسأل في انزعاج: "ماذا
الآن؟"
"شئ ما اختلف..." التفتت ببطء
ومسحت عيناها على ملامح وجهي وهي تحاول فهم شئ ما قبل أن تتسع عيناها للمرة
الثانية اليوم. "أنتِ تعلمين."
"أعلم ماذا؟" أملت رأسي في براءة.
"كفاكِ ترهات!" صاحت ولكنه لم يكن
في غضب... بل قلق. أخفضت صوتها مجدداً واقتربت مني وهي تسأل في حذر. "متى
اكتشفتِ من يكون؟"
كدت أبتسم. تأكدها أنني أعلم فعلاً هويته
وليس شكاً لتسألني متى علمت جعلني أدرك أنها أذكى مما ظننت. "لا أفهم عما
تتحدثين."
"واو." هزت رأسها ومشطت شعرها
الرمادي بعيداً عن جبهتها. "أنا لم أتوقع هذا. فقط...فقط لا تقولي شئ. رجاءً
ديانا. هذا قد يسبب الكثير من المشاكل."
على هذا أنا ضحكت قبل أن تنتهي الضحكة بسعال
قصير. "لا وعود."
"ديانا أنا جادة."
"وأنا أيضاً."
رمت بيدٍ في قلة حيلة وعادت للباب كي تغادر
لكن قبل أن تغلقه خلفها هي ترددت وأنا أسعل مجدداً وأحاول النهوض فأنا أيضاً كان
علي الرحيل للصف قبل أن أتأخر. "إن احتجتي شيئاً فأخبريني."
من ثم هي رحلت بسرعة دون أن تعطيني فرصة للرد
أو الرفض لأتنهد وألتقط سترتي المرمية على أقرب كرسي وأرتديها وأرتب شعري المبعثر
والذي كان بدأ يلتصق بوجهي وعنقي بسبب تعرقي جراء علوّ حرارتي. توقفت أمام المرآة
قبل الرحيل ونظرت لنفسي قليلاً. شعري طال في الآونة الأخيرة وقد وصل لكتفاي حتى
بدأت تظهر تموجهاته الخفيفة. وبسبب ذلك بدأت تظهر جذوري البنية لأفرك وجهي في تعب.
سيتحتم علي صبغ شعري مجدداً قبل أن يصبح الأمر ملحوظاً، ولكني أضعت اجازتي الأخيرة
ولا مجال لي للقيام بذلك إلا داخل أسوار الأكاديمية.
تنهدت وتراجعت عن المرآة فقط لأتوقف عندما
لمحت شيئاً يلمع من زاوية عيناي على طاولة المرآة. أعدت بصري لها لأجد ورقة بيضاء
مطوية تغطي شيئاً أسفلها. وأنا أعرف أن هذه الورقة لا تنتمي لي. اقتربت منها ورفعت
الورقة فقط ليتجمد الدم بعروقي عندما رأيت ما تحتها.
كانت صورة قديمة لي مع زيريلدا ولينك.
ارتعشت أصابعي وأنا ألتقطها وأقلبها لكن لم
يكن هناك شيئاً على ظهرها لأنظر للورقة البيضاء في يدي الأخرى وأفتحها وقلبي ينبض
في حلقي من الرعب.
(أنقذي
زيريلدا. وقتك محدود قبل أن أفسد عليكِ كل شئ).
لقد عاد. ذلك الشخص الذي حاول قتلي وقتل
مارفن من قبل. عادت رسائله المريبة وعاد ليهددني. وتهديده هذه المرة كان الأكبر.
فهو يعلم بوجود لينك. ويعلم أنني على معرفة بكليهما. هو لا يعرف هويتي الحقيقية
فقط... بل يعرف كل شئ. يعرف لما أنا هنا.
يا إلهي. ماذا يحدث؟ من يكون؟ كيف أن يعرف
أحد هذا الشئ؟ لقد ظننت أنني ولينك أحرقنا كل شئ دلّ على ارتباطنا ومعرفتنا ببعض. اعتصرت
الورقة في يدي قبل أن أمسك الصورة وأمزقها لقطع صغيرة حتى لا يكون هناك مجال
لتجميعها مجدداً قبل رميها في القمامة. أما عن الورقة فقد دسستها في جيب السترة
قبل أن أمسح النظرة المرتعدة عن وجهي وأغادر الغرفة.
-----
لم تكن جرايس تبالغ عندما قالت أن أليكساندر
مريض أيضاً. في الحقيقة تقريباً كل الطلاب لاحظوا ذلك وكنت أشعر بنظراتهم تتنقل
بيننا في فضول وهم يتهامسون وأنا أمسح أنفي بمنديل بعد أن عطست للمرة المليون منذ
جلست في صف الغناء خلف مقاعد الهرم بعدة صفوف. لم يلتفت لي أليكساندر ولا مرة منذ
دخلت ولكنه نظر لحالتي المزرية عندما وصلت
وأقسم أنني رأيت شبح ابتسامة قبل أن يسعل. آرتميس أعطتني نظرة مزرية وكانت على
وشكل النهوض وافتعال شجار لولا يد أليكساندر التي أوقفتها من خصرها.
وصول الأستاذ آفين أجبر الهمسات على أن تنتهي
وهو يتوقف خلف مكتبه وينظر حول الطلبة في ابتسامة ذهبية. هو كان يبدو دوماً مهندم
المظهر ووسيماً وبطريقة ما كان يذكرني بأليسكاندر لكن لا أعلم لماذا. ربما لأن
كليهما أشقر؟
كنت لا أزال مشغولة بالتفكير بالرسالة
المدسوسة بجيب السترة والصداع يصل لمرحلة لا تطاق لأجلب رأسي على الطاولة أمامي
وأغمض عيناي محاولة إجبار عقلي على التوقف عن التفكير فهو لم يكن يساعد على حالتي
الحالية. كدت أزمجر في ألم عندما جعلني أنتفض صوت الأستاذ آفين:
"ديانا، هل أنتِ بخير؟"
أومأت تحت نظرات الجميع واسترقت نظرة لمؤخرة
رأس أليكساندر قبل أن أعيدها للأستاذ الذي أكمل: "لا تبدين..." من ثم
نظر للمناديل أمامي ليرفع حاجباً. "هل أنتِ مريضة؟"
"نزلة برد بسيطة." أخبرته في خفوت
على غير استعداد لإنفجاره.
"نزلة برد؟!" كاد يصرخ لولا كون
صوته لا يعلو أبداً. كونك أستاذ غناء يجعلك تفهم أهمية عدم إفساد صوتك على الصراخ
الغير لازم. "أتسمعين صوتك الآن؟ هناك عرض آخر الأسبوع!"
"في الحقيقة أستاذي العزيز،" تدخل
صوت أطلس من خلفي لأغلق عيناي. كنت أعلم أنه على وشك إغضاب الأستاذ بما سيقوله. هو دوماً يحب
إثارة الشغب أينما ذهب. "ملكنا رويال أيضاً مريض إن لم تلاحظ."
"ماذا؟!" صاح الأستاذ وهو ينظر
سريعاً لطالبه المفضل بالصف الأول الذي وبطريقة ما انزلق في كرسيه يحاول الإختفاء
قليلاً وكدت أضحك على هذا. من كان يظن أن توبيخاً من آفين هو ما يخيف أليكساندر؟
مسح الأستاذ بصره على حالة أليكساندر بحاجبين
مقطوبين وكاد يصرخ بوجهه قبل أن يتوقف ويرمي بنظرة سريعة نحوي ثم يعيدها
لأليكساندر. "هل تمازحني، ليكس؟ أنت من بين الكل هنا تعرف أهمية تفادي ما قد
يؤثر على صوتك!"
"أعلم..."
"إذاً ماذا؟ كيف تنوي أن تغني في العرض
القادم؟"
"لا أظنني سأظل على هذا الحال حتى
الجمعة..."
"وماذا إن ظللت؟!" علت نبرة
الأستاذ مجدداً.
"سأتولى الأمر." أخبره أليكساندرفي
صرامة ليبسط الأستاذ شفتيه وهو يشارك مسابقة تحديق مع طالبه المفضل لعدة لحظات
طويلة قبل أن يعلن دون فصل بصره عن أليكساندر:
"ديانا وليكس انتظراني بعد الصف. علينا
أن نتحدث بشأن هذا ولا جدوى من تضييع وقت الصف على حماقة ارتكبوها ألمع
طلابي!"
جملته الأخيرة كان وقعها خاطئاً عندما عم
الصمت الثقيل على الصف الأول وتحديداً حيث تجلس آرتميس وهي تنظر للأستاذ الذي
تدارك خطؤه وهو يغمض عينه للحظة سريعة قبل أن يلتفت للكمبيوتر ويعلن بداية الصف.
بعد الصف نهضت ألملم أشيائي عندما مر أطلس من
أمامي مع أخته رافعاً إصبعين في تحية. "أدعو أن نستطيع إيجاد جثتك غداً على
الأقل."
قلبت عيناي. "لا تكبّر الموضوع. أنت
تعلم أن الأستاذ لن يفعل شيئاً سوى توبيخنا."
"ياللهول، صوتك أسوأ من بداية الصف. لا
تخافي، سأحث أصدقائي على الدعاء لكي كذلك. آمل أن يكفي هذا."
"اغرب عن وجهي أطلس."
"عُلم وينفذ!"
شاهدته يقفز أسفل الدرجات ليصل لأخته التي تنتظره
عند باب الصف حتى غادر وما كان سوى أليكساندر وأنا في القاعة الآن مع الأستاذ الذي
كان يجلس خلف مكتبه ويغلق حاسوبه. تقابل بصري مع بصر أليكساندر الذي غمز نحوي
لأتنفس في ضيق وأتّخذ طريقي إلى مقدمة الصف.
رفع الأستاذ رأسه ونظر لأليكساندر في إحباط.
"أنت المغني الافتتاحي، ليكس!"
جفل أليكساندر على نبرته. "أدرك
هذا."
"من ثم؟ ماذا أفعل الآن؟ ماذا إن لم
تستطع تقديم العرض؟ أنت لم تفوت عرضاً من قبل!"
"ولن أبدأ الآن. جدياً، آفين، لا تقلق.
أنا سأتعافى قبل الع—" لم يستطع إنهاء كلامه إذ أخذته نوبة سعال على غفلة
جعلت الأستاذ يمسح كفه على وجهه في محاولة لتمالكه أعصابه.
"أنت لا تستطيع الحديث حتى. كيف ستتمرن
على العرض؟ متى ستسجل الأغنية والأصوات المساعدة؟ متى—"
"سأتولى الأمر، آفين!"
تفاجأ كلانا من صيحة أليكساندر ليعم الصمت
على ثلاثتنا بينما أسترق نظرة نحو أليكساندر الواقف بجواري. هو أطلق نفساً مضغوطاً
وبدت عليه علامات التعب قبل أن يعيد ابتسامته ويختفي كل ذلك في غضون لحظة.
"أعتذر. دعني أهتم بالأمر ولا تقلق أنت."
شاهدته يرحل في دوامة من التشوش حتى أعادني
صوت الأستاذ آفين فجأة وهو خافت:
"لا تعطليه عن مستقبله."
أعدت رأسي سريعاً نحوه. "أستميحك
عذراً؟"
"أياً كان ما كنتما تفعلاه سوياً لا
يخصني. ما يخصني هو ألا يحدث شئ ليؤثر على أداء أمهر طالب عرفته الأكاديمية. ليكس
يحمل الكثير فوق عاتقه بالفعل ولن أجلس صامتاُ وأشاهده يلقي بكل ذلك من أجل
فتاة."
