26
"يوم
الرياضة"
لقد بدأت أشك في
الأستاذ آفين منذ مدة. هو لم يكن بارعاً في التمثيل أو التظاهر، وعندما شككت لأول
مرة بدأت أدقق في تصرفاته وكان يثبت لي في كل مرة أنه من يساعدني. أول مرة كانت
عندما ذكرت له أنني لا أمتلك ما أرتديه في الحفل، وبعدها وجدت فستاناً على سريري
تم تسليمه.
لقد كان فخاً وقع
فيه.
فأنا لم أخبر غيره
أنني لا أمتلك زياً للحفل عن قصد. منذ اليوم الأول وهو مهتم بي أكثر من باقي
الأساتذة ولاحظت عيناه تتابعني العديد من المرات وكأنه...يطمئن علي.
وعندما مزقت
آرتميس سترتي القديمة أمام الطلاب كلهم شككت أن من يساعدني أحد الطلاب، لأنه لم
يكن هناك أحد من الأساتذة وقتها ليعلم، ولكن هذا تم تفسيره بكون جرايس من تخبره
بكل شئ. ثم وجدت السترة السوداء الجديدة على سريري بعدها، وعرفت...عرفت أنه أحد
الأساتذة لأنه يستحيل طالب أن يعرف حالتي المادية دون كونه قادر على الإطلاع على
ملفي الشخصي.
وعندما وجدت
الرسالة بعدها تخبرني بأن أختار علامة الثعبان لتكون رمز اسمي بعد أن أخبرني آفين
أن أفكر في علامة في صف الغناء قلبها علمت...
علمت أنه شخص يعرف
والدي.
كنت أذكر حكايات
والدي وانبهاره بهذا النوع من الزواحف بالذات. لقد كان يخبرني كثيراً بأنه علينا
أن نكون كالثعابين في عالم التجارة، حتى لا يتم افتراسنا. في مكتبه في الشركة كانت
هنالك رسمة كبيرة لأفعى ملتوية تحتل الحائط خلف مكتبه وكلما كنت أجلس أمام مكتبه
كنت أحدق إليها في انبهار وهو يحكي لي سبب وجودها.
وبعد أن شككت في
آفين حاولت فهم السبب. لأكتشفه أخيراً.
آفين يساعدني لأنه
كان صديق والدي.
والقطعة الأخيرة من الأحجية كمنت في كون أنه ذكي كفاية ليختار طالبة لا ترتاد صفاً
له. ومن بين جميع الصفوف التي ترتادها معي جرايس كان الغناء والكتابة الإستثناء.
ورغم أنني فعلت المثل مع الأستاذة ماكسين حتى أستبعدها، هي ولا مرة وقعت في فخي
كما وقع آفين مراراً وتكراراً.
لكن كان هناك شئ
آخر شككت فيه بشأنه.
"أنت رجل
خسيس." بصقت في وجهه وأنا أقترب منه بعدما تراجع في صدمة من جملتي. "لقد
وقفت كالجبناء تشاهد بينما زيريلدا تمر بكل ما حصل لها. دون فعل شئ."
شاهدت جسده بأكمله
يتجمد وهو ينظر لي في ضوء جديد تماماً. لكنني لم أعطيه فرصة لإمتصاص صدمته وتقدمت
بحدة. "أي أب يفعل هذا؟"
"لم أكن
أعرف!" صرخ بقوة ملوحاً بذراعه في الهواء قبل أن ينكمش وجهه في ألم.
"أتظنين أنني كنت لأتركهم يفعلون هذا بابنتي إن كنت أعرف من تكون؟!"
لم يكن متفاجئاً من معرفتي... مما يعني أنه شك في ذلك. لقد كان يخفي أكثر مما أظن. عندما ظللت صامتة أعطيه نظرة كريهة مرر أصابعه في شعره وبدأ يتحرك أمامي:
"كانوا يلهون بي، كانوا يعرفون من هي عندما تقدمت بطلبها وقبلوها. كان الأمر غريبًا في البداية، أن يكون شخص مثلها، شخص مجهول، موهوبًا للغاية. ولكن الآن يبدو كل الأمر واضحاً. إنها ابنتي بعد كل شيء. تحب هذه الأكاديمية الأداءات المسرحية، تحب تسلية نفسها. لست متأكدًا مما إذا كان هذا هو الهدف الوحيد من قبول زيلدا هنا، ولكنني متأكد من أن هذا هو واحد من الأهداف." توقف ونظر إلي مكملاً حديثه: "يحب هؤلاء الناس الدراما. انظري إلى كل الأساطير من حولنا، إنهم يحولونها إلى واقع لأنهم يستطيعون. وأسماء الأطفال.. إنهم يطلقون على المبنى الرئيسي اسم أوليمبوس بحق كل شئ!"
أنا...لم أكن أعرف
هذا. "هذا لا يبرئُك مما حدث."
"أعلم.
أعلم." كرر في إحباط ثم مسح على وجهه بقلة حيلة. "ولهذا أنا أحاول إصلاح
أخطائي."
"عن طريق
مساعدتي؟ كيف يصلح هذا أي شئ؟"
"حتى لا
تصبحين مثلها!"
"لا تقلق من
هذا. أنا على عكسها أعرف أن هذه ليست مجرد أكاديمية للدراسة." حدجته في حدة.
"هل أنا مخطئة؟"
لم يجبني.
"ماذا
بعد؟" سألته. كنت أعلم أن هناك سبب آخر أكبر من هذه الترهات الحميمية.
"ماذا
تعنين؟"
"لا تتظاهر
بعدم فهم سؤالي. هناك ممثل واحد بيننا وهو ليس أنت."
بسط شفتاه وعيناه
ضاقا في انزعاج من أسلوبي لأنها أول مرة أظهر عدم احترامي له. لكني لم أكن أحترمه
من البداية عندما وقع بصري عليه أول مرة واكتشفت اسمه. هذا الوغد تخلّ عن والدة
زيلدا ولينك وتركها لتلملم ما كسره وحدها دون تفسير حتى. هو لم يكن يعرف بوجود
لينك وأن لزيريلدا توأم. لكنه كان يعلم أنها حامل عندما تخلى عنها. لا أحد سواي
يعرف لأنهم توأم ولا حتى والدهم. لكني لن أخبره عن لينك كما طلب مني. هو لا يريد من
آفين أن يعرف حتى أين والدته حتى لا يقترب منها. هو يضعه مع باقي الأكاديمية تحت بند
الذين أذنبوا في حق أخته التوأم وكرهه له جليّ. ثم إن علم آفين بأمر لينك سيريد
رؤيته، وهذا قد يفسد كل خططنا.
اقتربت منه خطوة
في تحد. "ماذا بعد، آفين؟ أخبرني ما هو السبب الحقيقي؟" ضغطت عليه.
"أنا لا أعلم
أين هي." أخبرني بخفوت وكله أسى لأجفل في تفاجؤ. "وأملي أن تكتشفي أنتِ مكانها،
ديانا. أرجوك."
إذاً فظني السابق
بأنه خائف على مكانه بالأكاديمية خاطئ. هو كان يبحث عن ابنته لأنه لم يكن يعرف
مكانها، وليس لأنه تخلى عنها. "لما أنا؟ لما لا تبحث عنها أنت؟" حاولت
التحكم في صوتي وأنا أسأله. لم أكن أريد إفساد أي شئ.
"لا تجعليني
أفصح عن المزيد، ديانا. علي أن أحافظ على قوتي حتى أستعيد إبنتي التي سرقت مني.
وهم لا يستجيبون جيداً للإفصاح عن أسرارهم."
"كفاك ترهات.
هم هددوك أليس كذلك؟ أنت خائف من أن تعصيهم؟"
"أنتِ لا
تفهمين. لم يكن من المفترض بي أن أعرف من الأساس، ديانا. هذا لم يكن في الحسبان
وغضبهم لم يكن هيّناً. لا أود إغضابهم مرة ثانية."
قطبتُ حاجباي. "كيف
عرفت إذاً؟"
تنهد ونظر بعيداً
لحظة. "أليكساندر أخبرني."
هذا فاجأني لدرجة
أن وجهي تراجع للخلف وكأنني صفعت. "هو يعلم؟"
لم يفته طريقتي
وأنا أقول (هو) وكيف كانت حادة ومليئة بالنفور. اكتفى بالإيماء. "أليكساندر
يعلم أكثر مما تظنين. هو ذكي جداً وعندما يشعر أن خيط ما مفقود يتقفّى أثره."
"لكن... كيف
شك بالأمر؟ ما الذي جعله يفعل ذلك؟"
رفع رأسه ونظرته
قد أظلمت. "أنتِ لا تجديني أسألك نفس الشئ عن كيف علمتي، آنسة...بريف."
كان أول شرخ في قناعي
الذي صارعت لإبقائه في مكانه وارتعشت أصابع يدي السليمة جوار جسدي. "....كل
المعلمون على معرفة، أليس كذلك؟"
كانت إيمائته
خفيفة لدرجة أن ملاحظتها كانت صعبة. "لما تظنيننا نعطيك ذلك الإهتمام وأنتِ
لستِ سوى طالبة مستجدة بينما هناك الآلاف من الطلاب الذين عاشوا هنا طيلة حياتهم؟
هذا الإهتمام لا نعطيه لأي أحد، آنسة ديانا—"
"اصمت."
أوقفته بسرعة خوفاً من أن يكمل الإسم الأخير الذي لا يمكن لفظه بين هذه الجدران
بعد.
هو لم يقل شيئاّ
وشاهدني أتراجع للوراء وأمسح شعري بعيداً عن وجهي وجبهتي. "لما لم يبحث هو
عنها إذاً؟ إن كان أليكساندر بهذه البراعة كما تقول فهو أفضل مني في
إيجادها."
