27
"أسرار
وخيوط"
*في وقت سابق من الأسبوع*
رأيته من السطح يعود من بوابة المعلمين وهو يعرج ويجفل في ألم. نهضت وتركت السطح ظانة أني سأجده في طريقه إلى غرفته مثل المرة السابقة ولم عندما لم يظهر لنصف ساعة كاملة أدركت إلى أين ذهب.
اتخذتني قدماي نحو مكاننا المعتاد وقبل أن أستدير حول العمود كنت لمحت شعره الأشقر. لقد كان يجلس على السلم حاضناً ركبتيه ورأسه بينهما. تصنمت مكاني عندما رأيت خدش طويل على كف يده التي كانت ترتعش. خدش أظافر.
فجأة انتفض في مكانه عندما صرخ بغضب لاكماً قبضته في الحائط الأقرب إليه. جفلت من قوة اللكمة والغضب الذي كان يعتري ملامحه التي اعتدت على كونها مشاكسة ومغازلة.
شاهدته يتنفس بقوة وسرعة وكأنه كان يعدو لبعض الوقت دون سحب يده من الحائط، بل فكّ قبضته بعد عدة لحظات وتركها مسطّحة وطرق رأسه في استسلام حتى سقط شعره يغطي عينيه عني. لم أفهم لما ظللت أقف مكاني أشاهده ولم أغادر، خصوصاً أنني قد حصلت على ما أردت معرفته. ألا وهو إلى أين كان ينوي التسلل بعد عودته إلى مبنى المهاجع. لكنه أتى إلى المكان الوحيد الذي يشعره بالأمان ولو قليلاً,، والذي لا يعلم عنه أحد.
سواي.
"هل أنت بخير؟" أعلنت أخيراً عن وجودي عندما سألته وأنا أخطو نحوه بضعة خطوات. ارتفعت رأس أليكساندر سريعاً في اتجاهي وتوسعت عيناه التي كانت حمراء.
"ديانا؟"
بسطت شفتاي وتقدمت نحو الضوء الخفيف أكثر ثم دسست يداي في جيوب سترتي. صوته كان أجشاً وعميقاً عن الطبيعي، ولسبب ما هذا جعل بعض الغضب يتسلل إلى أطرافي. "أنت لم تجبني."
بدا أليكساندر وكأنه استوعب للتو ما سألته وأنني أقف أمامه فعلاً ليخفض رأسه بسرعة ويسحب يده عن الحائط. مسح كفاً على وجهه ثم بعثر شعره حتى أصبح أكثر فوضاوية ولم يغب عني سبب قيامه بذلك. إخفاء عيناه عني. ابتسم قليلاً. "هذا غريب."
أملت رأسي في استفهام ليفسّر. "لقد سألتيني عن حالي قبل السؤال عن الشخص الذي فعل بي هذا."
"ربما أستطيع أن أكون مراعية أحياناً."
على هذا هو ضحك قليلاً وارتخى كتفاي المتصلبان على الصوت. "كم لأدفع من ذهب لأرى من كنتِ قبل أن وصلت أياديهم لك."
ابتلعت الغصة المفاجئة التي استقرّت في حلقي. لقد كان يتفادى سؤالي بشتى الطرق. "لم أختلف كثيراً عن الآن فأبقِ على ثروتك العزيزة."
ظل شبح ابتسامة يزين ملامحه وهو يطالعني. "لما لا أصدقك؟"
هززت كتفاي في عدم مبالاة وبدأت أتقدم نحو الدرج حيث يجلس، وهو أفسح بعض المساحة لي حتى جلست جواره. من طرف عيناي شاهدت أليكس يواجه الأمام ويُسقط ابتسامته. مرّت لحظات بيننا في صمت يزينه النغمات الهادئة المنبعثة من المكبر القريب حتى جلب ساقيه لجسده وضم ركبتيه إلى صدره وأصبح يتملكّنا سكون مريح.
"أنا تعب."