فتحت فمي وأغلفته عدة مرات في صدمة، فلم أجد
ما أقوله رداً على كلامه. نهض الأستاذ وأخذ يحمل حقيبته وحاسوبه وهو يكمل: "أنتِ
أيضاً طالبة ماهرة، ديانا. لكنك لم تمري بنصف ما مر به ليكس ليصل لهذا. فرجاءً
اتركيه وشأنه إن استطعتي ولا تجعليه مشتت الذهن هكذا."
"ولما تلومني أنا؟ أنا لم أجبره على
القيام بأي شئ."
رفع بصره وقابل عيناي أخيراً لأول مرة:
"لأنني رأيت هذا السيناريو من قبل. ولم ينتهي الأمر بطريقة جيدة."
♪♪♪
كان يجدر بي التمرن. كان يجدر بي التحضر
للعرض القادم أو المذاكرة. لكن جسدي كان يؤلمني ولم أقوى على تحريك إصبع. فوت
الغداء كما فوتّ الفطور واخترت النوم بدلاً من هذا لعل حالتي تتحسن عندما أستيقظ. لكن عكس ما
ظننت فقد استيقظت بشعور أسوأ وقد تقيأت مرتين منذها. الحفل كان في نهاية الأسبوع
وكان على جميع الطلبة التحضر من الآن. لم يكن عرضاً كبيراً لكن إعطائنا أسبوع فقط
للتحضر كان قليلاً جداً. لكن هذه هي الأكاديمية. تتحداك دوماً وأنا كنت أهلاً لهذا
التحدي. فقط كانت تلزمني فكرة للعرض الذي سأقدمه. موضوع العرض كان عن الأوليمبياد
ولهذا لم أستطع في التفكير بشئ مناسب لأقدمه، خصوصاً وأني لن أستطيع الرقص به.
صباح اليوم التالي استيقظت على إعلان يومض
باستمرار على شاشة التلفاز ببدء أسبوع الرياضة لأعقد حاجباي وأنا أغلق الشاشة التي
جعلت صداعي يتضاعف. عندما انتهيت من ارتداء زيي بعد عناء تركت الغرفة متوجهة لصالة
الكافيتريا لأنني كدت أفقد وعيي من قلة الغذاء.
في الممرات وجدت فيبي تقف جوار طاولة طويلة وعليها
العديد من الأوراق والإعلانات، لكن لم أحتج قرائتها لأن فيبي بالفعل كانت تصرخ
بمحتواها على كل من يعبر.
"يوم الرياضة! باشروا بالتقديم في الرياضة التي تبرعون فيها قبل فوات الأوان!"
"ما هذا؟" سألت فيبي التي وقفت مع ثلاثة طلاب آخرون يقومون بتوزيع لائحات على المارّون.
التفتت فيبي لي بابتسامة واسعة وأعطتني ورقة. "إنها مسابقة لكن في عدة رياضات، نقوم بها في منتصف كل فصل دراسي. أي طالب في أبولو يظن أنه جيد في رياضة معينة ويود التقديم يملأ هذه الورقة ويسجل نفسه للتنافس. إن الغرض منها هو التذكير بأهمية الرياضة بقدر الدراسة والفن."
"أوه،" نظرت الورقة في يدي التي تطلب عدة بيانات منا لتسألني فيبي: "هل ستشاركينا أيضاً ديانا؟"
"كلا،" هززت رأسي وناولتها الورقة مجدداً. "أنا لستُ جيدة في الرياضة تماماً."
"حقاً؟ ياللأسف. لا بأس، إنه في نهاية الأسبوع واليوم اجازة ومن لا يشارك يصبح الجمهور."
"أليس—"
"ديانا بريڤ لا تبرع في شئ أخيراً؟" تطفّل الصوت المألوف من خلفي ولم أحتج أن أستدير لأستكشف عن صاحبه. ابتسامة فيبي تجمدت أمامي لوهلة قبل أن تعطيني ظهرها وتستكمل هتافها للطلاب وتوزيع أوراق التقديم، تتجاهلني في لحظة. "هل أقيم جنازة؟ لابد وأنه خبر يستدعي مناسبة لائقة."
"آرتميس." التفت لها وقابلتني بوقفتها الشامخة وابتسامة تُظهر اسنانها المثالية البيضاء. كانت ترخي يداً على خصرها بينما خلفها مارڤن تلعب في أظافرها ببرود وتتجاهل وجودي. "دعيني أخمن… أنتِ ستشاركين."
"يالك من نابهة. ربما فاشلة في الرياضة لكن لديكِ مستقبل مبهر في… شئ ما بلا شك."
تجاهلت تعليقها. "بأي رياضة ستشاركين؟"
"الرماية."
ضحكة لم أستطع منعها هربت مني. ما هذه الألعاب؟ "لا تمانعين سؤالي لكن.. لما الرماية؟"
"لا تتحاذقي معي. أنتِ على علم تام بالسبب."
تجمدت ابتسامتي على محياي وتغيرت لتكون باردة. "وإلى متى ستتركينهم يحركوا خيوطك؟ ألم تسأمي من اسمكِ يوماً؟ لا بد وأنهم مهووسون بالأساطيرالإغريقية."
نظرة آرتميس كانت حاقدة وهي تمسح بصرها علي من أعلاي لأسفلي.
"أنتِ جاهلة تماماً لكل شئ."
عم الصمت بيننا وحتى فيبي وأصدقاؤها كانوا صامتين ونحن نتبادل نظرات
صامتة، حتى التفت لمارفن. "وانتِ مارڤن؟ بم ستشاركين؟"
تنهدت الأخيرة وكأنها كانت تأمل ألا تضطر للحديث معي. "كرة السلة."
"استمتعي بالمشاهدة على ما أظن." استدعت آرتميس انتباهي
مجدداً عندما اقتربت مني فجأة والتصقت بي لأتراجع سريعاً في صدمة. هي اضطرت لأن
تميل قليلاً حتى تصبح في طولي بسبب كعبها الطويل لتهمس بأذني: "فهذا هو
مكانك."
عندما رحلت استكملت فيبي الدعاية وتسجيل المتقدمين وكأني لا أقف.
التوت معدتي بعد أن فقدت شهيتي وعدلت عن الذهاب للكافيتريا، فيبدو أنني سأفوت
الفطور كذلك.
--
قررت الذهاب لإستديو التسجيل عوضاً عن ذلك، ويبدو أنني لست الوحيدة الذي فوت الفطور من أجل ذلك، فقد فوجئت بوجود أليكساندر مع مالك وآركيت.
لم يلحظني أحد منهم لأعبر نحو إحدى الغرف الشاغرة وأقابل طالب
الموسيقى المسئول وقتها. رحب بي وأعطيته الأغنية التي سأقدمها. "أريد موسيقى
هذه الأغنية."
أومأ ريماس وهو يستلم ملف الأغنية ويبدأ فيها فوراً. "انتظريني
بالخارج. لن يأخذ الأمر أكثر من نصف ساعة. سأعلمك حالما أنتهي لتقومي بتسجيل
الأصوات المساعدة."
أومأت في صمت وغادرت دون كلام كثير لأني بدأت أشعر بالدوار لقلة
الأكل. اتخذت أحد مقاعد الإنتظار أمام غرف التسجيل ونظرت للغرفة الأولى حيث كان
أليكساندر يقف جوار مالك خلف لوحة التحكم بينما آركيت يبحث في شئ على هاتفه في
أقصى الغرفة. كانا منغمسان فيما يسمعونه
ليتملكني الفضول فأنهض وأقف على الباب دون أن يلاحظني أحد.
"تعجبني كلمات هذه الأغنية." قال آركيت دون رفع رأسه عن
هاتفه وهو يستمع لصوت أليكساندر المسجّل الخالي من الموسيقى. "كم استغرقك
لكتابتها هذه المرة؟"
"إنها أغنية قديمة، لكنني ظننت أن كلماتها ستفي بغرض
العرض." أجابه ألكساندر وهو مشغول بتدوين شئ على دفتر صغير جواره. ثم أخبر
مالك: "اريد شيئاً قوياً. أريدها افتتاحية
حماسية وتجلب الجميع لأرجلهم من المقاعد. إنها الاوليمبيات فيجب أن يكون الحماس
والادرينالين موجوداً وهذا ما اريد تحقيقه بالافتتاحية."
أومأ مالك في فهم ويبدو أنهما معتادان على
العمل معاً لأن تواصلهما بدا سلساً ، عندما باشر الأخير بالضغط على عدة أشياء
وإضافة بعض النغمات قبل أن يشغل الأغنية مجدداً: "ما رأيك الآن؟"
استمعت للمقطع القصير مع أليكساندرقبل أن يهز رأسه. "بل اجعل
صوتي وحده، لا أريد إضافات على صوتي. أريد الإعتماد على صوتي والكلمات مع الموسيقى
لتحقيق ما أريد. امسح طبقات الصوت الإضافية وأضف إيقاعاً آخر."
"مجدداً؟" سأل مالك وحتى آركيت رفع رأسه في تعجب.
"هكذا ستكون الأغنية صاخبة."
"الغ الموسيقى قبل أن أقول كلمة (بارد الدم) واجعل النغمة تبدأ
في آخرها، وكأن قنبلة تنفجر مع قولي لها."
ارتفع حاجباي في دهشة من رؤيته تلك، فقد كنت أسمع ما يقوله بالفعل قبل
أن يضع مالك تلك التعديلات. لقد كان أليكساندر موهوباً في صنع الأغاني وليس
فقط كتابتها وتلحينها. الكلمات بالفعل
كانت مبدعة والأغنية إن سمعتها قبل كل تلك التعديلات لم أكن لألحظ أنها تفتقر لأي
شئ، ولكن عندما اشتغل المقطع مجدداً وقد بدا أفضل عدة مراحل، شعرت بالأدرينالين
يتدفق في عروقي وأنا أتصور رقصة تليق على هذه الأغنية والكلمات. كنت أشاهد العرض
يحدث أمامي بالفعل ولكن أليكساندر ظل يستمع في صمت تام حتى انتهى المقطع.
ما باله هذه المرة؟ لقد كانت مثالية الآن.
كان ينظر لدفتره في تركيز تام حتى انعقد حاجباه من انغماسه في
التفكير. كنت أنتظره مع مالك وآركيت الذي ترك هاتفه أخيراً قبل أن يتكلم أخيراً:
"أضف جهير."
وفور اضافته اكتملت الاغنية وتفاجئت أكثر من
أذنه الموسيقية. هي لم تشهد شيئاً كهذا من قبل. لم يسبق لها أن سمعت تغييرات كثيرة
مع إضافات بسيطة هكذا. انتهى المقطع وانفجر مالك بالضحك على النتيجة النهائية ونهض
مصافحاً آركيت الذي اعتصر كتفه في ابتسامة واسعة.
"هذا عظيم!" هتف مالك في حماس.
ووجدت نفسي أبتسم قليلاً لا تلقائياً
استرقت نظرة على أليكساندر لتتوقف ضربات قلبي
عندما وجدته يشاهدني. هنا لاحظني آركيت كذلك ليتوقف عن المزاح مع مالك. "أوه،
ديانا. كيف الحال؟"
تقدمت داخل الغرفة. "أغنية جميلة."
"أليس كذلك؟ إنها ستعجب العديد. أعتقد
أن عرضها سيكون رائعاً." قال مالك.
"وسيكون أفضل لو أضفت الرقص خلفي معه." نظرت لأليكساندر.
أطلق ضحكة قصيرة. "رقص؟ كلا. أنا أغني
وحسب لا أقوم باستعراضات."
"أبداً؟" هذا أثار تعجبي.
"ألم تضف راقصون خلفيون لعروضك من قبل؟"
ضحكة مالك كانت قوية. "إنه كابوس
بالنسبة إليه. يظن أن هذا سيجعله يبدو كمغني بوب عصري. ملكنا هذا يحب حماية مظهره
الوقاري."