"لأنهم لا
يريدون منه إيجادها. ليكس له حدود في حريته هنا وفي الخارج وإن فعل شيئاً لا
يرغبون به قد يفقد أشياءً عزيزة عليه."
"وتظن أنني
لدي حرية أكثر منه؟"
هز رأسه.
"كلا. بل هم يريدون منكِ إيجادها."
"هذا مستحيل.
إنهم يخفون كل شئ عني والجميع خائف من إخباري شئ."
"هذا لأنهم
لا يريدون أن تحصلي على أي مساعدة بينما تفعلين ذلك." أغمض عيناه وتنفس بقوة
قبل أن يفتحهما وينظر حوله، حيث كانت الليلة قاتمة وباردة أكثر من غيرها. "ليس
من المفترض بي إخبارك هذه الأشياء، ديانا. لهذا لم يكن من المفترض بكِ أن تعرفي.
كلما قل ما تعرفينه كلما قل الأشخاص الذي سيتأذوا."
"ولما يتأذ
أحد أصلاً؟ لما كل هذا بسببي؟ أنا لا أفهم شيئاً."
نظرته تبدلت
وأصبحت أكثر جدية. في لحظة تحول من كونه والد زيريلدا للأستاذ آفين مجدداً.
"إذا
افهمي."
♪
"غداً
بإمكاننا خلع الجبيرة أخيراً."
كلمات لم أتوقع
سماعها بهذه السرعة وفي زيارة الطبيب الأسبوعية، لأحدق بوجهه في صدمة.
"...حقاً؟"
أومأ الطبيب وهو
يخفض صورة الأشعة. "لقد تحسنت حالة ذراعك بشكل كبير الآونة الأخيرة. لا بد
وأنكِ محاربة."
لم أقل شيئاً وأنا
أشاهده يلملم أدواته ويعيدها لحقيبته قبل النهوض استعداداً للرحيل. "غداً في
نفس الموعد إذاً سأحضر ما يلزم وبإمكاننا نزع الجبيرة وعودتك لممارساتك العادية
مجدداً."
"ماذا عن
الرقص؟" سألت بعد تردد طويل. لم أكن مستعدة لسماع إجابته. "هل سأعود كما
كنت؟"
"هذا يعتمد
على تعاونك في الإستمرار مع العلاج الطبيعي. لا تنسي أن ذراعك على نفس هذه الوضعية
منذ شهر كامل، فإن حاولتِ فجأة القيام بشئ غير مألوف ستعودين بنفسك خطواتٍ كثيرة
في العلاج."
هذا جعلني أنهض من
على سرير مشفى الأكاديمية. "وماذا يعني هذا؟ هل لن أستطيع الرقص قريباً؟
عرض...هناك عرض كبير قادم...أيعني هذا أنني لن أستطيع المشاركة فيه؟"
وجه الطبيب كان
كله أسى. "على الأرجح لا."
وهكذا وجدت نفسي
جالسة مكاني في قاعة الرقص بعد منتصف الليل أحدق بالجدران الشاهقة والأنوار
الخفيفة أستمع لأطراف خيوط أغاني الأشخاص الذين يتدربون لوقت متأخر كجرايس ومارفن
في الغرف المنعزلة أقصى القاعة. بعد أن مرت ساعة في هذا الجلوس والأفكار الكئيبة
نهضت ووجدت نفسي أذهب للغرف المنعزلة حتى رأيت جرايس.
وقفت أمام الزجاج
أراها تحمل عدة شرائط ضوء من حقيبتها وتربطها حول معصميها. عقدت حاجباي على هذا
ولكنني شاهدتها تعود لمنتصف الغرفة أمام المرآة وتبدأ الرقص فور بدء الأغنية.
والرقصة التي
شهدتها كانت ساحرة.
دقات قلبي تعالت
من المنظر وأنا أرى الشرائط تضيء وتخلق موجات مع حركاتها الجميلة. كانت تدور وتدور
معها سترتها والأضواء تغير لونها للون مختلف وكل يد تتبع الأخرى في الإلتفاف حولها
وخلق منظر خلاب وكأن الشرائط تسمع كلامها. أنا لم أرى شيئاً بهذا الجمال من قبل.
حتى بدأت الأغنية
في التسارع وبدأت حركاتها تتسارع معها، ترفع رجل في الهواء وتميل جسدها ليصبح
خصرها متعامداً مع البلاط والأضواء تتبدل لألوان قوس قزح وهي تدور حول رجلها قبل
أن تقفز وتعود بثبات على الأرض وترمي بالشرائط مرة أخرى لتدور في حركة سلسة حول جسدها.
عندما انتهت
الأغنية وتوقفت جرايس وقفت أشاهدها تلتقط أنفاسها قبل أن أطرق على الزجاج.
قفزت جرايس من
مكانها واستدارت نحوي، لكن عندما لم ترى شيئاً بسبب الزجاج الذي بإمكانك الرؤية من
خارجه فحسب توجهت للباب وفتحته لتجدني.
كانت ملامحي كما
هي لم تتغير من الصدمة وفوراً تنفست: "واو."
"لقد...شاهدتِ؟"
أومأت قبل أن أهز
رأسي لأفيق من الحالة التي أنا فيها. "جرايس...هذا كان جميلاً. لم أرى شيئاً
ساحراً هكذا. واو."
توردت وجنتا
جرايس.
"متى تعلمتِ
كل هذا؟"
أشارت لي بالدخول
لأغلق الباب خلفي وهي تعود لحقيبتها وتفك الشرائط
من على معصمها. "لي فترة أتمرن على القيام بشئ جديد في الرقص."
"أنتِ
اخترعتِ هذا؟!" صدمتي كانت عارمة.
التفتت لي بسرعة
لأدرك أنها أساءت سؤالي بكونه مستنكر لكونها قادرة على فعل شئ كذلك لأسبقها في
الحديث: "أعني أنني ظننتك تعلمتِ هذا لا من اخترعه! هذا مذهل! يجدر بكِ
تقديمه للأستاذة ديماس."
أخفضت رأسها وهي
تنتقل لشرائط اليد الأخرى لتفكها. "أردتُ أن تكون مفاجأة. أفكر أن أقدمها في
عرض رأس السنة."
"فكرة جيدة.
حاذرِ فقط من أن يعلم أحد بها فيسرقها منك. أقترح أن تغطي المكان أو تتمرني ف
غرفتك من الآن فصاعداً. بإمكان أي أحد أن يراكِ من الخارج."
بدت أنها تتفق مع
فكرتي لتومئ وتخفض رأسها مجدداً. عقدت حاجباي. "ما الخطب؟"
هزت رأسها وتوجهت
بالشرائط للحقيبة ودسّتهم بها قبل إغلاقها. استقامت مجدداً بالحقيبة عندما سألتها
مرة أخرى: "ما الخطب، جرايس؟"
"أنا
فقط...أتظنين أنها جيدة فعلاً؟" نظرتها كانت منهزمة.
توسعت عيناي. هي
غير واثقة؟ "أتمازحينني؟ جرايس، أنا لم أجاملك منذ قليل. هذه فعلاً أجمل رقصة
رأيتها في حياتي."
ظلت تحدق في عيناي
مطولاً باحثة عن شئ فيهما وبعد فترة بدت وكأنها اقتنعت بصدقي لترتسم ابتسامة بسيطة
على محياها فوراً. "حسناً."
"حسناً."
ابتسمت قليلاً أيضاً.
رفعت جرايس
الحقيبة الثقيلة فوق كتفها. "ماذا تفعلين هنا إذاً؟"
ترددت قليلاً قبل
إخبارها. "أردت...الرقص."
انعقد حاجبيها في
استفهام لأنظر بعيداً وأهمس: "إنني أفقتده."
عم الصمت بيننا
ولكنني لم أخجل من إعترافي. هي راقصة وستفهمني. ربما ستفهم أكثر مني حتى كون الرقص
موهبتها الوحيدة. حياتها.
سمعت صوت ارتطام
ليذهب انتباهي نحوها فوراً وأراها ألقت الحقيبة أرضاً. "إذاً لنرقص،
بريف."
كانت الجملة أشبه
بالسر. وأدركت أنها أول مرة تناديني بهذا الإسم منذ أن عادت من قاعة آروز. هي كانت
تخبرني أنه لا يهمها من كنت، بل من أكون الآن... وجدت شعور غريب يجتاح صدري وأنا
أتابعها تذهب لمكبر الصوت وتختار أغنية قبل أن تستدير بنظرة جرايس المعتادة. نظرة العزم.
"ما الذي يمنعك من الرقص إذاً؟"
هي محقة. ما الذي
يمنعني؟
بدأت جرايس
بالتمايل على ألحان الأغنية الهادئة ثم أغمضت عيناها وهي تمرر أصابعها في شعرها في
رقص حسيّ. بعد مدة بدأت أطرافي بالتحرك أيضاً، وتمايلت معها قبل أن أغمض عيناي
مثلها وأرفع يدي السليمة.
عندما تعالى اللحن
بدأت جرايس بالتحرك أسرع واستخدام قدمها لأتبع خطاها وأقفز معها، ابتسامة خافتة
ترتسم على محياي دون أن ألحظ، واستمرينا هكذا نرقص حتى انتهت الأغنية وبدأت أخرى،
ولكننا لم نتوقف. لو نتوقف حتى على الأغنية الرابعة، ورغم أن جرايس كانت تتمرن
لساعات قبل أن أصل وبالتأكيد متعبة، لم تظهر ذلك مرة أو تتذمر. هي ظلت تشاركني
الرقص حتى تعبت أنا.
وقفت ألتقط أنفاسي
وهي ضحكت. "قدرة تحمّلك قد تضررت، بريف. أنتِ تلهثين وكأنكِ كنتِ تركضين
ماراثون."
ضحكت معها.
"اللعنة عليكِ." لكنها كانت محقة.