اخترقت همسته سكون المكان ولم أكن لأسمعها لولا قربي له. ذهبت رأسي نحوه وشاهدته
يرخي ذقنه فوق ركبتيه مغمضاً عينيه دون أي تفسير إضافي، لأدرك أنه قد أجاب
سؤالي أخيراً. فكرت في أن ألكساندر قد وُلد لهذه الحياة على عكسي. فقد أبعدني
والدي بشتى الطرق عن هذا المكان أما أعضاء الهرم فقد ترعروا في الأكاديمية وهذا
الجحيم كل ما يعرفونه. لقد عاشوا في هذا أكثر مني.
طيلة حياتهم.
عائلتهم وافقوا على هذه الحياة لهم تحت وهم المثالية والنجاح بعد التخرج. منذ متى ويتعرض أليكساندر إلى التعنيف هنا؟ وهل يعرف عائلته بشأن الأمر ولا يقومون بشئ؟ أم...هم من وراء ذلك بطريقة ما؟ هل عائلات الهرم مثل عائلة مارفن؟ هل يعرفون بشأن ما يحصل لأبنائهم دون القيام بشئ؟ كيف لأم وأب أن يقبلوا هذا الجحيم لأولادهم؟
هل الطلبة هنا متواجدون رغماً عنهم؟
"توقفي رجاءً." جفلت على صوت
أليكساندر الذي أخرجني من منعطف أفكاري المفاجئ لأجده يشاهدني من خلال عينان غاضبة.
ونظرته تلك أشعرتني بعدم الارتياح لدرجة أنني أشحت نظري.
"توقفي عن أخذ كل ما أقوله كخيط يصل بكِ
لحيث تريدين. لقد سئمت من الحديث وعدم استماع أحد. أجل الكل هنا ينصت لكن لا أحد
يستمع فعلاً ولقد سئمت منكم. كلما حاولت فصلكِ عنهم تثبتين كم أنكِ تسعين للنيل
مني مثلهم تماماً فكيف تختلفين عنهم إذاً؟ ماذا فعلتُ لكِ ديانا حتى تكرهيني لتلك
الدرجة. لستُ أنا من قتل والدك!"
"لكنك تعرف من فعل!"
"ربما؟ لا أعلم! ألم تتوقفي لتسألي نفسك
لماذا إذاً لم أخبرك؟ لأنني لا أستطيع! الشئ الوحيد الذي تعلمته من هذا المكان
الملعون هو كيفية إبقاء فمي مغلقاً عند الداعي! نحن لسنا سيئين كما تظنين, نحن فقط
نحمي أنفسنا من الهلاك التي تزحفين إليه بكل سرعة!"
"الهلاك أفضل من الإختباء والرعب الذي
تعيشون فيه!"
"كيف لكِ قول هذا؟" هبطت ملامحه
فوراً واشتعل الحزن في عينيه. "أنتِ لم تري الهلاك الذي عشناه حتى تحكمي،
ديانا. أنتِ لم تقضي سنوات من عمرك تكافحين للهرب من الأكاديمية والعقاب الذي
تتلقيه في كل مرة تحاولين. هذا—" ضرب قبضته في صدره وأشار للكمة وجهه وجروح
يده. "—جزء بسيط منه. لكن ولا مرة—ولا مرة كنتُ وشيكاً. ولقد تعبتُ من
المحاولة لأنني أدركت أخيراً أنهم على حق. لست أنت من تختار الأكاديمية بل هي من
تختارك، ولهذا بالتحديد هم في كل مكان. في كل مكان لعين ولا مجال للهرب
منهم!"
"إذاً ماذا الآن؟"
"ماذا الآن؟" نظرته كانت كلها
سخرية. "أطيعيهم وحسب، آنسة بريف ولن تسوء الأوضاع. أعلم أن العديد يعتمد
عليكِ لتخليصهم من هذا السجن ولكن لا تضيّعي أنفاسك. لقد جربت كل شئ. أنا سأفعل أي
شئ لإخراج آرت من هنا—لكن ليس هنالك وسيلة."