نظرت لأليكساندر الذي هز رأسه والتقط دفتره الصغير. "أنت لا تفهم. أغنية كهذه
يجب أن تحتوي على عرض رقص معها. كيف ستغني شيئاً بهذا القوة دون رقص؟ هل ستقف
بطولك وكأنك مغني أوبرا؟ أم سترقص أنت لتحمس الجمهور؟"
كتم مالك ضحكته وحتى آركيت عض شفته مانعاً
ابتسامته ليتوقف أليكساندر وينظر لهما بحدة قبل أن يلتفت إلي. "انظري، ديانا.
أفهم أنك تفتقدين الرقص لكن—"
"هذا ليس ما بالأمر! ثق بي! ما برأسي
الآن بعد سماع المقطع الرئيسي سينقل عرضك لمكان آخر!"
حماسي الشديد لم يجعلني أفكركثيراً فيما
أقوله، ولكن على تحديق أليكساندر أدركت ما خرج مني لأتوقف. "أو لا. أياً يكن.
فقط فكر في الأمر وتعال إلي لتخبرني بقرارك. يمكنني أن أريك الرقصة التي في بالي
آنذاك أيضاً."
وبهذا تركت المكان سريعاً عائدة لريماس الذي
قد انتهى لحسن الحظ لأستلم الموسيقى منه وأخبره أنني سأسجل الأصوات الخلفية فيما
بعد عندما يتحسن صوتي قبل الرحيل بسرعة.
----
وقت الغداء وصلت للكافيتيريا بعد يوم شاق كنت
أشعر أنني سأفقد وعيي بسببه وبسببه قلة الطعام، لكن هذا ليس سبب قدومي. كان علي
التحدث مع أحدهم وبشدة.
وقعت عيناي على طاولة الهرم وأخذت خطواتي
نحوها. رأتني آرتميس مباشرة وكأنها تستطيع الشعور بقدومي لتختفي ابتسامتها التي
كانت موجهة لمارفن وتلقي بشطيرتها في الطبق. "والآن قد فقدت شهيتي."
تجاهلتها وسحبت كرسياً خالياً من الطاولة
الأقرب—طاولة الغناء حيث كان يجلس أطلس فوقها يزعج أصدقائه بغناء قبيح مازح. لكنه
توقف عندما لاحظ وجهتي وضحك. "أوه، أخيراً بعض المرح الحقيقيّ."
جررت الكرسي ورائي حتى وصلت لأليكساندر وجلست
جواره، لألحظ الصينية الممتلئة بأطعمة كثيرة أمامه فوراً.
"أوه أليكساندر، لقد أحضرت صينية أخيراً. هل قررت الأكل
أخيراً؟" سرقت بعض البطاطس
المقلية من أمامه ووضعتها في فمي، وحاولت تجنب أي وجع في معدتي بسبب الجوع الشديد
الذي كان يؤرقني منذ فترة طويلة.
تجاهل أليكساندر سؤالي كما كنت أتوقع، وانحنيت قريبًا منه وهمست بغضب.
"هل كشفت عن هويتي لأي شخص؟"
كان السؤال مباشرًا لدرجة أنه تفاجأ، ونظر حوله قبل أن يعيرني
اهتمامه أخيراً. "ما هذا السؤال؟"
"أجبني، أيها الوغد."
عقد حاجبيه على فظاظتي ، وحاول التركيز على وجهي عدة ثوان قبل أن يهز
رأسه ويهمس. "كلا. لم أخبر أحداً."
لكن لم يتلاشَ القلق الذي كان وحاولت جاهدة أن أحجب طاولة التصوير عن
نظري. سرقت قطعة أخرى من البطاطس المقلية الموجودة أمام أليكساندر. سرقت قطعة أخرى
من البطاطس المقلية أمامه. "هل عرفت شيئاً عن زاكاري؟"
"لازلت أبحث، لكنه لا يتصرف بشكل مشبوه."
"هل تعتقد أن الأكاديمية هي من أرسله؟"
"عمّا تتهامسان؟" طرحت آرتميس سؤالًا في حدتها، ليرفع
أجاكس رأسه عن دفتره وينظر إلي. نظرة غريبة مرت على ملامحه لم أفهمها قبل أن يقبض
فكه وينظر بعيداً.
"سوف يقتلك فضولك
هذا يوماً ما، آرتميسيا." أخذت قطعة بطاطس أخرى من صينية أليكساندر ورأيت نظرتها
تصبح أكثر سوءًا عندما نظرت إلى الصينية لفترة طويلة قبل أن يلتفت أليكساندر إليها.
"غريبٌ
سماع هذه الجملة من فمك، بريف. أعتقد أننا نعرف جيدًا
أنني لست الشخص الفضولي بيننا."
قلبت عيناي وأملت نحو أليكساندر مجدداً أهمس له: "فلتجعل صديقك
ينظر بالأمر إذاً. آركيت أقرب له مني ومنك، يمكنه مراقبته عن قرب."
لم يجبني أليكساندر، لكنني لاحظت أنه قرّب الصينية نحوي قليلاً، مما دفعني لأرفع رأسي بسرعة. وفجأة، فقدت شهيتي تمامًا. أخفضت يدي ببطء وأخفيت وجهي عنهم، محاولةً التحكم في أفكاري ومشاعري.
لأنني أدركت أخيراً: لم تكن هذه الصينية له بل لأجلي.
"كيف ستشاركين في العرض؟" تدخل صوت مارفن لأخذ نفساً قبل أن أنظر باتجاهها. كانت تجلس جوار آركيت الذي ابتسم قليلاً لي لكنني لم أبادله، فعقلي كان منشغلاً.
"لما هذا السؤال؟"
أشارت لذراعي. "أنتِ لا تستطيعين الرقص حالياً ولا تستطيعين
الغناء لأنكِ مريضة. لذا أنا أتعجب من كيفية مشاركتك."
"لم أكن أعلم أنكِ تهتمين بشأني لهذه الدرجة، مارفن. كم هذا
لطيف منك."
انعقد حاجبيها على تعليقي البارد وتبادلت نظرة مع آركيت الذي هز رأسه
لتتنهد وتكمل طعامها. طعامها الذي ستتخلص منه بعد قليل. ياربي، كم أدرك أن هذا
الهرم مدمّر كلما جلست بينهم. كيف يتحملون كل هذا؟ كيف رغم كل هذه المنافسات بينهم
لا يزالون أصدقاء يهتمون ببعضهم البعض؟ لما هم يتصرفون معي بتلك الطريقة إذاً؟
التوت معدتي أكثر تذكرني برأس الهرم الجالس بصمت من جواري لتنقبض يدي
في تمالك لأعصابي قبل أن أنهض في صمت، لكن يد أليكساندر اندفعت تمسك معصمي توقفني
وعندما استدرت سددت لكمة لوجهه.
شهق العديد ممن رأوا ومالك وقف مسرعاً من كرسيه، لكن أليكساندر لوح
بيده يوقفه عن فعل شئ، لأعطيه نظرة باردة وهو ينظر بين وبين أليكساندر في تردد.
أغلقت أصابعي حول ظهر كرسيه وسحبته منه ليقترب مني ثم انحنيت لنصبح
وجهاً لوجه. ولكن بدلاً من أن يقابلني غضبه وجدته يبتسم بخفة وهو يشاهدني. هسهست
حتى لا يسمعني سواه: "لا تلمسني، رويال. ولا تعتني بي مجدداً."
تشاركنا أنفاسنا في تلك اللحظة وعيناه هبطا سريعاً لشفتاي قبل أن
يعيدها، ولكن هذه النظرة السريعة قطعت اتصالنا لأستقيم فوراً وأبتعد عنه وكأنه
أحرقني، أتفادى النظر باتجاهه.
"ماذا جرى للتو؟" سمعت مالك يهمس من خلفي وأنا أرحل.
شعرت بنظراتهم تلاحقني، وتسلل صوت آركيت: "لا أعلم..."
♪♪♪♪
"ديانا؟"
فتحت باب الغرفة بعد دقيقة لتدلف جرايس ورائي
لأتنهد وأنا أفرك رأسي من الصداع. "ما الأمر الآن؟ هل أرسلكِ بشئ أو
رسالة؟"
"كلا،" أجابت وأنا أعود للجلوس على
المكتب الذي كنت أذاكر عليه للتو. "في الحقيقة، أليكساندر رويال من
أرسلني."
استدرت نحوها سريعاً لألحظ أخيراً ما بيدها
وهي تمده نحوي. نظرت لصينية الطعام الطازج مطولاً قبل أن أرفع بصري لها ببطء.
"لقد أخبرني ذلك الأخرق أنك لم تأكلي
شيئاً منذ يومان. أتحاولين تجويع نفسك أم ما شابه؟" لم أعبأ لنبرتها الحادة،
في الحقيقة لم أعبأ لشئ في تلك اللحظة. "لقد جعلني ذلك الأخرق غاضبة من نفسي
بشدة. كيف لم ألحظ ذلك؟ أنتِ لم تجلسي على طاولة الرقص خلال يومان فعلاً. لكنني
ظننتك تأكلين في غرفتك أو ما شابه لم أفكر أنكِ تحاولين الموت ببطء. ولما لم
تخبريني بشئ؟ أخبرتكِ إن احتجتي شيئاً أن—"
"—لماذا؟" جاء سؤالي الخافت.
"لماذا ماذا؟" تقدمت نحو المكتب
وتركت الصينية فوقه. "أنتِ أغرب إنسان تعاملت معه بحق. أما إن كنتِ تتسائلين
عن دافع أليكساندر فعلمي هو علمك. لكن لا تقلقي أنا لا أثق به أكثر منك، فقمت
بتبديل الطعام قبل أن آتِ. معذرة على حرمانكِ من وجبة السلمون والجمبري الفاخرة ،
لكن عليكِ تقبل وجبة الفلاحين هذه، فهذا كل ما استطعت جلبه من المطعم في هذا
الوقت. علي الإعتراف لقد صدمت عندما أتى فجأة لغرفتي من أجل ذلك. يقول أنكِ لن
تأخذيها منه حتى ولو أجبرك وربما قد تقتلينه." هذا جعلها تطلق ضحكة قصيرة
وتضع يداً على خصرها في فخر. "هذه هي فتاتي."
عندما ظللت صامتة عقدت حاجبيها. "أرى
أنكِ لستِ معتادة على أفعال المساعدة من حولك وجسدك دخل في صدمة. ديانا،"
قالت وهي تتوقف أمامي وتمسك بكتفاي لأتجمد. لكنها أخطأت فهم ردة فعلي لتضغط أكثر.
"لا بأس إن قبلتِ مساعدتنا من حين لآخر. أنا أعلم أن ما مررتِ به ليس بشئ
يسير... لكنني لن أخونكِ أبداً. أنا فقط...لستُ ذلك الشخص. ربما لا أمتلك دليلاً
على صدقي...فيتحتم عليكِ تصديق كلامي وحسب حسناً؟"
عندما لم أقل شيئاً بالمقابل انعقد حاجبيها
وهي تحدق بوجهي. "لم يجدر بي أن أخبركِ أنها من أليكساندر أليس كذلك؟"
عندما لم أجبها هي تنهدت وتراجعت للوراء.
"لا تضعي ذلك يشوش أفكارك. إن جميعهم متلاعبين، ديانا. أنا عشت معهم نصف عمري
وقد رأيت الكثير."
"أنتِ لا تفهمين، جرايس." تحدثت
أخيراً وأنا أرفع عيناي لها، وعكس ما توقعت لم أرى نظرة الإحباط بهما، بل التفهم.