كيف أنني لم أرقص
بحق طول هذه الفترة؟ صحيح أن ذراعي المتضرر لكن قدماي بخير، وكما أخبرت آجاكس هذا
كل ما أحتاجه. لكنني كنت خائفة. خائفة ألا أستطيع الرقص كما اعتدت بعد فك الجبيرة.
وهذا الخوف لا زال موجوداً.
ولكنه لن يمنعني
بعد الآن من الرقص. حتى ولو استخدمت يد واحدة.
رفعت رأسي ونظرت
لجرايس التي كانت تعدّل ذيل حصانها دون أن تلاحظ تحديقي. كان العرق يتصبب منها ضعف
العرق الذي كان يتصبب مني، وكانت غير متزنة على قدماها من الإرهاق. في تلك اللحظة
أدركتُ شيئاً:
أنني لا أستحقها.
♪♪
وقفت خارج صف
التمثيل أعد الثواني. لقد شارف الجرس الثاني على الإنطلاق ومع ذلك رفضت قدماي
الحراك. لا أعلم كيف من المفترض بي الدخول والتظاهر وكأن شيئاً لم يحدث. وكأن ذلك
الأستاذ لا يعذب الطلاب من أجل متعته الخاصة. كيف أتظاهر أن ما قاله بشأني لم يدب
الرعب قلبي؟ كيف أتظاهر أنه لم يحاول الإعتداء علي ليذكرني بما فعل الخاطفون فقط
لأنه يريد اللهو بمشاعري؟
لهذا وقفت متجمدة
مكاني أحدق بساعة يدي وأنا أصرخ بأن أتحرك قبل فوات الأوان. نعم لقد مررت بموقف سئ
لكنني مررت بما هو أسوأ ما—
فتح باب الصف فجأة
وبقوة جعلتني أنتفض. خرج أليكساندر من ورائه وكأنه كان يستعد للركض قبل أن يتوقف
عندما وقعت عيناه علي...وهدأ.
"أنتِ
هنا."
جملة واحدة.
ولكنها داعبت الإحباط المكتوم داخلي، لأتناسى جميع أفكاري المتصارعة وأركز على شئ
واحد:
لقد غادر.
لقد تركني وغادر
مع آرتميس. اعتصرت حاسوبي لصدري وشاهدت كيف لانت عيناه قليلاً. "ستتأخرين على
الصف، ديانا."
"أعرف."
تكلمت من بين أسناني. لكن قدماي مجدداً أبتا التحرك.
"أعدك أنه لن
يجرؤ على لمسك مجدداً." همس وترك مقبض الباب وأخذ خطوة واحدة نحوي.
"أنت تقوم
بالكثير من الوعود مؤخراً. لا بد وأن جدولك مزدحم لتفي بهم كلهم."
"إذاً فأنا
أقسم." غلف صوته نبرة من الجدية وكانت نظرته مماثلة. "أقسم أنه لن يقترب
منكِ مجدداً كما حدث البارحة."
هززت رجلي كي لا
يظهر التردد على وجهي ونظرت مجدداً لساعة يدي. دقيقتان. أمامنا دقيقتان قبل أن
يحدث شئ كارثي لأننا تأخرنا. لكن ليس هو صحيح؟ لهذا هو يقف هنا معي. لأنه لن يمسه
أي ضرر.
"أخبرني
شيئاً واحداً إذاً حتى أصدقك،" نظرت له مجدداً. "ماذا كنت تفعل هناك مع
آرتميس؟"
هو لم يتردد في
الإجابة. "كنا ذاهبان لأخذ لارا وإعادتها عندما علمنا أن فونتانا
أخذها." توقف قليلاً وكأنه يفكر إن كان يجدر به قول المزيد. "بمساعدة
آفين."
أومأت إيماءة
خفيفة تكاد لا تلاحظ وتوجهت للباب، ثم دخلت. توقفت الأعين علي وعلى أليكساندر الذي
أغلق الباب خلفي وتوقف جواري. لكن بصري ذهب للأستاذ فونتانا الذي ابتسم ابتسامة
خبيثة عندما رآني. في الحقيقة هي لم تبد خبيثة ولكني بعد أن كشفته على حقيقته بت
الآن أرى ما خلف قناعه الذي يرتديه ببراعة.
"عزيزتي
ديانا، ظننت أنكِ لن تنضمين لنا اليوم. يا ترى ما سبب تأخرك؟"
"ألن نبدأ،
أستاذ؟" تدخل الصوت يوقف فونتانا لتذهب رأسي لآرتميس في اندهاش. لكنها لم
تعرني أي اهتمام وهي تنظر للأستاذ بوجه جامد. "لقد رن الجرس الثاني."
ضاقت عينا فونتانا
عليها لوهلة ولكن عندما تحرك أليكساندر وذهب ليجلس جوارها ابتسم وصفق بيديه،
مخفياً ملامحه المظلمة فوراً. "بالطبع. لنبدأ الصف إذاً."
----------
اليوم التالي وقت الغداء في الكافيتيريا كنت أجلس على طاولة
الرقص أستمع لجوناس يحكي قصة لمغامرة قام بها في الصيف الماضي وسط ضحكات الكل مما
جعلني أبتسم وأنا آكل طعامي. فقدت تركيزي في صخبهم عندما لمحت شعر أزرق يدخل
القاعة ومعه يوهان-لي يتحدثان في تركيز تام جعلني ألصق بصري بهما وأتابعهما وهما
يصطفان أمام المطعم بصينية لأخذ الطعام. بدا كنقاش حاد، ويوهان-لي يعارض زاكاري في
شئ وهو يهز رأسه ويحاول إقناعه بشئ آخر.
سقط شئ أمامي فجأة
لأنتفض من تركيزي البعيد وأنظر لعلبة البطاطس المقلية أمامي. عقدت
حاجباي...البطاطس المقلية لا تقدم من الأكاديمية. مما يعني...
صمت الطاولة
السريع أكد لي صاحب الهدية لأرفع رأسي ببطء لتقابلني عينا أليكساندر البنية وهي
تلمعان. غمز لي وقبل أن أقول شيئاً سبقني بالحديث:
"لاحظت أنكِ
تحبينها أكثر من أي طعام آخر."
وبهذا هو تركني
كما جاء: بسرعة ودون أن يعطيني فرصة لإستيعاب ما حدث.
"هل هما
يتواعدان الآن؟"
تلك الهمسة جلبت
بصري للراقصين الذين كانوا يشاهدوا ما يحصل. ضرب جوناس كتف صديقه. "أيها
الغبي، إنه يواعد آرتيميسا." ثم بعدها هز جوناس كتفيه في غير مبالاة وعاد
ليكمل قصته ويفصل الإنتباه من علي .
مالت جرايس جواري
وهمست. "ماذا كان هذا؟"
هززت كتفي أنا
أيضاً واسترقت النظر نحو طاولة الهرم عندما جلس أليكساندر على رأسها واسترق
نظرة باتجاهي في نفس اللحظة. تسارعت ضربات عندما تقابلت عينانا، ولكنني كما توقعت
منه هو لم يغمز أو يمزح. بل ظل يحدق وكأنه يشعر بنفس ما أشعر، حتى أظلمت عيناه
فجأة وهي ترتفع خلفي.
"ديانا،"
آجاكس. التفت
لأجده يقف خلفي. "أوه، آجاكس، كيف الحال؟"
"بخير. هل لي
بكلمة؟"
نظرت حولي. كان
طلبة الرقص يحاولون التظاهر بعدم الإستماع لنا. "الآن؟"
هز رأسه وأشار
لباب الكافيتريا. أومأت تاركةً طعامي رغم تحسّري على ترك البطاطس المقلية التي
جلبها أليكساندر. أنا حقاً لا يتسنى لي أن آكلها بعد الآن منذ دخلت الأكاديمية لأن
لائحة الطعام دوماً صحية—شئ ما بخصوص أنهم يريدون طلابهم صحيون وبأجساد صحية—
بإستثناء يوم واحد في الشهر يجلبون فيه البيتزا والوجبات الصحية.
"ما
الأمر؟"
"ما هو
عرضك؟" التفت فوراً ونحن نتوقف، عيناه الزرقاء كانت هادئة.
عقدت حاجباي وشعرت
بغرابة السؤال. "لماذا تسأل؟"
عندما انخفض بصره
لثانية سريعة لذراعي المجبّس تجمدت ملامحي. "لقد أخبرتيني أنكِ تريدين أن
تنضمي للهرم، ديانا. إن لم تقدمي عرضاً جيداً نهاية الأسبوع هذا لن يساعد فرصكِ،
بل سيؤخرها."
قبضت أصابعي التي
بدأت ترتعش من الإحباط. "ماذا تقترح إذاً؟"
"لن أعطيكِ
فكرة لعرضك، ديانا. عليكِ أنتِ أن تقومي بهذا. أنا أعرض المساعدة ليس إلا. حتى
الهرم يحتاجون للمساعدة معظم الوقت في مواهب الآخرين، ونحن--مالك وآركيت-- نوفر
تلك المساعدة لمارفن وأليكساندر وآرتميسيا."
"لكنني لست
من ضمن الهرم. فلما ستساعدني؟"
"لقد
ساعدناكِ من قبل أتذكرين؟" صمت قليلاً قبل أن ألحظ اللمعة في عينيه.
"وقد كان أجمل عرض رأيته. لقد استخدمتي موهبتي أنا ومالك بشكل لم يخطر ببالي
أبداً. أنا لا أعرض موهبتي لشخص لا يستحقها."
قضمت شفتي في
تفكير. أنا لم أخبر أحداً بفكرة عرضي لأبقيه سراً حتى تكون قوتي، ولكنني كنت بحاجة
للتمرن، والأكاديمية لم تكن توفر مكاناً لما في بالي. ثم أنني قد أستعيره في
اللإضاءة كما فعل المرة السابقة.
"في الحقيقة،
آجاكس..." اقتربت منه قليلاً لترتفع عيناه لي وأنصدم من جمالهما ككل مرة.