حبست الكلمات التي كادت تفصح عن نفسها وأغلقت
فمي أخيراً. جملته عن آرتميس ونبرته المشتعلة أثارت فضولي بشكل كبير فلم أظن أن
أليكساندر يهتم بأحد أكثر من نفسه...وكونها آرتميس من بين كل الناس. أغلقت عيناي
أتمالك أفكاري المتسابقة وحاولت إسكات عقلي لوهلة قبل معاودة فتحهما مجدداً.
"ماذا تريد أن تفعل عندما تغادر الأكاديمية؟"
"ماذا؟" تملّك أليكساندر التفاجؤ من سؤالي وتغييري للموضوع بسرعة ولكنه
لم يعلّق على استخدامي لكلمة (عندما) وليس (إذا). هو يستخف بي وبقدراتي وحتى ولو
يستحيل الهرب من هذا المكان فلا أعبأ. لأنني عندما أنتهي لن يكون هناك أكاديمية من
الأصل.
"أنا عن نفسي كنت سأدير شركات والدي.
لقد كان يعدّني حتى أصبح المديرة التنفيذية في المستقبل. لقد كانت كل اهتماماتي هي
الأعمال التجارية والتسويق."
"كانت؟" سأل ولاحظت أنه بدا مهتماً
وبشدة، فتلك أول مرة أتحدث عن نفسي وأفصح عن معلومة تخصني.
"حتى ولو تركت الأكاديمية فلم يعد ذلك
المستقبل متاحاً بعد الآن. لقد سُلبت كل شركات آركان ولم يبقَ لأبي اسماً."
هززت كتفاي محاولة عدم اظهار مدى استيائي. أحياناً أحمد الرب على كون والدي غير
موجود ليرى ما آلت إليه شركاته. لقد كانت حبه الأول والأخير وانتقل هذا الحب لي.
إن كان على قيد الحياة ورأى ما حصل لشركاته وعائلته لكان ألماً كبيراً الذي عاش
فيه ولا أتمنى ذلك له أبداً.
نظرت لأليكساندر لأره غارقاً في التفكير بشئ
ما وهو يحدق بوجهي لي. رمش فوراً يفيق مما في باله ونظر بعيداً. "ا...لم أفكر
فيما هو أبعد من ذلك. أظن كل ما اهتممت به هو رؤية أخي."
"أخوك؟" تذكرت عندما تم ذكره مرة
ساعة الاختبار وكيف هددوا أليكساندر بعدم رؤيته. "هل أنت ممنوع من
رؤيته؟"
ابتسامة ساخرة اعترت شفتيه. "عقاب آخر." كان كل ما قاله دون أي تفسير.
ملامحه أخبرتني بألا أسأل لأنه لن يجيب، لذلك
لم أتعب نفسي وواجهت الأمام. رفعت ساقاي وضممتهما لجسدي وأرخيت ذقني فوقهما. مرت
علينا فترة من الصمت المريح قبل أن أقول في خفوت. "مارفن مريضة."
عندما لم يقل شيئاً نظرت له ليتنهد ويماثل
جلستي، واضعاً ذقنه فوق ركبتيه قبل أن يغلق عيناه في أسى. "أعلم."
"لما لا يساعدها أحدكم؟ إنها تقتل
نفسها."
"نحن نحاول. لكنها لا تستجيب. إن
والديها..." تنهد مجدداً. "لنقل أن موتها أهون عندهم من تلطيخ شرف العائلة."
"لكن... إنها تتدرب يومياً ساعات إضافية
وآخر من يرحل من قاعة الرقص. إنها بالكاد تنام، وتدفع جسدها للحافة وفوق كل هذا لا
تتغذى كفاية."
"أعلم بشأن التدريب اللإضافي. حاولت آرت
في البداية إيقافها ولكن عندما لم تنجح بدأت ترافقها ومساعدتها في بعض الأحيان.