"أنا لا أرى أي سوء منهم. أعني... معظمهم،" ابتسمت عندما رفعت يديها
وكأنها تقول: أخبريني بذلك. سقطت ابتسامتي مجدداً. "إن ذلك يتلاعب بعقلي بشكل
أكبر مما تتصورين."
"عقلك فقط؟"
"أوه بحقك..."
"ماذا؟" رفعت يديها مدعيةً
البراءة. "أنا لست عمياء."
"إذاً ترين قبضتي بكل وضوح."
قلبت عيناها قبل أن تعود للجدية، وصوتها
انخفض قليلاً: "هل قد يتخذهم فقط موقف واحد يخونونكِ فيه لتصبح الأمور أكثر
وضوحاً؟"
بسطت شفتاي في صمت. الإجابة كانت واضحة؟
"لكن ماذا إن كانت تلك الخيانة كبيرة؟
ماذا إن كانت هي سبب دمار كل ما سعيتي لأجله؟"
لم أمتلك إجابة لهذا، ويبدو أن ملامحي قد
تغيرت تماماً كما شعرت بظلام يحتل صدري، لأن هزت جرايس رأسها ثم مسحت شعرها
المتطاير عن وجهها. "فقط...توخي الحذر."
بعدما تركتني ظللت أنظر للصينية لعدة لحظات.
كم كان الموضوع سخيفاً. أن أخاف الإقتراب من بعض الطعام وكأن قبولي به يعني رضوخي
لشئ لا أفهمه. ولكن بعد وقت طويل وقفت فيه في منتصف غرفتي تحت ضوئها اقتربت من
المكتب الأخيراً قبل أن أجلس. عندما مزّقت الغلاف البلاستيكي الذي يغطي الصينية
والطعام ليقع بصري مباشرة على علبة دواء جوار الطعام وتحتها ورقة صغيرة.
قرأتها: (علبة دواء محكمة الإغلاق حتى لا
تشكي أنني قد تلاعبت بشئ J اعتنِ بنفسك. - أ )
لم
أدرك أنني اعتصرت أصابعي إلا عندما تجعدت الورقة لأطلق نفساً طويلاً وأنا أحاول
التحكم في أنفاسي قبل أن أنهض فجأة وأسرع نحو الباب للخارج. لم أكد أفتحه حتى
اصتدمت بقوة بالشخص الذي كان يركض للغرفة كذلك.
تأوهت
في ألم وأنا أبتعد عن الصدر الحجري ممسكة بجبهتي قبل أن أنظر لصاحب الجسد وأرى
أليكساندر. أليكساندر الذي كان غاضباً وبشدة مرتدياً جاكيتاً أسود بقلنسوة رفعها
لتغطي شعره ومعظم وجهه. لم يبد أنه تأثر من اصتدامنا لكنه نظر حول الردهة الشبه
خالية قبل أن يرفع ورقة مجعدة أمام وجهي، يده ترتعش من الغضب المكبوت.
"ما
هذا؟"
نظرت
للرسالة التي تلقيتها عن زيريلدا لتتسع عيناي وأحاول انتشالها منه لكنه رفع يده
بعيداً عني حتى لا أطولها. "من أين حصلت عليها؟!"
"لقد
سقطت منك في قاعة الطعام وحزري من التقطها؟" مال قليلاً. "مالك! من حسن
حظك أنه من أخذها وليس آرت أو بلاك."
"ماذا،
ألا تثق بحبيبتك آرتميس لتلك الدرجة؟"
تراجعت
رأسه بسرعة للوراء في صدمة. "ما اللعنة؟"
دسست
ورقته الذي كنت ذاهبةً بها له في جيبي لأن تفاهتها كانت لا تقارن بالموقف الحالي.
مسح أليكساندر على وجهه وأشار لغرفتي خلفي. "لنتحدث بالداخل."
عندما
أغلقت الباب خلفنا شاهدته يلف حول الغرفة عدة لحظات وهو يحاول تهدئة نفسه، لا تزال
قلنسوته تغطي معظم وجهه. "لما لم تخبريني أن هنالك من يهددك؟" توقف
لينظر نحوي. "لقد فهمت الآن سبب سؤالك في الكافيتريا. لهذا السبب كان غريباً،
كان علي أن أعرف!"
"لماذا؟"
"لماذا؟
لماذا؟!" صاح في قبل أن يغمض عينيه ويتنفسه ليخفض صوته. "ألا تتذكرين
أنه هنالك من حاول قتلك من قبل؟ أنتِ ستخبريني بكل شئ الآن."
اعتصرت
مقبض الباب بأصابعي، لا زلت ملتصقة بالباب لم أتحرك. "ولما قد أفعل
ذلك؟"
فتح
فمه ليجيب لكن عينيه وقعتا على صينية الطعام التي لم تُلمس. "أين السلمون
والجمبري؟"
"لقد
غيرت جرايس الطعام."
"هاه."
كان هذا كل رده قبل أن يتنهد ويشير للمكتب. "سنتحدث وأنتِ تأكلين. لا بد
وأنكِ على بعد ثانية من فقدان الوعي."
عندما
لم أتحرك انعقد حاجبيه ونظر لي ملتصقة بالباب، متمسكة بمقبض الباب لأنه الشئ
الوحيد الذي يبقيني واقفة. "ديانا...هل أنتِ بخير؟"
جلبت
جلّ طاقتي في هزة رأسي تلك لتتسع عيناه فوراً وهو يهرع نحوي عندما أسقطت المقبض
وبدأت أهبط للأرض. لكنه أمسكنه في آخر لحظة قبل أن ترتطم رأسي بالأرض. جلس معي على
الأرض حذراً من إيذاء ذراعي المجبّي وعدّلني حتى أرفع رأسي وينظر إلى وجهي. كانت
عيناه واسعة وقلقة وهو يحركها بسرعة حول ملامحي قبل أن تنكمش ملامحه عندما بدأت
آخذ في أنفاس سريعة وعالية وأنا أحاول ألا أفقد وعيي تماماً.
سمعته
يسبّ قبل أن يثبت رأسي بيد واحدة تغلغلت داخل شعري الكثيف وكنت واعية كفاية لألحظ
أنه يحاول الحراك بنا نحو المكتب. لحسن الحظ أن المكتب الصغير كان قريباً من الباب
لأنه زحف بي قليلاً قبل أن يمد ذراعه الطويل وينتشل الصينية من فوقه. عندما رفع
المعلقة لفمي صفعتها لتتبدل ملامحه إلى الغضب فوراً.
"ما
الفائدة من مقاومتي؟! كفاكِ! لن أجلب هذا الموقف أو أتحدث بشأنه ولكِ كلمتي أنني أقسم
على هذا. والآن، فلتأكلي شيئاً...أرجوك."
عندما
رفع الملعقة للمرة الثانية لفمي ترددت قليلاً قبل أن أفتح فمي، يدي السليمة تعتصر
معصمه لسبب مجهول. كانت الصينية موضوعة على حجري بينما يد تثبت رأسي حتى لا تسقط
ويد تطعمني. هو لم يتحدث طوال الوقت وأنا تفاديت النظر لوجهه، أتقبل الطعام في صمت
تام. كانت معدتي تصرخ ألماً وشعرت أنني سأتقياً عدة مرات ليهدأ أليكساندر وينتظرني
قبل أن يعيد إطعامي عندما شعر أنني أصبحت بخير.
عندما
انتهى الطعام أخيراً وهدأت أنفاسي أطلق أليكساندر نفساً واحدأ قبل أن يرخي رأسه
على الحائط لأجلب عيناي له أخيراً. كان مغمضاً لعيناه وقد سقطت القلنسوة عندما
أسرع بإلتقاطي ليظهر شعره الأشقر المبعثر ووجهه الذي كان به بعض الكدمات القديمة
التي لم تصبح بيّنة. وتحت عيناه بعض السواد الذي يخبرني أنه يعاني مع الأرق حتى
الآن ولا ينم مثلي.
فتح
عيناه فجأة ونظر للأسفل لتلتحم عينانا فتتوقف أنفاسي. مرت لحظة وأنا أسيرة نظرته
الكسولة حتى تحدثت أخيراً:
"أنا
بخير الآن."
"حسناً."
ولكنه
لم يتركني—يده اليسرى لا تزال تحمل رأسي من الخلف— ولم يساعدني على النهوض. هو فقط
ظل يحدق بي بينما الصمت سائد بيننا، لا صوت تماماً سوى صوت عقارب الساعة وهي تحاول
تذكيرنا أن الوقت لم يتوقف كما نظن، بل أنه لا يزال يمضي.
عندما
ثقل جفنيه على عينيه وأظلمت مقلتاه، رفع يده الخالية نحو وجنتي، لأدفع يده سريعاً
وأنهض من عليه. أفلتني لأساعد نفسي على النهوض، متمسكةً بطرف المكتب حتى لا أسقط.
عندما استقمت استدرت لأره يسحب يداً كانت جاهزة في الهواء لالتقاطي إن سقطت. هذا
ما دفعني لأشير للباب بحدة:
"لقد
تأخر الوقت. أريد النوم."
لكنه
لم يقف ولم يقل شيئاً ولم أستطع أن أنظر له لأفهم السبب. بعد وهلة سألني وهو لا
يزال مكانه: "أين وجدتِ هذه الرسالة؟"
"هنا."
"في
الغرفة؟ هذا يعني أن شخصاً ما اقتحمها مجدداً. شخصاً يعرف كود الغرفة."
لم
أومئ أو أقل شيئاُ. هو لم يحتج اخباري بذلك. سمعته يطقطق إصبعاً على البلاط وهو
يفكر، ثم قال: "ربما لدي الحل. أنتِ ستقومين بتغيير الكود، وأنا سأضع متتبعاً
عليه. هكذا، إن تم اختراقه مجدداً أستطيع أن أكتشف هوية من فعل ذلك."
جلبت
بصري له أخيراً لأرى ابتسامة صغيرة تلعب على محياه وكأنه فخور بفكرته. "لكنك
هكذا ستعرف الكود."
هز
كتفيه. "لو أردت معرفة الكود الحالي لكنتُ فعلت بالفعل."
عندما
طال تحديقي به تفادى عيناي وسحب نفسه لينهض من على الأرض أخيراً. "إذاً...ما رأيك؟"
أومأت
لأنه لم يكن هناك حل آخر. لكنني كنت مترددة من إشراكه في الأمر لألا يكتشف رسالة
أخرى قد تفضح علاقتي بلينك. كان علي التصرف بحذر الآن أكثر من اللازم. انتظرته
ليغادر ولكنه لزم مكانه أمامي دون حراك.
"ديانا..."
بدأ أليكساندر لأبتلع وأنا أنظر لصينية الطعام المهجورة على الأرض. "أنا لن
أدع شيئاً يحدث لكِ."
ابتسامة
حانقة ارتسمت على شفتاي وأنا أجلب عيناي إليه. "ولماذا هذا؟"
تردد
قليلاً. "لأنني أحمي جميع الطلبة هنا. إن حدث لكِ شئ لن أسامح نفسي."
زفرت.
"لا أظن أنك تحميهم كفاية."
"قوتي
محدودة أيضاً، ديانا. لكن لن يتأذى طالب في أبولو جسدياً مادمتُ على علم بذلك."
"إن
هذا لا يكفي." همست وأنا أعطيه نظرة معينة. "هم مرعوبون، أليكساندر.
الجميع يكره المكان هنا."
نظرة
متألمة مرت بسرعة على ملامحه قبل أن تختفي أسرع مما ظهرت. "لا أستطيع فعل شئ
حيال ذلك."
"لأنك
لم تحاول."
"أنتِ
لا تعرفين شيئاً."
"أنا
أعرف ما أراه."
هذا
أصمته. هز رأسه وفرك شعره قليلاً قبل أن يتنهد، يلتفت ليرحل. "إن احتجتِ شيئاً
أخبريني. وأخبريني إن جائتكِ المزيد من الرسائل."