"عرضي كامل بالفعل. حتى قبل أن تسألني. ولكن... ربما أستفيد منك."
هذا أثار فضوله
ليعقد حاجبيه. "ما هو العرض ديانا؟"
عندما ابتسمت
وأخبرته بكل ثقة شاهدت عيناه تتسعا قبل أن تهبط نظرة مختلفة على ملامحه وهو
يشاهدني بتمعّن وأنا أشرح كل التفاصيل. وعندما انتهيت من تفسير فيما سأحتاجه كانت
هناك شبح ابتسامة على محياه. قبل أن يهمس:
"مذهلة."
توردت وجنتاي
ونظرت بعيداً وهو يقول: "يمكنني ترتيب كل هذا."
لم يكن لدي شك.
الوقت كان قصيراً ولكنه آجاكس وهو كباقي الهرم أهل لأي تحدِّ. عندما استدار ليعود
لقاعة الطعام أوقفته بسؤال منخفض:
"لماذا هذا
التغيير؟ لم تساعدني الآن لأنضم للهرم؟"
هو لم يلتفت
يعطيني وجهه، ولكن صوته الناعم وصلني وهو يجيب:
"لأنه مكانك
منذ وصلتِ الأكاديمية."
♪♪♪
"يكفي أربعة."
"أربعة؟ وهنا ظننت أنكِ تريدين فرقة كاملة من الراقصين
خلفي." سخر أليكساندر وأنا أقف أستند على باب غرفته المغلق.
"أربعة يكفون...بالإضافة إلي."
التفتت رأسه سريعاً نحوي وهو يتوقف في منتصف الغرفة. "ماذا
تعنين؟ أنتِ سترقصين؟"
ترددت قليلاً وأنا أنظر لذراعي الأيمن، ساعات تفصله عن الحرية. صوتي
أصبح خافتاً: "سأفكّه اليوم، أليكساندر."
قابلني الصمت مما جعلني أشعر بالإحراج لأنظف حقلي وأنا أنظر في كل
مكان عداه. "المهم...هناك ما أردتُ اقتراحه عليك."
"هذا جيد، ديانا."
أخفضت بصري وأكملت حديثي. نادمة بالفعل أنني أخبرته. "أنا أظن إن
رقصت في المقطع الختامي وأنت تغني س—"
"ديانا. هذا جيد." كرر وهو يتوقف أمامي لأدرك أنه كان يتقرب
مني. رفعت رأسي ببطء ووجدت وجهه الهادئ يدرس ملامحي جيداً. "لماذا تبدين
حزينة إذاً؟ أليس هذا خبر جيد؟ أنكِ ستعودين للرقص أخيراً؟"
"قد." همست بخفوت.
تكونت عقدة بين حاجبيه. "ماذا؟"
"قد أعود للرقص." همست قبل أن أتنحنح وأفرد ظهري لأقف
باعتدال لتقصير المسافة بين أطوالنا. "هناك احتمال ألا أعود كما كنت."
"من قال هذا؟"
"الط—"
"لا أعني الطبيب، ديانا. هو قال أن هناك احتمال. لكنكِ تتحدثين
وكأن الأسوأ قد حدث بالفعل. لذلك أسألك، من قال هذا؟ وحدك من سيحدد كيف تميل كفة
هذه الإحتمالية، ديانا. وحدك قادر على القيام بهذا."
هززت رأسي. هو لا يفهم. "ديانا انظري إلي."
"أنت لا تفهم—"
"انظري إلي!"
انصفعت عيناي فوراً له بحدة وأنا على وشك إعطائه بعضاً من الكلام
اللاذع على نبرته. فكيف له أن يأمرني. لكنه رفع يده لوجهي وفي الثانية الأخيرة
تردد وأرخاها على الحائط جوار وجهي. "ربما أنا لا أعرفك لوقت طويل، لكني رأيت
الكثير منك. أنتِ مقاتلة، وتستمرين بإثبات هذا كل يوم رغم ماضيك. هذا ما يمكنني
إخبارك به. لذا...قاتلي."
عيناه كانت ذهبية. هكذا رأيتها في تلك اللحظة وأنا أنظر له جيداً. لقد
أدركت أنه يستحق كونه ملك الأكاديمية في تلك اللحظة، ولأنه من الرغم من أنه يقاتل
بنفسه أيضاً...هو يدفع باقي الطلاب للقتال مثله.
عندما طالت مدة الصمت بيننا رمش أليكساندر وسحب يده، متراجعاً للخلف.
قبل أن يتوقف مستوعباً حديثي الذي قاطعه: "لحظة. أنتِ تريدين مني أن-
ماذا؟؟"
ارتفعت زاوية شفتي في متعة. "لا تقل لي أنك خائف."
هذا جعله يضحك. "أنا لا أرقص."
"دعني أعلمك. ستكون رقصة قصيرة وبسيطة لكنها ستغير العرض بأكمله."
حاولت اقناعه وهو يبتعد ذاهباً لثلاجته المجاورة لسريره. فتحها ولاحظت كم الطعام
بداخلها قبل أن يأخذ مشروباً غازياً ويغلقها.
ارتشف رشفة قبل أن يخفض المشروب ويضحك مجدداً. "مستحيل. لن يحدث.
ستجعلين مني أضحوكة أمام الكل."
"هل هذا اعتراف منك بالفشل في شئ؟" حاولت المزاح.
"هذا ليس—أنا فقط لا أرقص."
هززت كتفاي. "كان الأمر يستحق المحاولة على الأقل."
هز رأسه وهو يشرب قبل أن يبستم. "أفكارك
مجنونة أحياناً. أنا؟ أتتخيلين حتى؟ أرقص؟ مستحيل. فقط مستحيل.
لقد خلعتها. لقد خلعت
الجبيرة أخيراً.
لم أعلم إن كان يجدر بي
إخبار أحد. لم أعلم من أخبر. لقد كان نهاية اليوم الدراسي وما هي إلا ساعات على
الحظر للنوم. مشيت في الردهات الخالية والهادئة عدا من النغمات المألوفة أمسك
ذراعي وكأنني في حلم. لقد مر وقت طويل. لقد مر وقت طويل جداً.
فقد ذراعي بعض الوزن
مقارنة بذراعي الآخر وكان الأمر يؤلمني كلما نظرتُ إليه. كم كان يبدو ضعيفاً.
يستحيل أن أقدم عرض رقص في أي وقت قريب. يستحيل أن أرقص في أي وقت قريب.
ربما لن أرقص في عرض رأس
السنة.
عبرت الممرات دون تفكير،
تقودني ذاكرة عضلاتي نحو المكان الذي ألجأ له كلما أكلتني أفكاري، حتى وجدت نفسي
أمام صالة الرقص.
دفعت الأبواب العملاقة
للقاعة ودخلت القاعة التي كانت لا تزال تعج ببعض الطلبة كون الساعة لم تصل للعاشرة
مساءً بعد. البعض كان يلهو مع أصدقاءهم، والبعض الآخر كان يتمرن مع رفيق، والبعض
كان يرقص في زاوية متناسياً العالم من حوله.
لم يلحظني أحد أو ذراعي
المفكوك، كلٌ غارق في حياته الشخصية، وأنا أخطو على الساحة حتى وصلت لزاوية خالية.
كنت أشعر برغبة غريبة في الجلوس والبكاء بأعلى ما لدي. فشئ ما كان يؤلم. هل هو
شعور الوحدة؟ أنني لم أهاتف أمي لأخبرها؟ أنني لا أستطيع محادثة لينك بينما أنا
هنا؟ أنني لا أشعر أن لدي صديق بحق؟ أنني لا يجدر بي وأنا أخوض هذه المهمة؟ أنني
لا يجب علي أن أدع جرايس تقترب مني أكثر من هذا؟
ربما كل ما سبق من
أسباب.
لهذا وجدت نفسي أتجه
لمكبر الأغاني وأضع أغنية من على هاتفي، قبل أن أغرق أنا أيضاً بعالمي.
كنت سأرقص بذراعي. كنت
سأثبت لنفسي أنني لا زلت أستطيع إستخدامه وأنني لست عاجزة. كل هذا بينما أتبع
تعليمات الطبيب وأخصائية العلاج النفسي.
بدأت النغمة الإفتتاحية
ورفعت ذراعي الأيمن ثم الأيسر، وعندما بدأت المغنية تتكلم جلبت كفاي سوياً—وتحركت
قدماي.
تركتَ قلبي محطمًا
لقد التقينا، والآن أنت ترحل
وأنا الآن أدور في مكاني”
دُرت حول
نفسي دوران الباليه---
"أعد الوقت، لا أستطيع الاستمرار"
انزلقت
قدماي للوراء وأنا أتراجع في حركاتي، أخلق مشهد العودة في الوقت بالحركات التي
رقصته للتو قبل أن أتوقف--
"عقلي يعيد تشغيل تلك الليلة التي غطسنا فيها"
في تماثل مع كل إيقاع،
تحرك جسدي بالكامل حركات روبوتية حتى بدأت الأغنية في العلوّ والإستعداد للمقطع
الأساسي لتتسارع حركات جسدي وقدماي بينما حركات ذراعاي محدودة، دون أن أفقد الرقصة
تناسقها.
"والآن أنا
أغرق"
انتفض جسدي ومال كله
للأمام وكأنني أسقط.
"لأسفل....لأسفل"
توقفت النغمة مع الجملة
الأخيرة:
"والآن أنا
أغرق"
ثم سقط الإيقاع وسقطت
معه.
لمست ركبتاي بلاط الساحة
الناعم وفردت ذراعي الأيمن مع إيقاع تلاه الذراع الأيسر مع الإيقاع المتتابع، أفتح
كلتا ركبتاي وأغلقهم قبل أن أسقط للوراء ببطء.