وأحياناً تجلس بينما تتدرب حتى لا تكون وحدها فحسب."
لم أدع هذه المفاجأة تظهر على وجهي لكنني
بسطت شفتاي في سكوت. كان من الصعب علي تصديق أن آرتميس بتلك الطيبة.
تحرّك أليكساندر قليلاً من جواري، يعدّل
نفسه. عاد لمزاحه مجدداً في لحظة: "لكن منذ متى بدأتِ تهتمي لمارفن؟ أنتِ
تفاجئيني اليوم بمدى مراعاتك."
واجهت ما أمامي مجدداً لأتفادى تحديقه. ترددت
قليلاً قبل أن أجيبه في خفوت: "أنا لست بذلك الشر."
"أعلم."
همسته جعلتني أسترق نظرة سريعة له من طرف
عيناي لأجده يشاهدني بنظر هادئة وشاردة. ابتلعت ريقي وكنت على إستعداد لفصل بصرنا
عندما فجأة قال:
"لكننا كذلك."
------------
كانت ترقص على اغنية تعرفها ثم اشتغلت اغنية لا تعرفها وتوقفت قليلاً
وكأنها على وشك الجلوس، لكنها لم تفعل وأغمضت عينها تنصت للنغمات. حتى بدأت تحرّك
جسدها على الإيقاع. هذه المرة اختلفت طريقة رقصها وبعد مدة فتح أليكساندر عيناه
ليتسمر للمشهد الذي قابله.
كان حزيناً، يدمي حتى، وهي تتحرك على النغمات الحزينة وتمثّلها في
نعومة شديدة.
بعد مدة أرخى رأسه على الحائط وظل يتابعها في اهتمام تام، عيناه لا
تترك حركاتها لحظة واحدة. خارج الأكاديمية كل فنان لا يتأثر بفن غير فنه، أما
داخلها كل فنان يدرك عظمة كل فن آخر بل ويتأثر به أيضاً. وهذا تماماً ما كان يحدث
لأليكساندر. لقد كان يتسمّد منها الإلهام والمشاعر الفياضة في هذه اللحظة بينما
ضائعة في عالمها الخاص.
حتى انتهت الأغنية وتوقفت عن الحراك لتفتح عيناها، لكن أليكساندر أسرع
بإغلاق عيناه هو قبل أن تراه وتظاهر بأنه لا زال نائماً.
أنفاسها كانت سريعة وهي تلتقطها ثم عندما ببطئ عادت إلى العالم حولها
عيناها هبطت لأليكساندر لتراه لم يتحرك حتى. عندما عادت تجلس جواره ضمت جسدها
إليها وقاومت دموعها، أنفاسها لا تزال سريعة وحادة، تدل على المشاعر العديدة التي
تشعر بها في آنٍ واحد.
هذا اليوم عندما استيقظت كانت مستلقية على كتف أليكساندر النائم بينما
ذراعه ملتف حول جسدها، يقربها إليه.
عندما نهضت.. هي لم توقظه.
♪
"توقف عن الحراك
كثيراً!"
وصلت خارج المشفى لأنظر من خلال الباب المفتوح
حيث الطبيبة تتحرك حول آجاكس الذي كان يتأوه ويحاول
الإبتعاد عن لمساتها بينما تنظف جروح وجهه. بعدما كنت على وشك الدخول توقفت على
رؤية يارا جوار سريره. كانت لا تزال في الملابس التي كانت تحادث مالك فيها، تنظر
لوجه آجاكس بعينان متلألأتان ومع كل صوت تألم يصدره تقضم أظافرها في توتر.
"يمكنكِ الرحيل، يارا." قال آجاكس
بصوت متحجّر وهو يحاول إدارة وجهه لها عندما تركته الطبيبة لتحضر شيئاً. "أنا
بخير."
"لست تبدو بخير لي." همست يارا.
"مجرد جروح بسيطة. لا شئ خطير."