"بالطبع."
لن أفعل.
"أنا
جاد. أخبريني إن حدث شئ المرة القادمة."
عندما
لم أعبأ هذه المرة أن أرد تنهد بقوة وذهب للباب: "تصبحين على خير."
"وأنت
أيضاً." أجبته وكلانا على علم أنه لن ينام أحد منا.
♪♪♪♪♪♪♪
"كيف
حال ذراعك؟"
تسلل الصوت المألوف مخابئ شرودي لأرفع رأسي
عن حاسوبي وأقابل عينا آجاكس الزرقاء. كان يقف جوار مقعدي في صف الكتابة الذي شارف
على البدء يحتضن دفتر رسمه إلى صدره. لم أكن أعلم إن كان يتحدث إلي الآن بسبب ما
حدث في الكافيتيريا البارحة أم لغرض آخر.
"لم يعد يؤلم أثناء القيام بأبسط المهام
حمداً لله."
ذهب بصر آجاكس لذراعي الذي مع العلاج الطبيعي
تحسّن بشكل كبير ولم يعد عائقاً بعد الآن. وصحيح أنني لا زلت أرتدي حمالة كتف إلا
أني مسموحة بإزالتها عند الحاجة، ولكن عليّ إراحة ذراعي عندما لا أحتاج إلى
استخدامه-كالآن مثلاً. الأكاديمية فعلاً زوّدتني بأفضل أخصائية في الدولة كما
ادّعت.
"وأثناء
الرقص؟" سأل وكأن هذا السؤال نوعاً ما أهم من سؤاله السابق.
التقت عيناي
بعينيه في صمت دام بعض الوقت, بينما يتوافد المزيد من الطلاب إلى القاعة لأنتبه أن
الأستاذة ماكسين قد تصل في أية لحظة وآجاكس يجدر به الجلوس بالمقدمة—مع آرتميس
وأليكساندر وباقي الطلاب المتفوقين. كنت أشعر بعينا يارا علينا.
"الرقص لم
ولن يصبح عائقاً في حياتي بسبب ذراع ضعيف. كل ما يهم للراقص هو ساقيه. ربما كان على
إيزون أن يكسرها إذاً." قلتُ دون أن أقطع اتصالنا البصري.
"ويد الرسام
هي الأهم. أظن بأننا غير متشابهان إذاً." لوّح بيده اليمنى التي تحمل الدفتر
لتعتلي زاوية شفتي قليلاً قبل أن أخفيها سريعاً.
"كم هذا مؤسف."
بدا آجاكس وكأنه يقاوم ابتسامة أيضاً لينقذه وصول الأستاذة. "اتخذوا أماكنكم,
رجاءً— فدرس اليوم طويل."
ترك آجاكس بقعته
من جواري وهبط سلالم المدرج تحت أعين الجميع فقد كان هو الوحيد الذي في غير مكانه
وكلام الأستاذة ماكسين موجّه له. لكنه لم يبد وكأن الاهتمام أثّر فيه فقد وصل في
هدوء إلى مقعده جوار آرتميس. هنا لاحظت أنها كانت تطالعني من مكانها طوال هذا الوقت
وتشاهد حديثي أنا وآجاكس. تبادلنا نظرة طويلة قبل أن تعقد حاجبيها وتدير رأسها
لمقدمة الصف عندما وضع أليكساندر يداً على كتفها لجذب
انتباهها.
"أنتم على
دراية باقتراب العام الجديد ولهذا فالدروس ستكون أكثر كثافة حتى نعدّكم لأهم حفل
في السنة كلها، حيث كل المواهب تعرض نفسها ونخبة من أمهر الطلاب من يقدمونها. وما
يميز هذا الحفل هو أنه الأكبر ولهذا فجميع الأساتذة وكبار الأكاديمية سيحضرونه."
بدأت الأستاذة ماكسين صفها.
تحركت في مقعدي
على كلامها. كبار الأكاديمية؟ هل تعني أعضاء الإدارة؟ تنقّل بصر الأستاذة حول الصف
الصامت حتى استقر عليّ لوهلة. "وكل موهبة يقدّمها أعلى عشرون طالب في
التصنيف. لهذا الأسابيع المقبلة ستكون مليئة بالمنافسات لمن ينوي تحسين ترتيبه على
حائط الشرف. لن أختار الطلاب الذين سيستعرضوا حتى نهاية الشهر لهذا ابدأوا في
التحضير."
بسطت شفتاي سوياً
وأدرت وجهي قليلاً لمؤخرة الصف حيث يوجد حائط الشرف لأرى اسمي في المرتبة الثالثة
وثمانون. من أصل مئة شخص في الصف. في حين كنت من ضمن العشرون الأوائل في مواهبي
الأساسية هذا الصف الوحيد الذي ترتيبي كان متدنيّاً فيه. يلزمني الكثير من التحضير
حتى أعلو برقمي قليلاً وأقترب من تصنيف الهرم الذين يملأون دوماً الخانات الخمس
الأولى في كل صف حتى ولو ليست موهبتهم. وإن كنت أنوي سرقة لقب آرتميس كملكة
للأكاديمية لا بد وأن أتخطّاها. وهي دوماً في الترتيب الثاني لأليكساندر الذي يحتل
المرتبة الأولى دائماً.
وكأن آرتميس تعرف
مسار أفكاري التفتت نحوي وأعطتني نظرة حادة وكأنها تتحداني أن أصل لها. لكنها لا
تعرف أنها ليست مجرد مسألة إثبات من الأفضل...إنه ما يفترض بي فعله. وإن لم أفعله
قد أُطرد.
"آنسة
بريف،" نادت الأستاذة فجأة ليقفز بصري لها في تفاجؤ. كانت تجلس خلف مقعدها
أمام حاسوبها وعندما نظرت للشاشة وراءها وجدت ترتيباً لأسماء طلبة الصف واسمي
ملوّن بالأصفر. "أنتِ من سيفتتح مقرأة اليوم. لا بد أن الجميع فضولي بشأن مدى
براعتك في الكتابة مثل باقي مواهبك التي أسمع أنكِ من المتفوقين فيها."
نظّفت حلقي. كنت أعلم أن علي أن أفعل هذا عاجلاً أم آجلاً. لقد تفاديت الأمر أكثر
من الطبيعي. "ماذا تريدين مني أن أفعل؟"
"أولاً تعالي لمقدمة الصف ثم اختاري شيئاً من كتاباتك لتقرأيها للصف. وبقية
الصف أريد منكم الإنصات جيداً وتحليل طريقة كتابة زميلتكم وفي نهاية الصف سترسلون
كل ما كتبتكم عن زملائكم عن طريق البريد الإلكتروني. إنه واجب اليوم. الكاتب
الجيّد ليس ملمّ بطريقة كتابته فحسب، بل بإمكانه فهم وتحليل سرد وطريقة أي كاتب
آخر."
بللت شفتي السفلية وأحذت نفساً طويلاً تحت أعين الجميع قبل النهوض
بدفتري. نزلت المدرجات وصولاً لمكتب الأستاذة حتى توقفت أمامه مباشرة. قلّبت بين
صفحات الدفتر حتى وصلت للصفحة المنشودة قبل أن أضعه على المكتب أمام الأستاذة التي
رفعت حاجباً مندهشاً. ثم ذهبت لمقدمة الصف دون الدفتر لأنني لن أحتاجه. فقد حفظت
ما فيه عن ظهر قلب.
"أخبري
الصف بما ستقدمين، ديانا."
"إنها قصيدة قصيرة." تحدثت وبصري فوراً وقع على ثلاثة الهرم، عيناي
تقابل خاصة أليكساندر الذي ارتخى في مقعده أمام حاسوبه واضعاً ذراعه حول كتف
آرتميس. الأخيرة تجاهلتني وطبعت شيئاً على حاسوبها لكنها ارتخت فور لمس أليكساندر
لها ورأيت شبح ابتسامة يزين فمها.
"أوه، حقاً؟ لقد تحمست الآن...رجاءً اقرأيها لنا إذاً." كان صوت
الأستاذة من خلفي.
نظّفت حلقي وجلبت يداي سوياً وبدأت الكلمات تتدفق خارج فمي فوراً:
صرخة محبوسة في الحلق،
يكبلها ثقل الألم،
جسدٌ يستلقي كالهواء المحصور في الطلق،
يستلقي في صمتٍ، يغلق الباب ويحجز الأمل.
جثة ترقد على الأرض،
قطعها المتناثرة يداعبها البرد،
الجرح الجديد يزيد،
صمتٌ يعتلي الأرجاء، وصرخةٌ تدوي خلف الجدران،
في انتظار الشفاء والنهوض من جديد.
لكن لا يستطيع للظلام أن يعتلي،
فسأستنشق الهواء بعمق وأفرغه،
سأصرخ وأبكي وأطلق ما في صدري،
وألتقط قطعي المحطمة، وأعيد بنائها.
فأنا أقوى من هذا الألم،
وأكثر من قطعي المحطمة،
أنهض مرةً بعد مرةٍ،
وأبحث عن طريقي إلى السلام
فأنا شجاعة وسأبقى كذلك، حتى وإن بات الظلام.
عندما انتهيت كان الصمت لا يزال سائداً،
ولاحظت أن الجميع حاولوا عدم إظهار ردة فعل لأنظر للأستاذة التي جلست تحدق بي
بأعين واسعة. تداركت نفسها عندما التفت لها لتتنحنح وتحاول تزييف ملامحها.
"هذا... واو ديانا، كيف...أنا لم أعرف أنكِ بهذه البراعة في الكتابة. لقد
ظننت أنها نقطة ضعف لكِ ولهذا تتفادين التفاعل في الصف."
قالت جملتها الأخيرة والإدراك يدخل عيناها،
تفهم أخيراً السبب. استدرات لمكتبها فوراً والتقطت دفتري من أمامها ثم نظرت
للكلمات قبل أن تقلّب بالدفتر دون إذن، فتتجمد أوصالي وأنا على إستعداد لإنتشاله
منها حتى ولو تسبب ذلك بطردي من الصف. لكنها لم تقلب كثيراً، وصلت لصفحة وقرأت
قليلاً قبل اللإنتقال لصفحة أخرى، فتتسع عيناها أكثر وهي تقرأ. لكنها لم تعث فيما
لا يخصها كثيراً، فأغلقته وناولتني إياه. لا تعرف ماذا تقول.
"أظن...أظن أنكِ قد تشاركين في ذلك الحفل بعد كل شئ. أرى أنكِ
قادرة على إثبات نفسكِ على نهاية الشهر."
"هذا ليس
عادلاً!" صرخ صوت من الأمام فجأة لننظر ليارا التي نهضت من مقعدها، عيناها
متتلألأتان.
"يارا؟ ما
الخطب؟" سألتها الأستاذة برفق.
أشارت لي وهي تمنع
نفسها من البكاء، بينما الكل يشاهدها. البعض يغطي فمه في صدمة من تكلمّها ومما
يحدث. "كيف لها أن تأتي وفي غضون شهور تصل لما استغرقنا سنوات؟! سنوات طويلة
من عمرنا لنصل لمكاننا الذي يُسلّم لها على طبق من فضة. كيف لها أن تكون بهذه
الموهبة؟ كيف لها أن تكون هكذا وهي لم تتمرن بيننا؟ لماذا...هي؟"
ضحكت الأستاذة
ماكسين في توتر وقامت من مكانها، تشعر بخطورة حديث إحدى طلابها المتفوقين وعلى
استعداد لإسكاتها. "يارا، عزيزتي، هذا ليس—"
"دعيها تنهي
ما تريد، أستاذة. لها الحق في قول ما ببالها." أوقفت الأستاذة وأنا أتقدم
للأمام حتى أصبحت أمام يارا التي حدجتني بكل كراهية وحقد. لوكن تحت كل ذلك رأيت
نظرة مختلفة.