لامس شعري البلاط أولاً
ثم باقي جسدي، أجعله ينفرد تدريجياً بينما يداي تتحركان في حركات جوار جسدي ثم
فوقه، في تناسق مع كل إيقاع.
ومع صوت الشهقة في
الأغنية ارتفعت ويد فوقي كأني أبحث عن الهواء بينما دي الأخرى حول عنقي.
لقد تناسيت نفسي وتناسيت
كل شئ من حولي. تناسيت سبب وجودي هنا وسبب عذابي. لقد أغلفت عيناي وتركت العنان
للموسيقى تحرك روحي معها. رغم عدم استعمال ذراعي الأيمن كثيراً وفقط استخدامه في
حركات مساعدة كانت القوة تملأني وتملأ جسدي وتحركاتي. لقد شعرت أنني حية لأول مرة
منذ مدة. أطير مع اللحن وأمثل كل كلمة وأتفاعل مع كل إيقاع وشعري يتطاير مع
تحركاتي السريعة ويضرب وجهي مع كل لفة أو دوران أو قفزة أو ميلة.
"أعد الوقت، لا أستطيع الاستمرار. عقلي يعيد تشغيل تلك الليلة التي
غطسنا فيها"
تحرك ذراعي
الأيسر فوق رأسي مشكلاً أشكالاً في الهواء تبعتها حركات جسدي. ثم غطست أصابعي في
شعري الكثيف قبل أن تنغلق في قبضة واحدة وأطرق على رأسي مرتين.
"ولكني الآن
أغرق"
"لأسفل"
ركضت للأمام قبل التزحلق
باقي المسافة على ركبتاي، أمثّل أنني أغرق، بيداي حول عنقي بينما أصارع للتنفس. ثم
انزلقت للخلف على ظهري مجدداً وعدت الرقصة.
الموسيقى لم تكن عالية
حتى يمكن للجميع التمرن دون ازعاج الآخرين، ولكن في تلك اللحظة شعرت أن موسيقاي
الأعلى فلم أسمع سواها وكأن كل الموسيقى في المكان قد توقفت. وخلف عيناي المغلقة
تخيلت إضاءة بيضاء تومض باتجاهي وأنا غارقة في عالمي.
"ولكني الآن
أغرق"
حتى انتهت الأغنية. وانفجر
صوت التصفيق من حولي.
سقطت من حركتي النهائية
للأرض وأنا أفتح عيناي لأرفع رأسي بسرعة شديدة وأشهد العدد الكبير المتجمع أمامي. كانوا
الراقصين الذين رأيتهم يتمرنون عندما جئت، يصفقون في انبهار ومن ضمنهم جرايس التي
لا بد أنها خرجت من مكان تمرنها المعتاد وشاهدتني فقد كانت ترتدي ملابس التمرين
خاصتها وابتسامتها واسعة وهي تصفق. ولكن من فاجئني كان أليكساندر الذي وقف من ضمن
الحشد المتجمع. فقد برز بينهم بشعره الأشقر الذي لمع تحت الأضواء المتفرقة وهو
يحدق بي بأعين واسعة وكأنه لم يشهد شيئاً كذلك من قبل.
تقدم خطوة للأمام نحوي
وكان على وشك قول شئ قبل أن تسبقه جرايس وهي ترتمي أمامي بحماس ومعها جوناس وآخرون
من فريق رقصي المعتاد.
"لقد فككتيه! كان.
هذا. مذهلاً!"
"انظري، لقد صوّره
جاك حتى! كنا نتدرب على تصوير شئ يخصني لكن عندما رأيناكِ ترقصين انشغلنا بكِ
تماماً."
رفع جاك كاميرته في حياء
وهو يشير لي بيد واحدة. "لم أستطع إيقاف نفسي. كان علي تصويرك."
أومأت جرايس وهي تحاول
ابعادهم قليلاً لتعطيني مساحتي الشخصية. "لما لم تخبريني أنكِ ستخلعينه
اليوم؟ كنت لآتي معك."
لم أعرف ماذا أقل، فقط
رفعت عيناي عنهم لأحاول التقاطه من بين العدد الكبير فقط لألمح شعره الأشقر وهو
يبتعد، يغادر القاعة.
بعدما انتهى الإحتفاء
المبالغ فيه وتركت القاعة توقفت في خطواتي عندما وجدت أليكساندر ينتظر خارجها. لقد
ظننته رحل. "لماذا أنت هنا؟"
دفع جسده عن الحائط وفرك
مؤخرة رأسه. "لقد تأخرت قليلاً على القدوم للطبيب، لذا فكرت أن هذا هو المكان
الذي ستكونين فيه." نظر نحو باب القاعة خلفي. "وعندما وصلت
رأيتكِ...ترقصين."
لم أتوقع أنه أراد
للقدوم للطبيب معي. لذلك غدوت صامتة وأنا أنظر له يفرك عنقه مجدداُ قبل أن يبتسم.
"كنت أعرف أنكِ ستعودين للرقص بسهولة."
"ليس بالضبط. أنا
لم أستخدم ذراعي كثيراً في الرقص ومعظم هذه الحركات سهلة ولا تضع الحمل عليه. لا
زال أمامي شوط طويل لأرقص كما كنت مجدداً. بنفس القوة."
هو لم يسأل كيف سأرقص في
عرض نهاية الأسبوع إذاً. لم يشبع فضوله كما فعل آجاكس وجرايس والكثيرون وهم
يسألوني مراراً بما أنوي تقديمه. اكتفى بإعطائي نفس الإبتسامة وهو يقول:
"أنا لم أرى
إختلافاً واحداً وأنتِ ترقصين الآن. لا تقلقي."
اليوم التالي كان الجميع
يتحدث عني.
اتضح أنه بحلول الإفطار
قد شاهد الجميع الرقصة لأن الفتى المصور عرض الفيديو على شاشة العرض في القاعة الرئيسية. جلست أشاهد نفسي على الشاشة الكبيرة
وشعرت بأول ابتسامة حقيقية ترتسم على شفتاي أخيراً.
أليكساندر كان محقاً. فأنا لم أبدو وكأنني
عانيت من ذراع مكسور لمدة. لقد كنت لا زلت أنا.
حتى ولو لم أكن في كامل عافيتي بعد...فأنا
أستطيع التظاهر بذلك. وهذا ما يعيدني على ساحة اللعب. التفت لطاولة الهرم لتتقابل
عيناي مع آرتميس أولاً التي أعطتني نظرة مليئة بالكراهية قبل أن تنظر بعيداً. لكن
عيناي وجدت آجاكس والسر بيننا جعله يشاركني بابتسامة مماثلة وهو يومئ في انبهار.
عرض أسبوع الرياضة سيكون مختلفاً مما لا شك
فيه.
♪♪♪
"أبولو! أبولو! أبولو!"
تحركت بين الحشد الكثيف
خلف جرايس الذي كانت تقودني لمقاعدنا بينما الكل يشجع لفريق كرة السلة الذي خرج
للتو. كان اليوم هو يوم الرياضة، وكل الصفوف ألغيت لليوم حتى يستعد الكل للمشاركة.
لم تشارك جرايس بأي رياضة لأنها تكره الرياضات ولذلك أقنعتني أن نحضر ونشاهد فقط.
جلسنا أخيراً وناولتها عصيرها بينما ناولتني فشاري لنشاهد اللعبة. كانت هناك شاشة
كبيرة لنتابع المباريات بشكل أوضح تم وضعها مساء البارحة في جانب المدرجات التي
وضعت منذ يومين. وبالطبع مصورو الأكاديمية من كانوا سيصورون الحدث كله، لذلك لمحت
أغلبيتهم متجمعين حول آركيت الذي كانت يمسك كاميرته وهو يعطيهم تعليمات. هذا جعلني
أبتسم قليلاً، لقد كان يبدو واثقاً من نفسه وهم يستمعون له في تركيز.
كانت أول مباراة لفريق
كرة السلة للبنات. قادت مارفن فريقاً وكانت تبدو في تركيز عميق وهي تتحرك حول
الملعب المجهّز خصيصاً لكرة السلة. كان ملعباً متنقلاً، وضعوه بساحة الركض الخاصة
بلاعبي كرة السلة الناعمة فوق الملعب الأخضر حتى يتمكنوا من إبعاده بعد إنتهاء
مباريات السلة لتلعب باقي المباريات على الساحة الخضراء الشاسعة. كان اليوم يعجّ
بالكثير من العاملين ومجهزين اللعب حتى يكون كل شئ مثالياً.
في وقت ما في منتصف
المباراة توقفت مارفن وانحنت تمسك معدتها، وعندما اقتربت لاعبة على فريقها لتطمئن
عليها لوحت بيدها واستقامت لتستكمل اللعب، لكن وجهها كان شاحباً بشدة وهذا ما
جعلني ألحظ كم فقدت من الوزن الآونة الأخيرة. لقد كانت تبدو هزيلة جداً وهي تركض
بين لاعبات بأجساد صحية.
كانت تبدو أنها تعافر
للصمود ولكنها لم تتوقف ولا مرة.
“إنها تبدو مريضة، لماذا تلعب؟" همست
جرايس.
لم أقل شيئاً وأنا أشاهد
مارفن تفعل أقصى ما لديها طوال اللعبة، حتى فاز فريقها كما هو متوقع. شاهدتها تعرج
نحو المبنى الخلفي الذي خرجوا منه لألمح آركيت يقف خارجه. من مكاني كانا بعيدان
جداً لأرى شيئاً سوى لون شعرهما المتناقض. فقط رأيت مارفن تتوقف أمامه ويربت آركيت
على رأسها وهو يقول شيئاً، يخفض رأسه قليلاً لينظر لها في عيناها. وما قاله جعلها
تومئ قبل أن ترخي رأسها على كتفه. تجمد آركيت ويده لا تزال على شعرها قبل أن يرفع
يده الخالية ويمسكها من خصرها ويقربها المسافة الباقية بينهما ويحتضنها.