"هل أصبحت الطبيب فينا، بلاك؟" تدخّلت
الطبيبة وهي تعود بقطن جديد بللته بالكحول وعادت تلمس جروح وجهه ليهسهس. بسطت
شفتيها. "أخبرتك بألا تتحرك. أنت تصعب الأمر على كلينا."
"إنه يؤلم. ذلك اللعين، رويال، يستطيع
تسديد لكمة جيدة." تنهّد وظل ساكناً مطيعاً الطبيبة لتكمل عملها. "شكراً
على قدومك، يارا."
لم أستطع رؤية حالته جيداً من مكاني بسبب تغطية
الطبيبة له بجسدها وهي تجلس جواره. لكن صوته المتحجرج كان كافياً للتعبير عن سوء
حالته، لا سيما جفلة يارا كل مرة تنظر له. لم يغب عني أن جميع الهرم ركض خلف
أليكساندر ولم ينتظر أحد واحد منهم ليطمئن على آجاكس. هذا الموقف جعلني أدرك كم أن
الهرم مترابط... عدا آجاكس. بالطبع، هو دوماً يتجول وحده وصامت كلما كان وسطهم...
لكني لم أتوقع كم وحيداً كان...
"إنهم سيرسلونا بعيداً." همست يارا
فجأة، كاسرة الصمت. "أتظن أنه عقاب لك ولليكس؟"
تنهد آجاكس وأغلق عيناه. "بل هو توقيت
مناسب. فأنا في حاجة ماسة لإجازة."
ذهبت يدي لفمي وأنا أتراجع للوراء على الإكتشاف
الجديد. هما معنا في رحلة المنشأة؟ كيف؟
"أنا جادة." قضمت يارا شفتها.
"ماذا سيحدث لك هناك؟"
"لا
شئ. لقد زرت المنشأة من قبل، والشئ الوحيد الذي ينتظرنا هو الفخامة ودليل على أن
رويال ينحدر من أسرة عريقة الثراء... أقدم من أي عائلة هنا."
"لكن—"
"أخبريني عن قصتك
الجديدة،" قاطعها آجاكس فجأة، التي ترددت ملامحها:
"الآن؟ لماذا؟"
"أنتِ قلقة دون داع. وأعلم أنكِ لن تغادري
لذا لنتحدث عن شئ آخر. لقد أخبرتيني أنكِ تعملين على قصة جديدة." أنهى عبارته
بأنين كتمه بين أسنانه فوراً عندما مسحت الطبيبة مرهماً ملطفاً على كدماته.
"هذا لتهدئة الكدمات. وإلا قد يتورّم وجهك
بأكمله غداً." فسرت الطبيبة وهي تكمل عملها دون توقف.
"هذا صحيح،"
أكملت يارا المحادثة دون اهتمام لمقاطعة الطبيبة لهما. "لقد أخبرتك الأستاذة
ماكسين بفكرتها وأعجبتها."
عندما قابلها صمت آجاكس يحثها على الإستمرار
اتخذت أخيراً المقعد المجاور للسرير وبدأت تحكي تفاصيل القصة بأكملها، وتطورها.
مضت أكثر من نصف ساعة وأنا أقف مكاني ويارا تحادثه بينما هو ينصت بكل اهتمام،
وتمكنت من رؤيته أخيراً. سبب حب يارا له. لم أكن أدرك أنهما قريبان ولو قليلاً.
ولكن واضح أنهما يتشاركان الحديث من وقت لآخر، وحماس يارا على الحديث إليه كان صعب
تجاهله. لقد كان وجهها بأكمله مضيء وهي تتكلم، كلتا يداها يتحركا في الهواء مما
جلب ابتسامة شاردة على محيا آجاكس وهو ينظر للسقف—ليس لها بسبب أن الطبيبة منعته
من تحريك وجهه.