رأيت الخوف.
الخوف الذي أراه
أحياناً في عين آرتميس ومارفن وجرايس عندما أتفوق في شئ حتى ولو ليس بالضرورة أفوقهم
هم، لكن ذلك الخوف شهدته عدة مرات وأنا أعبر باقي الطلاب في ترتيبنا بسرعة أول
قدومي. ولكن يارا كانت محقة، هذا لم يكن عادلاً. لكن هذا ما كان علي فعله.
حتى ولو خسرت
الجميع من أجل تحقيقه.
لهذا اقتربت منها
أكثر حتى وقفت أمامها مباشرة ولمست طرف الطاولة. "أخبريني يارا،" ملتُ
قليلاً للأمام في تحد. "أخبريني بكل تريدين ولا تتركي شئ."
"أنتِ لستِ
كما نظن." التوت شفتها وهي تهمس بكره. "أنتِ أنانية وطماعة وإنسان خسيس.
أنتِ لا تهتمين بأحد سوى نفسك. تظنين الهرم كذلك؟ أنتِ مخطئة. على الأقل هم عاشوا
معنا ويفهموننا. لكنكِ غريبة علينا وستظلين كذلك. أنتِ لستِ سوى سارقة أتت لتدمر
ما تعبنا لأجله."
"هذا يكفي!"
صفعت الأستاذة مكتبها ليقفز الجميع في صدمة عداي أنا ويارا، في مبارزة تحديق حادة
لا أحد يستطيع إخراجنا منها إلا أنفسنا.
"ديانا،"
سمعت صوتأ يهمس لأنظر لآجاكس الذي هز رأسه، لأنظر بعدها لأليكساندر وآرتميس اللذان
شاهدا في صمت. آرتميس غمزت نحوي في استمتاع بينما أليكساندر قبض فكه قبل أن ينظر
بعيداً.
تراجعت للوراء
وجلبت بصري أخيراً للآخرين. لقد كنت دائماً منشغلة بالتركيز على الهرم حتى أنني لم
أنظر أبداً جيداً لباقي الطلبة. تفادى بصري البعض في توتر وقلة من بدوا موافقين
لكلام يارا. لكن تلك الشجاعة لم تدم طويلاً قبل أن يتحاشوا النظر إلي. لكن النظرة
العامة أصبحت واضحة أخيراً.
لقد ظن الجميع
أنني جئت لإنقاذهم. لإحداث بعض التغيير. لفعل شئ. ولكل كل ما فعلته هو إيذائهم هم
وجعلهم في رعب أكثر. رعب من السلطة الأكبر التي لا تهتم كثيراً بأدنى المراتب.
"آنسة يارا،
اجلسي رجاءً. وأنتِ أيضاً ديانا، عودي لمقعدك. لنستكمل الصف." كان صوت
الأستاذة غير واضحاً فوق أصوات أفكاري، ولكني أذكر أنني عدت لمقعدي في صمت.
وأذكر أن الأستاذة
جلست أمام حاسوبها مجدداً. وعندما سمعت صوت الصافرة المكتوم التفت
لأنظر لحائط الشرف لأرى اسمي فوراً يرتفع عدة أسماء حتى توقف على المرتبة الستون.
أكثر من عشرون اسماً تفقوت عليهم في لحظة. أتسائل ماذا يفكرون. من حولي كانت هناك همسات،
وكنت أشعر بالبعض يشاهدني- بالذات الصف الأول، ولكن صوت الأستاذة ماكسين الصارم
أوقفها وهي تحاول إكمال الصف بتفاعل آخر حتى ينسى ما حدث.
-
بعد انتهاء الصف لاحظت كيف أن الجميع يحاول
أن يتفاداني ولو قليلاً، بسبب كلام يارا. يارا التي شاهدتني ألوح يدي لآجاكس الذي
أعطاني ابتسامة خفيفة قبل أن يغادر.
اعتضرت طريقي خارج الصف عندما لم يكن هناك
سوانا متواجد وأخبرتني بنبرة لاذعة، عيناها كلها ازدراء وهي تعطيني نظرة من أعلاي
لأسفلي:
"لقد أنقذتُ
نفسي عندما قررت الإبتعاد عنكِ. لكن جرايس لا تزال تظن أنك حليفتنا مع أنكِ ستلقين
بها إلى أحضان الخطر في أول لحظة تشعرين بها بالخطر لإنقاذ نفسك. أود أن أرى كيف ستنظرين
نظرتك المتعجرفة تلك عندما تكونين السبب في موتها، بريف."
وبهذا تركتني وحدي
في الردهة الخالية.
--
بعد هذا الصف
انتشر الخبر سريعاً والكل يتسائل ما إن كانت موهبة رابعة فعلاً.
♪♪♪♪♪♪♪♪♪
لم أكن أعرف ما كنت أفعله، لكنني كنت أعلم أن لدي عشرون دقيقة للقيام
به.
لم أصدق أنني وصلت للطابق الثاني من مبنى المدرسين دون أن يلحظني أحد،
أو يوقفني، لكن ربما كان الجميع نائماً وهذا السبب. أو ربما هذا اختبار آخر....
كان منتصف الليل، والسجادة
الحمراء كانت تزين أرض الطابق بأكمله، وكل ما كان مألوفاً حيال هذا المكان هو أنني
لمحته سريعاً حين تم استدعائي لمكتب نائبة المدير من قبل. لكنني لم أكن أعرف لمن
تنتمي هذه الغرف، وهل هي حجرات نوم المعلمين أم مكاتبهم؟ هل الاثنين في نفس المبنى
أم منفصلين؟ هذا ما تنقلت بين الممرات بحثاً عنه. حتى بدأت أقراً أسماء المعلمين
على بعض الأبواب، ولكن لم تكن اللافتات تذكر إذا ما كانت حجرة أم مكتباً.
قفزت رعباً على صدى الصرخة التي جاءت من نهاية الردهة فجأة واختبأت
سريعاً خلف قصرية نبتة عندما فتحت إحدى الأبواب. حبست أنفاسي عندما تعثرت فتاة بزي
الأكاديمية خارجها ووصلني صوت شهقات بكائها قبل أن يأمرها صوت مألوف أن تصمت.
اتسعت عيناي. الأستاذ فونتانا.
"لكنها تؤلم." بكت في انخفاض وهي تحتضن ذراعها لجسدها قبل أن تدير
وجهها ناحيتي. لم أميزها، لكنها كانت طالبة بلا شك.
"وإن بكيتِ هكذا حتى الغد سأجعل غيرها يؤلم عشرات الأضعاف." هددها
الأستاذ فونتانا، عقدة حادة تزين حاجبيه. "والآن غادري فلم أعد أحتاجك."
"أنت...أنت مجنون." همست وسط شهقاتها الخافتة وهي تحتضن ذراعها
المكشوف—لم تكن ترتدي سترة—وقبل أن تنهي جملتها هوى كف الأستاذ على وجهها.
صوت الصفعة كان قوياً لدرجة جعلتني أهبط خلف الزرع في ارتعاد وأغطي
فمي حتى لا يهرب مني صوت يفضح مكاني، والفتاة المسكينة قد أطاحتها الصفعة أرضاً.
"تقولين ذلك وكأنه شئ سئ، لارا. حذارِ وإلا سينتهي بك المطاف مثل غيركِ
من المثيرات للشفقة." صوته كان خالياً من المشاعر وهرب من لارا صوت نحيب خائف
وهي تلملم نفسها.
شاهدت لارا تنهض بصعوبة كاتمة ألمها وهي منكمشة على نفسها ملتصقة
بالحائط حتى تضع بينها وبين فونتانا مسافة كافية ودون كلمة إضافية بدأت تتحرك في
الاتجاه الذي أنا فيه.
شاهدها فونتانا بوجه مظلم وهي تعرج بينما تستند على الحائط ولم أصدق
أنه نفس الأستاذ البشوش الذي يضحك الجميع على نكاته ويصادق الطلبة. لم أصدق حتى
توقفت لارا حيث جلست أختبئ خلف النبتة وتقابلت أعيننا لتتسع خاصتها في صدمة. كانت
تغطي فمها في محاولة لكتم شهقاتها في حركة مماثلة لي، لكني على عكسها كنت أغطيه من
الدهشة. حدقنا ببعضنا البعض بعيون واسعة لوهلة حتى رأيت ذراعها أخيراً. لأنها
أخفضت يدها وأمسكته.
على طول ذراعها كان يوجد جرح عميق حيث يمكن رؤية العظم من خلاله. ولقد
كان ينزف بشدة.
لحسن الحظ أن يدي كانت فوق فمي لأنها كتمت شهقتي وعندما رفعت بصري
لوجهها كانت تتوسل إلي- تتوسل بعينيها ودموعها وألمها. كانت تتوسلني في صمت ولم
أعرف علام.
"لارا!" هتف فونتانا لتقفز لارا في تفاجؤ وتهرب نحو السلالم الذي
جئت منها.
ولم يكن حتى سمعت صوت إغلاق باب فونتانا أن أسقطت يدي وتنفست. فقط
لأستوعب أنني أرتعش. وأنه علي أن أهرب أنا الأخرى.
وعندما سمعت نفس صوت صراخ لارا مجدداً قادم من حجرة فونتانا قفزت من
مكاني ومعي حقيبتي وهرعت من مكاني على إدراكي الجديد.
لقد سجّلها. لقد كان يستمع لتسجيل صراخها تكراراً.
لم أدري أين أذهب فكل ما همني هو أن أغادر هذا المكان وبأسرع وقت. لقد
كنت محقة. لقد كنت محقة عندما فكرت أن آت لهنا بحثاً عن أجوبة بعد أن فشلت في
الحصول عليها في مبنى المهجع والدراسة.
لكني لم أعد أدري إذا كنت مستعدة لما سأكتشفه بعد الآن.
انتشلتني يد من الهواء والصرخة التي كانت على حافة حلقي أوقفتها اليد
التي غطت فمي في خشونة. ملأ الارتعاد جسدي لسبب آخر تماماً عندما اعتصرت تلك اليد
ذراعي قبل أن تلقيني أرضاً، لأقع على ذراعي المصاب. هربت صيحة ألم مني قبل أن
أسارع بفتح عيناي والنظر للشخص الطويل الذي يحوم فوقي.
ارتفعت زاوية شفته في برود. "كنت أعرف أن أحداً ما كان يختبئ عندما أطالت
لارا في النظر نحوك. أنتم الطلاب تنسون أني مدرس تمثيل ولا ينطلي علي هرائكم.
واللآن..." انحنى أمامي حتى أصبح وجهه على بعد سنتيمرات مني ومسح بصره على
جسدي. "ماذا تفعل فأرتنا الصغيرة هنا؟ هل تبحثين عن شئ مجدداً؟ هل...وجدته؟"
"لن تفلت بفعلتك هذه. كيف لك أن تعذب الطلبة هكذا وتظن أنه لن يتم الإمساك
بك؟ أنت---"
فوراً أمسكت يده بذقني في قوة شديدة بترت عبارتي, خصوصاً عندما آلمتني أظافره.
"أنصحك بعدم إكمال هذه الجملة، عزيزتنا بريف. أنا لست في مزاج هادئ حالياً
ولا أظنك تريدين معرفة ما أفعل حقاً مع طلبة الأكاديمية هاه؟ أو ربما
أفعل..." أمال رأسه وهو ينظر لعيناي في حيرة. "من المؤسف كم سيتضايقون
لخروجي عن النص لكن كم سيكون هذا مسلياً- دفعك حتى الحافة. ربما هذا تماماً ما
تحتاجينه."