فصلت عيناي عنهما عندما
شعرت بأنني أتطفل.
ثم حان وقت فريق
الرماية. تم تجهيز الأدوات والأهداف أثناء الإستراحة قبل أن يتم إعلان بدء اللعبة.
شاهدت آرتميس تخطو على الملعب الأخضر مرتديةً تنورة تنس بيضاء كانت تطاير مع
الهواء وتشيرت أسود ضيق يظهر انحناءات جسدها، قبل أن تتخذ مكاناً وتلتقط القوس
الموضوع على الطاولة. عندما تم تركيز الكاميرا عليها ونظرت للشاشة لاحظت اسم
آرتيميسا محفور عليه. لقد كانت ستلعب بقوسها الخاص. كان المصور يعطيها اهتماماً
إضافياً، يرينا تركيزها الشديد وهي عاقدة حاجبيها بينما تنظر للقوس قليلاً قبل أن
تختار أحد الأسهم. داعب الهواء البارد غرّتها وذيل حصانها، وهي تملأ السهم في
القوس قبل أن تسحب بقوة حتى لامس نهايته ذقنها وابتعدت الكاميرا عنها لترينا
مشهداً أوسع لكل اللاعبين الستة.
استعد باقوا اللاعبون
وتم إعلان صفارة التجهّز ليجهز كل منهم سهمه ويصوّب نحو الهدف. ثم صفارة البدء
رنّت. وأطلق الكل سهمه.
تركيزي كان مع آرتميس،
وعندما لاحظت أن سهمها لم يضرب المنتصف عقدت حاجباي عندما صرخ مكبر الصوت
بالإستعداد للجولة الثانية، وسحبت سهماً آخر، جهّزته، ثم صوبت، وأطلقته مع
الصافرة.
لكن مجدداً لم يصب الهدف
مباشرةّ. هو لم يكن سيئاً كباقي اللاعبين فمعظمهم ضرب حافة الهدف وهي كانت أقربهم
للمنتصف، ولكنه لم يكن مركز الهدف.
في المرة الثالثة نظرت
للشاشة عندما تحركت الكاميرا على كل لاعب من قرب ووجدتها تنظر أمامها بنظرة بائسة
قبل أن تلمح الكاميرا مقتربة و تمسح جبينها بذراعها بسرعة قبل أن تخفي أي ملامح
وتعيد الكرّة. هذه المرة أصاب السهم أقرب للمنتصف عن قبل وهتف الجمهور في حماس،
وعندما عادت لها الكاميرا، لم تكن تحمل ابتسامة على شفتيها. ولأنني ممثلة مثلها
قرأت تعبيرها الذي كانت تخفيه بتركيزها. لقد كانت متوترة.
في المرة الرابعة أصابته
أبعد.
لم أشعر بنفسي وأنا
أقترب من السور لأحصل على رؤية أفضل. كانت هذه فرصتها الأخيرة، وربما كان سبب
اهتمامي الشديد بلعبة كهذه رغم أنني لا أحبها هو أنني لم أرى آرتميس تخسر في شئ.
هي لم تكن بارعة في اللعبة، وهذا لا يعيبها في شئ لأنها بالتأكيد لم تتفرغ لتعلمها
بقدر مواهبها الفنية، ولكن إصرارها للمشاركة والفوز كان غريباً. وكأنها تحاول
إثبات نفسها.
مسحت جبينها في ذراعها
بينما تشد السهم للخلف مرتين، وعندما صرخ المكبر بأن يستعدوا كررتها مجدداً قبل أن
تركز وتنظر للهدف أمامها، غرتها الآن ملتصقة بجبينها من العرق رغم أنها لم تعدو
وأن الهواء بارد كأيام يناير الباردة. ارتعش ذراعها قليلاً وبدأت أسمع الهتاف
باسمها آتٍ من المقاعد التحتية لتتغير الشاشة لأليكساندر الذي وقف جوار مارفن
يصرخان في تشجيع لها، ليبدأ الآخرون بالإنضمام حتى بات الطلبة كلهم يشجعونها في
هتافات صاخبة.
الصفارة
الأخيرة...وأطلقت السهم.
ليضرب المنتصف تماماً.
ابتسامة واسعة ارتسمت
على شفتيها وهي تلتفت للمدرجات وسط صراخ الجمهور، لتعود الكاميرا لأليكساندر الذي
قفز من فوق السور وركض باتجاها. لمحت آرتميس تشاهده وتضحك قبل أن يصل لها
أليكساندر ويحملها أمام الجميع قبل أن يدور بها وهو يصرخ في حماس.
"هذه هي
فتاتي!"
"توقف!" ضحكت
آرتميس بقوة وهي تضرب كتفه. "أنزلني أنت تحرجني."
"ليس قبل أن تتلقي
جائزتك! هيا بنا!"
وسط ضحكاتها العالية ركض
أليكساندر بها نحو زاوية الملعب حيث مكان استلام الجوائز، وابتسم الموزّع
لأليكساندر قبل أن يرفع الميدالية حول عنق آرتميس. فور ارتدائها أخفضها أليكساندر
ورماها في أحضانه معتصراً ذيل حصانها بين أصابعه في عناق طويل، ابتسامة بسيطة على
محياه قبل أن يميل ويهمس شيئاً في أذنها لتومئ في صدره قبل أن يبتعدا.
"لا أفهم لما لا يعترفا
فحسب أنهما يتواعدان." قال شخص من خلفنا لتلتفت نحوه جرايس في حدة وكأن
الجملة أخذتها على غفلة قبل أن تعيد النظر للأمام مجدداً.
أعلنوا بعدها استراحة
أخرى للإستعداد لمباراة كرة القدم لأتراجع أخيراً في مقعدي حتى لمس ظهري ظهر
المقعد. كان مشهدهم سوياً لطيفاً، علي الإعتراف...ولكن لماذا كانت مباراة عادية لا
تمت بصلة لمواهب الأكاديمية بشئ مهمة لهذه الدرجة لآرتميس؟
-------
"رويال! رويال!
رويال!"
التفت نحو الملاعب لأرى
أليكساندر يقود فريقه بابتسامة واسعة وهو يلوح ذراعيه على المقاعد. كان يرتدي
تشيرت أبيض عليه اسمه بالأسود ورقمه في خلفيته وشورت أبيض مع جوارب طويلة. آجاكس
خرج بفريقه ومعه آركيت، يرتديان مع فريقهما تشيرت أسود وأسمائهم مكتوبة على ظهرهم.
فرك آركيت شعره وهو يقف خلف آجاكس، يتناظر بينهما بنظرة مترددة قبل أن يجلب عيناه
للمدرجات، وعندما وقع بصره على شخص ما في المقاعد الأولى ابتسم. تخميني أنها
مارفن.
بدأت المباراة وفوراً
التقط أليسكاندر الكرة، ملامحه تسقط وتصبح حادة ومركزة وهو يندفع على الملعب مع
فريقه، لكن آجاكس كان سريعاً أيضاً، فقد لحق به بسرعة شديدة والتقط الكرة ومررها
لآركيت. استكملت اللعبة على هذا النمط حتى فوجئت فجأة بأليكساندر يسقط.
توقفت جرايس عن الأكل من
جواري ومالت للأمام تنظر من فوق السور، عيناها معقودان. "لقد دفعه."
"ماذا؟"
"بلاك. لقد رأيته
يدفع رويال بكتفه."
كان دوري لأعقد حاجباي
وأنا أتابع أليكساندر الذي أظلم وجهه وهو يمسك خصره، قبل أن يقترب آجاكس منه ويمد
يده للمساعدة. لكن أليكساندر تجاهلها وكأنه لم يرها ونهض بنفسه، يجفل قليلاً وهو
يتمايل. ولكن قبل أن يمر من جوار آجاكس...دفعه من كتفه.
"ماذا يجري؟"
سألت وأنا أميل مع جرايس لأرى جيداً. الشاشة لم تكن مقربة منهم لذلك لم يكن واضحاً
ما يحصل ولا رؤية ملامحهما جيداً. هل تشاجرا قبل المباراة؟
"لا أدري."
همهمت جرايس.
عندما ركزت معهما فقط
بدلاً من المباراة نفسها بدأت ألاحظ منافستهما التي كانت على مستوى شخصي، فقد كان
يحاول كل منهما منع الآخر من الحصول على الكرة بشتى الطرق. كانا يحاولا سرقة الكرة
من بعضهما البعض في حركة معينة بينهما عندما تراجع كوع آجاكس عن طريق الخطأ وغطس
في جنب أليسكاندر.
لم تكن الحركة حادة،
ولكن رغم ذلك تعرقل أليكساندر متأوهاً وهو يمسك خصره، ليسرق آجاكس الكرة بسرعة
ويهرب بها. هذا جعلني أعقد حاجباي أكثر.
"هل رويال مصاب أم
ما شابه؟"
لم أكن الوحيدة التي
لاحظت، فقط سألت جرايس أيضاً وهي تشاهد أليكساندر معي يأخذ نفساً كبيراً قبل أن
يعود للركض.
لم أشعر بالراحة فجأة. "سأذهب
للمرحاض." هتفت لجرايس فوق الضوضاء لتنظر لي سريعاً بتشوش لكنني لم أعطيها
فرصة للتساؤل لأاترك معها أشيائي وأغادر متوجهةً للمرحاض.
لم أكن أريد الرحاض
فعلاً، فقط أردت استنشاق بعض الهواء، لذلك وقفت في الخارج أنظر للزرع الممتد على
مسافات كبيرة خلف المدرجات. كان مبنى أبوليس الوحيد الذي يمتلك باحة خلفية بهذا
الحجم ولذلك كانت مناسبة لاستقبال العروض الخارجية والألعاب كهذه.