عندما بدأت عيناه تنغلقا من التعب أخيراً قامت
الطبيبة بطرد يارا وإخبارها أن عليها تركه ليتراح قليلاً، وأن الدواء الذي أخذه
سيجعله ينام لبعض الوقت. لذلك نهضت يارا وابتعدت عن الباب فوراً لأختبئ خلف أحد
الجدران البعيدة حتى ترحل تماماً. عندما شاهدتها تختفي وراء العمود البعيد، أسفرت
عن نفسي وتقدمت للمشفى.
أوقفتني الطبيبة فوراً على الباب. "ممنوع
الزيارة الآ—"
بترت عبارتها على رؤية وجهي. وعندما أرسلت لها
نظرة باردة أغلقت فمها وتراجعت فوراً، تاركة إياي أتقدم لسرير آجاكس حيث تغطيه
الستارة الآن.
فتحت الستارة بحركة حادة.
التفتت رأس آجاكس إليّ وأنا آخذ خطوة للداخل.
انعقد حاجباه على النظرة التي تزين وجهي: "ديانا؟ هل... أنتِ بخير؟"
"لماذا فعلت
هذا؟"
خرج صوتي متحجراً، وكأنني لم أتحدث منذ أيام،
مما جعله يحاول النهوض وهو يرسل نظرات قلقة نحوي. كان من الصعب علي إبقاء وجهي
خالياً عندما رأيت وجهه أخيراً. لقد كانت هناك كدمة شرسة تبلع عينه اليمنى وجروح
عديدة تزين خده وحاجبه وشفته. كان وجهه مزيجاً من الألوان الداكنة والفاتحة، منها
البنفسجي والأصفر والأخضر. آجاكس يمتلك أجمل الملامح التي رأيتها في حياتي. جماله
لا يمكن وصفه بمحض كلمات بسيطة. فعلى الرغم من كون أليكساندر الأجمل في الأكاديمية
إلا أن ملامحه عكس ملامح آجاكس تماماً. في حين أن جمال أليكساندر عبارة عن جمال
أمير يندرج من سلالة ملكية طويلة، كان جمال آجاكس في كونه شخصية حزينة. شخصية
هادئة ومظلمة تندمج مع الجدران. ذلك الجمال الذي عليك أن تنظر جيداً حتى تلحظه...
وإن فعلت يسحرك ولا تستطيع النظر بعيداً. أما أليكساندر فكان جماله الذي يعلن عن
نفسه كلما دخل مكاناً. تذهب جميع العيون له وتلاحقه لأنها لا تستطيع الكف عن
النظر. لقد ولد أليكساندر ليظهر ويسطع ويكون محاطاً بالعديد من الأصدقاء والمعجبين.
أما آجاكس اختار لنفسه أن يختفي ويكون وحيداً.
شئ ذكرني بنفسي.
"ديانا،" همس آجاكس وكأنه متفاجئ
برؤيتي. لأدرك أنه ظن أنني سأكون مع أليكساندر ولن أتبعه. اقتربت من سريره:
"ماذا قلت له؟ ولما شجاركما له علاقة
بي؟"
"إنه—"
"لا تكن مثله، أجاكس." خرج صوتي وأنا
أترجّاه لأنظف حلقي وأكمل بصوت أوضح: "لا تخف عني شيئاً كما يفعل. لقد تعبت
من الأسرار."
لانت ملامحه قليلاً والتصق بصره بوجهي طويلاً...
يبحث ويبحث حتى همس أخيراً: "إنها زيريلدا."
عندما ظللت صامتة أنتظر المزيد أدار رأسه
الناحية الأخرى ونظر بعيداً. "لقد لاحظت اقترابه الشديد منك الآونة الأخيرة.
كل ما كان يفعله هو تماماً ما فعله ليقترب من زيلدا. لقد اعتاد جلب لها الطعام
ومساعدتها ومرافقتها في كل مكان والمزاح والهمس لها. ورأيت النظرة في عينيك تتغير
شيئاً فشيئاً حتى بدأت تشبه نظرتها قبل أن تقع في حبه." توقف وأغمض عيناه.