ابتسامته كانت ملتوية وعندما أخرج من جيبه سكين جيب صغير هرب نفس مرتعش مني فورما
قرّبه من وجهي. سارعتُ بصفح يده بعيداً لترتمي السكين بعيداً ورنّة ملامستها
البلاط اخترقت سكون المكان. أدار فونتانا رأسه نحو المكان التي سقطت فيه ببطء
وهدوئه جعلني أزحف للخلف حتى أضع مسافة بيني وبينه. تحدث دون أن يعيد انتباهه لي:
"أوتعرفين؟ لطالما ظننت أنهم يتركونك تفلتين بالكثير من الأشياء لكونك مهمة
لهم، لكني أظن أنك بحاجة للقليل من الترويض وإلا ستخرجين عن السيطرة."
قبل أن يدير وجهه انغلقت يده حول كاحلي وسحبني بقوة نحوه مجدداً وهنا ادار رأسه لي
وقبضته في الهواء على استعداد أن تهوي على وجهي. اتسعت عيناي وصدري اعتصر نفسه على
الذكرى التي مرت أمام عيناي مشابهة لنفس المشهد باختلاف هوية الشخص فوقي.
غلفتني برودة قارسة احتوت كامل جسدي وسقطت يدي السليمة التي كانت على استعداد
للمقاومة والذكريات تصارع وعيي وتخرجني تماماً عن ما يحدث في الواقع-وما حدث
بالفعل. يده تسلقت كاحلي وصولاً لنهاية تنورتي بينما يد تنتمي لشخص آخر حاولت
إزالة قميصي وعلى عكس مقاومتي الشديدة وصراخي المدوّي الذي كاد يقتلع حلقي وقتها
رقدتُ ساكنة تحت فونتانا والصدمة تجمّد جميع أطرافي.
ودرجة انفصالي عن الواقع جعلتني لا أدرك أن قبضته لم تهوي أبداً أو تؤذيني. أو أن
شخصاً جديداً انضم لنا وهو من دفع فونتانا بعيداً عني قبل أن يعود لي. كنت أشعر به
فوقي دون أن يلمس أي جزء من جسده جسدي ولكني لم أره. لم أكن أرى سوى الذكريات التي
تخترق عقلي. عدة وجوه فوقي وعندما أصوات صرخاتي بدأت تزعجهم كان عليهم افقادي
الوعي. لكني لم أغب تماماً عن الوعي وقتها—بل شعرت بالأيادي المتطفلة وهي تمزق
ملابسي, وصرخات والدي وهو يعافر للوصول إلي حتى أطرحوه أرضاً هو الآخر.
لم أكن غائبة عن الوعي تماماً. بل جسدي دخل في حالة صدمة أوقفت محاولاتي لتحرير
نفسي وقبل أن أصاب بسكتة قلبية كان على جسدي إفقادي الوعي من تلقاء نفسه لتهدئتي.
لكنني شعرت...شعرت بكل شئ.
"فونتانا!"
دوى
صوت لم أتوقع سماعه وفي تلك اللحظة بالذات لأحرك رأسي إنشاً بسيطاً وألمح خيطاً من
المشهد المقترب. فقد كان الأستاذ آفين بنفسه يسرع قبل أن يتوقف عندما لمح ما يحدث
بأعين واسعة وموجه متجمّد، ولكن أليكساندر دفعه من كتفه وهو يعبره عندما لم يتردد
لحظة باقتحام الحدث والركض نحونا.
"آه آفين، الرابط الضعيف." ابتسم
فونتانا قليلاً وهو يسحب يده من علي. لكنه قبل أن يضيف تعليقاً آخر لمح أليكساندر
متأخراً عندما وصل الأخير وانتشله من ملابسه بقوة لينهض من فوقي قبل أن يسدد لكمة
عنيفة لفونتانا رمت بوجهه للجانب الآخر مع صوت مخيف.
"ديانا! ديانا هل تسمعينني؟!" صرخ صاحب الجسد فوقي ورأيت
أعين والدي الزرقاء تومض قبل أن تختفي ويستبدلها أخرى عسلية. قلقة وواسعة. عيناه
مسحت وجهي بقلة حيلة ويده متوقفة في الهواء مترددة على لمسي قبل أن يتملكه الإحباط
وينظر نحو فونتانا. "ماذا فعلت لها!؟ لماذا ترتعش هكذا؟"
صوته كان مألوفاً وكذلك عيناه لكني كنت أغرق في بحر ذكرياتي على أن أحاول التفكير
في هويته. ولكن عندما قال هذا وكأن استيعابي عاد لي على سؤاله شعرت بجسدي أخيراً.
جسدي الذي كان يرتعش...
"لم أقم بأي شئ بفضلك، أستاذ رويال. ولما هذا الاهتمام المفاجئ؟
أنت لا تخدع أحداً."
كان صوت الأستاذ آفين غاضباً: " ستعلم الإدارة بشأن هذا، فونتانا، وسيكون هناك
عواقب كثيرة. هل فقدت عقلك؟"
ضحك فونتانا وأشار حول المكان بسبابته.
"وأتظنهم لا يعرفون بالفعل؟" نظر الأستاذ آفين للكاميرات العديدة
المنتشرة حول المكان باسطاً شفتيه وفونتانا يضحك مجدداً: "لكنهم لم يوقفوني!
ياللعجب... أيمكن لأنهم يتفقون معي؟"
"يستحيل أ—"
"أنت لا تصدق هذه الترهات. انظر
إليها... إنها هنا منذ ما يزيد عن الساعة ولم ينتشلها أحد من هذا المكان. لقد
أرادوها هنا."
"يالك من أحمق! كيف لك أن تدعها هنا لكل
هذا الوقت؟"
"اعترف آفين... هم يتفقون مع وسائلي على
عكسك."
"ما هي إلا مسألة وقت قبل أن يتخلصوا
منك، فونتانا، فأخطائك قد كثرت الآونة الأخيرة وبدأت تتصرف من نفسك بدل اتباع
الأوامر." أشار آفين بعدها لأليكساندر. "خذ ديانا وارحلوا عن هنا قبل أن
تغلق البوابات، ليكس. وانظر إذا كانت تحتاج الذهاب للممرضة."
أمال فونتانا رأسه في اهتمام وهو يطالع آفين:
"كم هذا شيق. منذ متى وأنت تهتم بها؟"
أغضب هذا آفين: "لستُ أهتم—"
"لم تكن ممثلاً بارعاً أبداً، آفين.
" ضحك اللعين بقوة على مزحته ممسكاً ببطنه قبل أن يهز رأسه في استمتاع
ويستقيم.
"أيها اللعين!" صرخ أليكساندر
أخيراً وكأنه لا يتحمل حديثه ونهض من جواري مندفعاً نحو فونتانا على وشك لكمه
مجدداً. أمسكه من مقدمة ملابسه بعنف مهسهساً في غضب: "سوف أقتلك."
اكتفى اللعين بالإبتسام حتى ظهرت أسنانه. "تهديداتك
لن تجدي نفعاً أيها الصبي، وإن أردتُ فعل بها شئ ليس حتى أنت بإمكانك
إيقافي."
"أتعتقد هذا فعلاً؟ لا تنس من أكون." نبرة صوت أليكساندر اختلفت في
لحظة... أصبحت أكثر تهديداً وسلطة وصوته انخفض.
صوت ضحكة قصيرة. "كيف لي أن أنسى واسمك حولنا في كل مكان؟" صمت لوهلة
وشعرت به يشاهدني لأدير رأسي بصعوبة نحوه، وفعلاً كانت عيناه عليّ مسبقاً.
"أنتِ لست مستعدة بعد، ديانا."
"إنها ليستِ مستعدة. يلزمها الكثير بعد." اقتحم الصوت الأنثوي زاوية
ذكرياتي لتهرب شهقة من صدري.
كنت أعود للوعي وأفقده مراراً ولكن وأنا أفقده في هذه المرة سمعتُ هذا
الصوت لأول مرة. فوقي وقد كانت تحدق بي غارقة في دمائي ودماء أبي وأنا طريحة
الأرض. لم أستطع تحريك جفن ولا إصبع ولكني لمحت كعبها الأحمر العالي يقف في بركة دمي على بعد إنشات
من يدي العاجزة. ارتعش إصبعين على سماع صوتها.
"هذا سوف يعرقل خططنا. سيستغرق هذا
الكثير من الوقت." انضم لها صوت رجل غير مألوف أيضاً.
"وقت تحتاجه الفتاة. إنها ليست مستعدة
بعد."
انتهت الذكرى وانطبق صدري على نفسه. انتفضت من مكاني وأنا أحاول
استعادة أنفاسي المسروقة مني. لكن دون جدوى، كنت أختنق ورأسي تكاد تنفجر.
"لا تلمسها!" صاح أليكساندرفجأة
لأجد يد آفين تتوقف فوقي في الهواء وتظلم عيناه وهو يرفع رأسه ببطء من علي ويوجهها
نحو أليكساندرالذي ترك مكانه مقترباً. "اتركها... أعطها دقيقة فقط وهي ستنهض
من نفسها على ما يرام."
"ماذا؟" جاء سؤال آفين الخافت ولكن
أليكساندر تجاهله وأبعده عني ليعيدوا إلي مساحتي الشخصية أخيراً.
استقام آفين مجدداً وهو يشاهدني بنظرة غريبة
قبل أن يرفع رأسه نحو فونتانا. "اغرب عن هنا."
"لكنني أستمتع بالمشهد بشكل كبير. لو
كنت أعلم اهتمامكما الشديد بها لفعلتُ شيئاً بوقت أبكر."
"أليكساندر!" صرخ الصوت الذي جمدني فجأة عندما اندفع أليكساندر يلكم
فونتانا ليسقط كلاهما وفوقه أليكساندر يسدد لكمات متتالية لوجهه. آرتميس.
كلا...كلا..
توقف أليكساندر مباشرة وشاهدت ظهره وهو يتنفس
بقوة وكتفيه يعليا مع أنفاسه الحادة. اقتربت آرتميس أكثر وصوتها منخفض هذه المرة،
وكأنها تخاف أن تشعل غضبه أكثر. منذ متى وهي هنا؟ "لا تفسد وضعك أكثر أرجوك.
هيا بنا نرحل."
اقترب منه آفين أيضاً ووضع يداً على كتف
أليكساندر يعتصره في تحذير. "إنها محقة، ليكس. خذها وارحلا. بوابة لايير ستغلق قريباً. سأهتم أنا
بديانا."
لكن التردد كان واضحاً على ملامح أليكساندر
واعتراضه كان واضحاً وهو يرفض رفع بصره من على فونتانا الراقد تحته في سكوت، ربما
قد فقد الوعي بالفعل. "أنا لا أثق بما سيحدث بعد رحيلي وتركها معكما."
"أليكساندر!" هذه المرة بدت آرتميس
وكأنها على وشك البكاء وهي تترجاه. "لا تفعل هذا. هيا نغادر. أنت لن تتحمل ما
سوف يحدث لك إن تدخلت أكثر من هذا."
ترك أليكساندر فونتانا ونهض من فوقه يأبى
توجيه رأسه في اتجاهي. انقبضت كلتا يديه جوار جسده. كان قميصه الأبيض مبعثر وكذلك
شعره وكانت حالته مبعثرة وهو يأخذ أنفاس نافست علوّ أنفاسي. لكن لم ينظر نحوي
أليكساندر حتى وهو يذهب لآرتميس ويفتح أصابعه الخمسة ويفردها على ظهرها ويبدأ
بقيادتها. بعيداً عن المكان.
لقد رحلا.