إذاً أليكساندرمصاب
مجدداً. هذا يعني أن ذلك يحدث باستمرار. لكن لماذا؟ وما علاقة مبنى المعلمين به؟
هل...فونتانا من يؤذيه؟ هززت رأسي فوراً. كلا، لم يبد كذلك من حوارهما الأخير
وأليسكاندر يبرحه ضرباً.
هذه هي المشكلة!
أليكساندر قادر على الدفاع على نفسه بسهولة فماذا يحدث معه حقاً؟
كنت غارقة في أفكاري
عندما لمحت ظلاً يعبر بالقرب لأرفع رأسي بسرع. ضاق بصري على مالك الذي كان يتبع
يارا وهو ينظر حوله في حذر، قبل أن يذهبا في اتجاه البوابة وكأنهما خارجان من حدود
مبنى أبوليس. منعني فضولي من العودة ووقفت لحظة أفكر فيما أفعل. مالك منذ فترة
يتصرف بغرابة ويتوارى عن الأنظار، وبعد خطاب يارا أول الأسبوع كان علي معرفة إلام
كانا ذاهبان.
تبعتهما فوراً حتى
وجدتهما أمام البوابة مباشرة يقفان في صمت. اختبأت فوراً خلف زاوية المبنى وتسلل
إلى مسامعي صوتيهما:
"توقف عن مضايقتي، مالك. لقد زاد الأمر عن حده." وقفت يارا عاقدة ذراعيها تحت صدرها وتتجاهل النظر لمالك الذي وقف جوارها واضعاً يده في جيبيه وينظر أمامه للبوابة الشاهقة التي تفصل مبنى أبوليس عن مبنى المعلمين.
"لقد توقفت عن إحراجك أمام الجميع كما طلبتِ ولم أحاول مجدداً."
"هذا لا يكفي. يجب أن تستسلم عن محاولاتك للتودد إلي."
صمت مالك قليلاً حتى عاد يقول بهدوء وصوت منخفض. "يارا...أنا معجب بك بحق."
تصلب كتفا يارا ولكن صوتها كان حاداً ولم يتغير. "فقط لأن عائلتينا يريدان تزويجنا لا يعني أنني معجبة بك أيضاً."
مرر مالك أصابعه خلال شعره في إحباط. "يارا أنا أعرف أنكِ تكرهينني لأنكِ مجبرة على الزواج بي، ولكن لن يحدث شئ بينكِ وبين آجاكس. عليكِ التخلي عن الأمر."
على جملته الأخيرة سقط ذراعا يارا جوار جسدها وقبضت أصابعها. "اصمت."
"أنا لا أقول هذا بناءً على مشاعري تجاهك؛ بل لأنكِ سوف تؤذين نفسك. لأن هذه العلاقة لن تحدث وأنتِ أدرى بهذا."
التفتت يارا أخيراً له وكانت مشاعر كثيرة تزيّن وجهها..من الغضب للقلب المكسور للجدية. "أجل مالك أدري ذلك جيداً ولا أحلم بأن نكون سوياً وأعلم أيضاً أنه لا يبادلني الشعور ولكن كيف لي إيقاف قلبي عن اختياره؟ ان طلبت منكَ أن تكف عن حبي هل ستستطيع؟"عندما ظل يناظرها بوجه متألم أحاشت بصرها عنه وابتلعت. ولم أستطع لومها فكانت نظرته مليئة بالحب والألم سوياً وهو يسمعها تتحدث عن شخص غيره تحبه.
رتعشت أصابع يده جوار جسده ليضطر أن يضعها داخل جيبه مجدداً. لكنه لم يستطع إخفاء ارتعاشة صوته وهو يسأل: "ماذا...تحبين فيه ليس في؟"
أظن أنني لمحت عيناه تلمعا بدموع لم يذرفها. لقد آلمه ذلك السؤال ولكنه أراد معرفة الإجابة حتى لو قطعت قلبه لأشلاء. يارا لم تلحظ ذلك لكن لا بد وأن صوته كان كافياً للتعبير عن مشاعره. لأنها أسرعت ترفض الإجابة عليه. "يكفي ذلك."
"كلا. أريد أن أعرف. لا تفكري في مشاعري الآن."
"أحبه لأنه جاد. لأنه صامت ولكنه يلاحظ ما يجري حوله. وصمته ذاك يقول الكثير. لأنه شغوف بالرسم والكتابة ويحكي قصصاً عن طريقهما. انه يساعد العديد من الطلاب في السر عن طريق اعطائهم نصائح وارشادات ويظن ان لا احد يعرف. لأنه لا يهتم بمركزه ولا اسم عائلته كباقي الهرم ولا يتعالى على أحد. هو لا يهتم بما يجري في الأكاديمية كما نفعل نحن.."
"مصيره لا يختلف عني، يارا." قاطعها مذكراً بحزن. هز رأسه وابتسم بأسى للسماء. "إذاً أنتِ تحبينه لأنه عكسي تماماً."
عندما لم تقل شيئاً أغمض مالك عيناه. "ماذا ستفعلين عندما يجبرونا على الخطوبة بعد التخرج؟"
"الكثير قد يحدث قبل أن نتخرّج. " كانت إجابتها الغامضة والحاسمة والتي جعلت ينظر لها دون أن تراه بتمعن وجدية جديدة. فقد ردد في شرود:
"أنتِ محقة. الكثير قد
يحدث قبل التخرج، يارا."
-----
عندما أطلت الوقوف قررت
أن أنسحب بهدوء والعودة للمدرجات حتى لا تتسائل جرايس عن غيابي الطويل. فور أن
وصلت رفعت كوب عصيري بابتسامة وهي تلوح بعودتي. أخذته منها في صمت وجلست وهي تصيح
فوق الضوضاء العالية:
"هيا، لقد بدأ الشوط الثاني بالفعل! وستورم يلعب فيه!"
"أوه حقاً؟"
نظرت نحو الملاعب لألتقط اسمه الذي يرتديه على ظهره وهو يركض على فريق أليكساندر،
يلتقط الكرة من الخصم أمامه ويمررها لطالب آخر. "واو، إنه سريع."
"أليس كذلك؟ لقد
كنت أفكر بنفس الشئ!" صرخت لأنظر لها وأرى ملامحها المتحمسة. لم أراها بهذا
الشكل من قبل، مطلقة العنان لتحظى ببعض المرح قليلاً. في الحقيقة معظم الطلبة
كانوا مستمتعين بشدة وسعداء عكس حركتهم الروبوتية حول الممرات ومن الصف للصف التي
أراها كل يوم. لهذا كان الجميع متحمساً، لأن هذا اليوم لا صلة له بالأكاديمية وما
يدور حولها، يوم يستطيع فيه أن يتصرف الجميع على طبيعتهم.
مما جعلني أتسائل، كيف
كانت لتكون شخصياتهم لولا الأكاديمية؟
"شجار!"
صراخ حاد جعلني أدير
رأسي سريعاً نحو الملاعب. وقع فيها بصري على ما يحدث على حافة الملعب، وكانت تلك
اللحظة التي رأيت أليكساندر يدفع آجاكس من صدره عدة مرات في انفعال وهو يبعده عنه،
لينفعل آجاكس من قوة الضرب على صدره ويدفعه بالمثل فيتراجع للخلف عدة خطوات. هنا
رأيت غضب أليكساندريشتعل وفي لحظة...وقبل أن يستوعب أي منا، سدد لكمة لوجه آجاكس. سقط فمي في صدمة وعدة
شهقات صدرت من حولي.
توقفت المبارا فوراً
عندما ركض اللاعبون باتجاهما، في مقدمتهم آركيت الذي اندفع بسرعة شديدة من مكانه
ليصل لأليسكاندر قبل أن يلكم آجاكس مجدداً ويمسكه. من جوار المدرجات لمحت مالك
يظهر أيضاً—لا شك سمع الصراخ—وهو يركض نحو أصدقائه.
آجاكس بصق الدماء من فمه على الزرع الأخضر قبل أن يبتسم لأليكساندر
المستشيط بينما مالك وآركيت يمسكونه بصعوبة. في تلك اللحظة رفع آجاكس عيناه
للمدرجات وشاهدته يبحث عن شخص ما. غطا عيناه من الشمس بكفه ودق قلبي في صدري في
انتظار قبل أن يجدني أخيراً.
أخفض يده وغمز.
هنا اليكساندر خلص نفسه من مالك وآركيت واندفع نحو آجاكس. كنت متجمدة
مكاني وأنا أشاهده يسدد لكمة
عنيفة أخرى ليسقط آجاكس ويتسلقه أليكساندر، الذي أخذ ينهال بالضربات على آجاكس.
غطيت فمي ونهضت من مكاني
كما فعل تقريباً نص الطلبة. شاهدت مالك يسرع مع آركيت بالتدخل قبل أن يتكون حشد
حول الإثنان يحاولون فصلهما عن بعضهما. لكن أليكساندر أبى أن يترك آجاكس أو يرحمه،
وكل لكمة كان ينهال بها كنت أشعر بوقعها من مكاني.
منذ متى وأليكساندر بهذا
العنف؟
"ياإلهي سوف يقتله!
فليوقفه أحد!" صرخت جرايس من جواري وهي تنهض خلفي وتقترب من حافة السور،
تتابع ما يحدث معي.
شاهدنا لكمة أخيرة سددها
أليكساندر لوجه آجاكس الذي لم أعد أراه من كثرة الدم الذي يغطيه وارتعشت يدي حول
هاتفي، قبل أن يسحبه مالك بقوة ويبعده أخيراً عن أجاكس. الذي لم يكن يتحرك.
"قد يعاقب رويال بشكل شنيع بسبب
هذا."
آجاكس رقد ساكناً لدرجة
مخيفة ورغم بعد المسافة بيننا وبين الملعب الدماء كانت تخفي ملامح وجهه حتى رقبته
في منظر وحشي كدت أبكي لرؤيته. كم أكره الدماء. كم أكره رؤيتها.