"ولم أستطع الجلوس ومشاهدة الأمر يتكرر مجدداً."
"مشاهدة ماذا؟" كان لدي شعور أنني لن
أحب ما سأسمعه. التوت معدتي وأنا آخذ خطوة نحوه.
"لقد رأيتيه اليوم." أعاد وجهه ناحيتي
ليقابل بصري. والكدمة على عينه اليمنى كانت تغطي عينه لدرحة أنها بدأت مغلقة وهو
ينظر لي بعين واحدة زرقاء تلمع تحت ضوء المشفى. "لقد رأيتي قناعه
ينزلق."
"لكنك من استفزه." أخبرته. "ربما
أخبرته شيئاً أنت تعرف أنه لن يعجبه."
"هذا ما فعلت." اعترف وتردد لحظة قبل
أن يخبرني: "في الحقيقة لقد كذبت عليه."
"بماذا؟"
"لقد أخبرته أنه لن يتسنى له القيام بما
قام به مع زيلدا معك. لأنكِ أذكى منها وستقعين في حبي أنا هذه المرة."
توسعت عيناي في صدمة
واحمرت وجنتيه قليلاً وهو يتحاشى عيناي. أخرجت نفساً. "لكنها وقعت في حبك أنت، على حسب معرفتي. جانب القصة الذي
سمعته أنه أحبها أولاً ولكنها أحبتك أنت وتواعدتما." أخبرته في برود.
"كلا. هذا ما يحب رويال نشره. لكن الحقيقة
أنني من أحببتها أولاً. ولكن بعدما... فعل بها رويال كل هذا هي رأته على حقيقته
أخيراً وتركته. هكذا أصبحنا سوياً."
"فعل بها ماذا، بلاك؟" اعتصرت أصابعي
في قبضة متوترة. "ما الذي قام به أليكساندر لزيلدا؟"
طال الصمت وتصاعدت نبضات قلبي وأنا أشعر أن
ركبتاي على وشك أن تفشلا على حملي، عندما نظر في عينيّ مباشرة وأخبرني الحقيقة
والسر الذي كنت أسعى لكشفه طويلاً:
"لقد كان ألكيساندر يعتدي عليها، ديانا. إنه
عنيف، ولديه مشكلة في التحكم في غضبه. وهو كان... ينفّس عنه مع زيلدا."
هرب نفس حاد من صدري وقدماي يسقطا من تحتي لأجلس
على الكرسي وأنا أحاول التقاط أنفاسي. هذا يفسر ما قاله لينك. لقد أخبرني أن هنالك
من كان يعنفّ أخته كثيراً وأن الآثار كانت لا تزال مطبوعة على جسدها لآخر مرة رآها—آخر
مرة رآها أخبرني أن أخته كانت شبحاً، لم تعد نفس الشخص. هذا يفسر ما أخبرني به
إزيون واللعينة أكانثا كذلك. لقد كنت أرى العلامات أمامي ولكني اخترت تجاهلها.
ولكن الآن بعد سماع الحقيقة... لا أعلم بما أفكر.
لقد شككت في أليكساندر وآجاكس عندما قدمت في
البداية للأكاديمية، ولكن الكثير من الأحداث كانت توجهني في طريق آخر وأن للإدارة
يد في الأمر وليس حبيباها السابقان. وبعدما اكتشفت هواية فونتانا المختل كنت
متأكدة انه هو لا محال.
لا أصدق أنه كذب علي. لا أصدق أنه ظنني مغفلة
وحاول التلاعب بي والتمثيل علي. كل هذا كان كذباً. وما رأيته اليوم كان جزء من
شخصيته الحقيقية وليس شيئاً غريباً.
ذهب بصر آجاكس لذراعي الذي مسكته دون أن أشعر،
وهرب نفس حاد من صدره. بدأ يحاول الجلوس ولكنه اعتصر عيناه في ألم وتوقف، لا يقوى
على الحراك. "ماذا حدث؟"
أخفضت رأسي وعندما لم أرد سمعت حركته مجدداً
وكأنه يحاول الإقتراب قبل أن يأن في صمت. "هل... أذاكِ؟ هل—"
"كيف تعرف هذا؟" سألته دون رفع رأسي.