"خذ نفسك وارحل عن هنا أنت أيضاً. كفاك
ما فعلت." لمس الأستاذ آفين طرف حذائه جسد فونتانا الراقد لأنظر أخيراً وأجد
ملامح الأخير لم تعد مستمتعة بل مذهولة. بدأ ينهض ببطء حتى جلس وحدق بي في صمت
لوهلة.
قبل أن ينفجر في الضحك وكأنه اكتشف شيئاً
للتو.
"لقد بدأ صبري بالنفاذ. اغرب عن وجهي
فونتانا!" صاح الأستاذ آفين أخيراً ليقلب الآخر عيناه ويستقيم قبل ترك
المكان.
هززت رأسي وأسرعت أحاول القيام بالمثل. لكن
الأستاذ آفين اقترب مني فور وقوفي.
"ديانا؟"
أمسكني الأستاذ آفين من ذراعاي قبل السقوط لأسارع بتثبيت نفسي
والتوازن قبل التراجع قليلاً. أنفاسي كانت سريعة وأنا ألتقطها وهذا جعله يسأل
بهدوء. " ماذا رأيتي في المبنى؟"
لم أجبه وانحنيت أحاول التقاط أنفاسي. انحنى الأستاذ كذلك محاولاً
النظر لوجهي لكن شعري كان كالستارة يغطيني من كلتا جانباي. "ديانا؟"
شهقت وأنا أعتصر ملابسي ناحية صدري وأنحني للأمام. "أنا أعلم."
"ماذا؟"
"أنا أعلم أنه أنت." خرجت الكلمات على هيئة أزيز مبحوح عندما بدأت
أهدأ. أخذت بضعة أنفاس كبيرة قبل أن أرفع رأسي له وأنظر لوجهه.
"أنت من يساعدني من الإدارة. عن طريق جرايس."
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بخ.
وحشتني النوت يا
شباب لكن متوقعتش انتم كمان تكونوا حابينها سو هير وي آر.
أتمنى البارت يكون
عجبكم هو أطول من السمير وعدنا تاني للفصول ذات العشر آلاف كلمة هيهي. أنا عن نفسي
حابة الشابتر ده جداً. حاسة وراه ثيم مظلمة هو والسمير لان معظم احداثهم تحدث في
الليل وبعد منتصف الليل وكمان عشان حجات كتير فيهم بت-set
up the storline لاقتراب النهاية:""(
هجمع هنا في النوت
اسئلة عن شابتر السمير بعد اسئلة الفصل فنبدأ:
1)
رأيكم ببداية البارت؟ هتبدأوا تشوفوا فلاش
باكس كتير الشباتر الجاية :")
2)
تفتكروا مين الي كان بيصورهم؟ هل زاكاري
فعلا؟ طب وليه؟ هل الأكاديمية الي باعتاه ولا فيه حاجة تانية؟
3)
حسيتوا فيه تطور بعلاقة أليكساندر وديانا
الفصل ده؟ حاسة أول مرة يكون بينهم مشاهد كتير كدة وفي فصل واحد لدرجة كنت عايزة
افصل بين المشاهد دي اكتر لول
4)
أرائكم عن آرتميس؟ آي نو إنها مش بتظهر كتير
بس الفصول القادمة استعداداً لحفل رأس السنة هتكون مليئة بيها. توقعاتكم للعلاقة
بينها وبين ديانا؟
5)
هل هتشارك ديانا بالرقص في العرض؟ ولا هتعمل
حاجة بديلة؟ طبعاً انتوا عارفين أنا بحب أكتب العروض قد ايه فمحضرالكم عروض جاية
تحفةةة. فيه عرضين بجد أنا كتباهم بقالي سنتين أو أكثر ومتحمسة جداً تقروهم لانهم
أفضل العروض الي هتكون في الرواية كدة وموقعهم في الرواية كدة قرب نهاية الرواية
فبجد I’m so excited عشان انتوا مش متخيلين اول ما
نوصل لاخر كام شابتر الرواية بتتقلب ازاي والفوضى الي هتحصل. انتوا هتتصدموا صدمة
ورا التانية. كل ما أجي أكتب حاجة الفترة الأخيرة ألاقيني بكتب حاجة في الشباتر
الأخيرة وحقيقي متحمسة.
ان شاء الله الرواية هتخلص الإجازة دي :*)
احنا قربنا للنهاية.
6)
تفتكروا ايه سر الموهبة الرابعة وليه هم
خايفين منها؟ وليه أصلاً محدش بيقولها؟ محدش فكر في السؤال ده؟ جماعة أنا مش بخلي
الشخصيات تتكتم عن الأسرار عن قصد عشان احداث الرواية...لأ بجد فيه سبب. بس معظمكم
عارف ده اولريدي لما قريت تحليلاتكم. بس انتوا مش واصلين للصورة الأكبر. انتوا
فاكرين انهم عشان خايفين من الإدارة.
ياربي متحمسة تكتشفوا كل حاجة. بجد كل ما بحكي
الرواية وأسرارها لحد أعرفه مش بيقرا الرواية وألاقيه واقف مصدوم قدامي مش بيتكلم
بتبسط أوي ونفسي نوصل للحقيقة بقاJ
7)
بصراحة حبيت احداث الي بتكون برا حدود
الأكاديمية وكنت حابة اوي اكتب مشهد اليكساندر وارتميس بس فيه تقريبا مشهد اخير
خارج الأكاديمية قبل النهاية برضه. شوفوا مدلعاكم ازاي لول
8)
الفصل كان هيكون اسمه يوم الرياضة بس لقيت
أحداث كتيرة لازم تحصل قبله فقطعت الشابتر وخليته القادم...وهو ده شابتر يارا
ومالك:") كان مشهدهم هنا بس لما غيرت توقيت الاحداث بقا القادم.
9)
حسيت مدلعاكم رومانسية الشابتر ده واليكساندر
مكتسح اوي يعني. ده كله وانا شايلة مشاهد مش متوافقة مع زمن الاحداث وحطاها في
الفصول القادمة هيهي
-
متقلقوش حبيبنا اجاكس مختفي الشابترين دول بس
راجع وبقوة
10) نيجي لمشهد الكتابة، رأيكم في ردة فعل يارا؟ شايفين انها محقة؟ شايفين ان
ديانا انانية؟ طب حتى ولو، دي موهبتها وهي معملتش حاجة غلط صح؟ هي بتقدم الي
عليها..
11) بس نيجي لنقطة مهمة حابة اوضحها، ديانا مش بيرفكت. انا لمحت كتير انها في
اوقات كتير فعلا انانية او مش بتهتم بحد او ممكن تدع احد غيرها يتأذى عشان
ميحصلهاش حاجة. بغض النظر ده بسبب التروما بتاعتها بس هي مش شخصية بيرفكت وبتغلط
وهتتعلم. هتتعلم تثق بالي حواليها وهتتعلم تحبهم وهتتعلم تخاف عليهم. هتتعلم تكون
واحدة منهم. لكن دلوقتي هي مش شخص كويس وانا حاولت ابين ده كتير بس مش عارفة حد
اخد باله ولا لا، عشان بتدعموها دايما، لكن اوقات كتير بكتب مشاهد هي بتكون غلطانة
فيها والشخصيات بتقولها كدة.
12) نيجي بقا لآخر مشهد. حاسة اني بقيت اكشف كتير اخر كام شابتر. مجددا:
استعداداً للنهاية. هبكي لول. الأحداث هت-pick up خلاص
وهتلاقوا حجات كتير بتحصل الفترة الجاية. تطور علاقات وصداقات واكتشافات وبلوت
تويستات وكدة.
13) المهم، كان فيه بنت أنا فاكرة وصلت لتحليل صح عن الأستاذ فونتانا ومعايا
لسة تحليلها هعيد نشره مكافأة على اكتشافها بس بجد يا شباب، فيه واحدة وصلت لسر
كبير اوي في الرواية من قريب وانا كنت مصدومة من دقة توصلها، بس طبعاً مقبلتش
البوست عشان كدة هيحرق على الباقيين لكن البوست معايا هيكون في وقته لما الحدث ده
ينكشف.
14) سو...مين توقع ان استاذ فونتانا كدة؟ اتمنى تكونوا فاكرين تسجيل الصوت بتاع
الصرخات الي كان في الفصول الاولى من الرواية. تفتكروا فونتانا بقا الي بيعمل كدة
في أليكساندر؟ وليه أصلاً ده يحصل لأليكساندر وهو المفروض اهم شخص في الأكاديمية؟
ما السبب؟
15) نيجي بقا لأستاذ آفين...احم احم محضرالكم بلوت تويست في الشابتر الجاي
برضه. المهم من توقع انه الشخص الي يساعد ديانا من الادارة؟ انا فاكرة اني قريت حد
قبل كدة خمن كدة في كومنت او بوست بس شابوه بجد انا كنت حاطة هينتس في الفصول
القديمة بس السؤال هنا...ليه؟
16) تفتكروا ليه بالذات هو يساعدها؟ هل لأنه طيب فعلاً ولا وراه سبب تاني؟
*اعتبروني ضحكت ضحكة شريرة*
المهم انا كاتبة
حوالي نص الشابترين الجايين عشان كدة اتأخرت عشان كل شوية تجيلي افكار ليهم اكتر
واتحمس فاكتبهم قبل ما اخلص الشابتر ده. فهحاول انزل واحد قريب والتاني مش هيتأخر
بعده. سبب تأخير ده انه طويل أوي وانا كنت حابة احطلكم اكبر كم من الاحداث الممكنة
عشان بقالكم كتير مفيش احداث اوي. اتمنى تكونوا استمتعوا وعجبكم الشابتر
لاف يو
-تسبيح
جمييلل و طويل اوي حبيت ان انتي بتبيني ديانا بعيوبهاو مش عشان هي البطلة تبقي مش بتعلط بالعكس يمكن هي اكتر واحدة عيوبها باينة مستنية الكاركتير ديڤولمبنت بتاعتها علي احر من جمر💗💗🥰
ردحذفالفصل حقا تحفة خاصة الجزئية الاخيرة و لا اجد كلمات للتعبير اكثر و اتمنى ان لا تتاخري كثيرا في الفصل القادم
ردحذفكنت عارفة انه آفين اللي يساعدها، كان واضح مره انه هو👈👉، واحسه هو ابوها الحقيقي🙃، او ابو ليكس مدري ليش اشك فيه🤭، واحس بديت اصدق ليكس مسكين ويبغى يساعد بس ستل مني مرتاحة له، واجاكس الشك فيه مليون ما يريحني ما اتحمله🤢.
ردحذفاما مالك رسميًا عميل سري محد يقنعني بغير كذا، وبديت اشك ان ارت وليكس اخوان مدري بس رسمة اجاكس تلعب فمخي😃، عقلي ما يقبل انهم كبل مستحيل.
ممكن الاكاديمية تعاقب الطلاب لما ينخفض مستواهم فيخافون من ديانا لما تسبقهم لانهم بيروحون فيها، هذا تحري من الكيس مو مره عاجبني😆
لمذا ارتميس لايوجد لديها مشكلة من تقرب الكس وديانا
ردحذفولا تظهر اي ايموشن لو كانو على علاقة سويا الكس وارتميس اقصد
احس انو الهرم متفقين انو الكس يتقرب من ديانا ويخدعها مشاعريا حتى يحصل معلومات وخطواتها التالية ومتنضرب مصالحهم ويبقون المسيطرين
فهي لا تعترض على تقرب الكس من ديانا
راح يتقرب من ديانا ويقع بحبها 🙃
الفصل تحفةة بجدد
ردحذفصراحه مدري كيف بنتظر احسني ع اعصابي احححداث ككثير ف الشابتر بدعتي صصدددقق
حذفبس فيه بعض الفصول القديمه موجوده بس م تفتح 💔💔💔💔💔
كيف الاقي الفصول القديمه مالقيتها
ردحذف