التفت لجرايس سريعاً. "ماذا
تعنين؟"
هي جفلت واستغلت الفوضى حولي لتجيبني فلم
يكن يسمعنا أحد. "أليكساندر أهم شخص في الأكاديمية، وهو صورتها. هو من يمثل
الأكاديمية. لا تظني كونه الملك يعطيه الحرية، بل عليه الإلتزام أكثر من غيره، ديانا. وتصرف همجي
كهذا ممنوع تماماً في أبولو. أنسيتي إزيون؟"
لكن على عكس إزيون، أليكساندر لن يتم طرده.
لكن سيتم معاقبته. خصوصاً أنه قام بذلك أمام الأكاديمية بأكملها. لهذا كانت تترجاه
آرتميس بشدة عن ترك فونتانا المرة الأخيرة. هو قد عوقب من قبل بسبب الشجار.
آرتميس. لقد كانت تبكي في الزاوية من الصف
الأول من الملعب ومارفن تواسيها. وفورسحب أليكساندر بعيداً تركت مارفن وبدأت تعدو
نحو المدرجات الخلفية خلف مالك وأليكساندر اللذان اختفيا هناك.
"علي الذهاب."
حاولت جرايس إيقافي. "ديانا! لا
تتهوري!"
لكنني كنت بالفعل أهرع خلف ثلاثتهم، أنزل
السلالم حتى أصبحت على الملعب الأخضر وتوجهت نحو المدرجات الخلفية حيث يتجهز
اللاعبين. وصلت المكان واندفعت للداخل في اللحظة التي سمعت صوت ارتطام قوي قبل
صرخة آرتميس، لأرها تتراجع بعيداً عن أليكساندر الذي قد لكم قبضته في خزانة
الملابس.
"لا تفعل ذلك يا رجل، أنت
تخيفها." حذره مالك وهو يعطي آرتميس نظرة ليّنة، يشير لها أن تبقي على بعد
مسافة آمنة منه.
كان يتنفس أليسكاندر بسرعة شديدة، لكن هدأت
ملامحه على جملة مالك لينظر لآرتيمسيا التي كانت ترتعش ليلعن تحت أنفاسه ويحاول
تهدأة نفسه. "حبيبتي...أنا آسف. أنا على ما—"
حتى وقع بصره عليّ. وانفجر كل غضبه.
قفز من جلسته فوراً بوجه أحمر ودوى صوته في
المكان بأكمله:
"اخرجي!"
جفلت في صدمة وانزلقت قدمي لأسقط على البنش
القريب وأنا أحدق به في صدمة. لكنه لم يعطني فرصة ليندفع نحوي ويركل حقيبة لاعب
بالقرب مني لأنتفض. "لقد تعبت من
رؤيتك تتسللين في كل مكان! هل انتهيت من التجسس؟ ألم تكتفي بكونكِ سبب بؤسي! جميع
مشاكلي تكون بسببك دوماً! أتمنى لو لم تكوني موجودة أبداً!"
عندما وصل أمامي مباشرة ووجهه الثائر على
بعد إنشات من وجهي تفاعلت دون تفكير عندما لكمته بسرعة كردة فعل على هجومه.
التف وجهه لليسار وشاهدت عيناه تضيق قبل أن
يعيد وجهه لي ببطء ولكن ضربات قلبي المتدافعة والصدمة منعتني من الحراك، لينقض
عليّ فوراً.
انغلقت أصابعه حولي ذراعاي الاثنان وجفلت
من الألم في ذراعي الأيمن عندما اعتصرني، عيناي واسعة وأنا أشاهده يفقد تحكمه في
نفسه.
"ليكس!" صرخت آرتميس.
لكنه لم يبد أي ردة فعل بسماعها واشتدت
أصابعه أكثر وعيناه حمراء وكأنه تحت تأثير شئ ما. "إن تقّدرين حياتك فلتغربي عن هنا. ارحلي ولا
تعودي أبداً. لا أهتم لما حدث والدك، فهو كان يعرف العواقب. وها أنتِ سبب تعاستي. لقد فُرضتِ علي وأنا أدفع ثمن أفعالكِ مراراً و—"
"أليكساندر!" صرخة آرتميس هذه
المرة كانت مدوية لدرجة أن طبلة أذني قد رنت، وتجمد أليكساندر من فوقي.
لم أشعر بآركيت يدخل المكان إلا عندما ركض
سريعاً ودفع أليكساندر بقوة من علي. انفصلت يداه عني وتعرقل أليكساندر للخلف بأعين
واسعة وكأنه يستوعب للتو ما حدث ولكن يبدو أن المسافة بيننا لم تكن كافية لأن
آركيت ضرب صدره مجدداً ليتراجع جسده للخلف أكثر.
"ماذا حل بك يا رجل؟ هل جننت!؟"
رفعت بصري من عليه ووجدت آرتميس تقف مالك
الذي كان متجمداً مكانه وكأنها أول مرة يرى أليكساندر بهذه الحالة. كانت تفرك
ذراعها كثيراً وتحكّه وكأن جلدها يأكلها، وعندما كان على أن تتقابل عينانا أخفضت
بصرها وأمالت رأسها على كتفها وحكّت جلد ذراعها أكثر.
أدار آركيت رأسه قليلاً وعيناه توسعت عليّ
قبل أن يلعن لأول مرة أمامي وهو يلتفت لأليكساندر. "ماذا فعلت؟ ماذا فعلت بحق
اللعنة؟! أتعرف ماذا سيحصل؟!"
لم أسمع آركيت يصرخ في حياتي، ولكن أظن أن
اليوم كان مليئاً بالمفاجئات من كل ناحية. تراجعت خطوة للوراء دون أن أنظر
لأليكساندر الذي كان يقف آركيت بيننا ليحميني منه، الذي كانت أنفاسه الشرسة أعلى
صوت في هذه الغرفة.
"ديا—"
عندما سمعت صوته يلفظ اسمي استدرت وركضت
بأسرع ما لدي خارج المكان ولم أنظر خلفي مرة واحدة وأنا أجري على الملعب الكبير حتى
وصلت لمبنى أبوليس.
اللعنة عليه. اللعنة عليه وعلى كل ما يخصه!
وقفت ألتقط أنفاسي خلف المبنى ولكن أنفاسي
كانت أشبه بكوني على وشك الدخول في نوبة هلع لتسقطني ركبتاي للأرض وأنا أتجرّع الهواء
بجشع. استمر الأمر لدقائق قد طالت...حتى بدأت أهدأ.
"هل
أنتِ...بخير؟"
آخر شخص توقعت أن
يتبعني كانت مارفن. حدقت بالطلاء على زاوية مبنى أبوليس دون أن ألتفت. ارتعشت
أصابعي قليلاً. "ماذا سمعتي؟"
صمتت قليلاً.
"ما يكفي ليجعلني أتبعك."
"أتظنين أن
آجاكس قال شيئاً عني له؟" كان صوتي خافتاً. كنتُ متعبة. كنت متعبة جداً من
الدراما. من عدم فهم ما يحصل حولي رغم كونه يتضمني.
صمتها كان كافياً.
أخفضت رأسي لأمنع
دموعي من السقوط. وسقط شعري الذي طال حولي. لا أعلم لما كدت أبكي. ربما لأنه ولو
للحظة خفت من أليكساندر. ربما لأنه ولو للحظة شعرت أنني عاجزة أمامه كما فعل بي
الخاطفون. ربما بسبب ما قال وبسبب أنني لم أفهم نصفه. أم ربما بسبب أنه يعرف سبب
قتل أبي.
"بمن كنتِ
لتثقي لو كنتِ مكاني؟" سألتها وأنا أنهض من على الأرض لكنني لم أستدر
لمقابلتها.
مجدداً ذلك الصمت.
"عودي يا
مارفن واطمئني على أصدقائك. أظن أن آرتميس تحتاجك."
بهذا تركتها تقف
خلفي وسرت نحو مدخل المبنى، في اتجاه المشفى. وكما توقعت اندلع الصوت المألوف
لأكانثا في مكبرات الصوت:
"تنبيه لطلاب أبولو، لقد انتهى يوم الرياضة. أكرر، فليعد الكل لغرفته
فقد انتهى يوم الرياضة." لحظة صمت. "أليكساندر رويال، إنني أنتظرك في مكتبي."
لحظة صمت أخرى
أطول، لكن الميكروفون لم ينطفئ لأتوقف في الردهة، قبل أن يعود صوتها:
"والأسبوع القادم سيغادر الطلاب الفائزون برحلة منشأة رويال إلى لندن
لأسبوع."
♪♪♪
شكرا تسبيح يسلم ايديك على الحلاوة 🩷🫶🏻
ردحذفاه الحمااااسسسس
ردحذفيا رب .... جيب العواقب سليمة 🙂
ردحذفالقفلة يبنتيييي😭😭
ردحذففصل مشتعل و موتر للغاية شكرا على الفصل و اتمنى ان لا تتاخري
ردحذفعندي تحليل وهو هل اليكس يساعد الاكاديميه ضد ديانا ويهددوه ف اخوه بس بعدين بيحبها؟ اكانثا في شابتر كانت تكلم مع واحد مجهول وانه تبغا تضمها معاهم معقول كانت تكلم اليكس؟
ردحذفارت ساكته عن ديانا واليكس لانه تعرف بموضوع معين والاكاديميه قالتلها تسكت؟
اجاكس يحاول يتقرب من ديانا عشان يستفز اليكس
زي م كان اليكس يسوي في زيلدا؟
شكرا كتير احلا روايه قرأتها بحياتي ❤️
ردحذفتعبت من ديانا كل شوية تاخد علي قفاها و تسكت و يبقي منظرها💩💩 مش بتاخد اي خطوة قدام خالص
ردحذفارتميس هتساعد ديانا ممكن يكون الكساندر كان يعرف ديانا زمان عشان كدا بيساعدها ووالدها بيعرف كل حاجه في الأكاديمية
ردحذف