"...أعرف ماذا؟"
"كيف تعرف هذا عنه؟" صوتي كان غريباً.
كانت هناك لحظة من الصمت، قبل أن يأتيني صوته
الخافت: "الهرم يعرفون بشأنه كدماته التي يظهر بها من العدم بين حين وآخر.
ولكن آرتميس الوحيدة التي بدت وأنها تعرف السبب. واكتشفت في مرة أنها ومارفن من
يخفون جروحه وكدماته بمساحيق التبرج. عندما قررت تتبعه في مرة اكتشفت أنه يذهب مع
أستاذ غنائه إلى الجيم الموجود في مبنى المعلمين لينفس عن مشاعره. إنه يلكم نفسه
ويضرب نفسه بأقصى الطرق، وإن لم يكفي هذا يجد له ضحية ليفعل بها ذلك. لكن هؤلاء
عادة ما يكونوا من خارج الأكاديمية... لإخفاء سره. زيريلدا كانت أول ضحية له من
الداخل. هي ظنت أن بإمكانها إصلاحه... أو تغييره. ولكن..."
بدا وكأن قول هذا آلمه. تذكر زيلدا والحديث عنها
وما جرى لها.
قبضت يدي جواري. "كيف أصدقك؟ أنت تكرهه."
بسط آجاكس شفتيه. ". لقد كنا أصدقاءً فيما
مضى، حتى زيريلدا. لا أنكر وجود منافسة بيننا منذ كنا أطفالاً—لكنها لم تكن بهذا
المستوى. كنت فقط أمقت تفضيل الأكاديمية له رغم بذلي مجهوداً كبيراً مثله. لكن
بسبب مواهبه الثلاثة أصبح هو الملك. وأيضاً—" بتر عبارته.
"وأيضاً ماذا؟"
مرّت لمحة من الحزن عيناه قبل أن يخفيها بقبضه
فكه. "بسبب اسم عائلته."
"ولكن عائلة بلاك ذات قدر عال. مثل
رويال."
هنا هو نظر لي أخيراً. "ومن تبقى
منها؟"
جفلت وفوراً ندمت على السؤال، غارقة في
استفساراتي لدرجة أني لم ألحظ ما وصلت إليه.
"أنا آسفة." همست.
"وأنا أيضاً."
تجمد جسدي بأكمله. "علام؟"
كان وجهه تعيساً ونادماً. "أنا أعرف،
ديانا."
لم أستطع التنفس. كانت الأرض تهتز من تحتي
والجدران تنغلق علي من كل ناحية. وربما شعر آجاكس بذلك لأنه أعطاني نظرة متألمة.
"أنا آسف. لكنني كنت أعرف من تكونين من اليوم الأول."
اعتصرني صدري لأضع راحة يدي فوق قلبي وأنا أحاول
ألا أفقد أعصابي. اعتصرت الكلمة بصعوبة شديدة: "كيف؟"
صمته كان ما جعل أنفاسي تعلو أكثر وأنا أحاول
التقاطها. بالكاد لمحته يترك السرير بعد عناء ويقترب مني، يضع كلتا يديه على كل
جانب من جسدي قبل أن يجثو أمامي، لينظر في عيناي مباشرة. "الذاكرة التصويرية.
أنا رأيت وجهك في الأخبار عند...الخطف. وعلى رؤيتك أول يوم دراسة ميزتك فوراً."
دفعت صدره بعنف متناسية كدماته وأنا أجبر نفسي
على المرور بنوبة الهلع هذه أسرع. تراجع قليلاً للوراء وحاول إخفاء ألمه.
"ولما لم تقل شيئاً؟ لما تظاهرت طوال هذا الوقت؟"
"لأنكِ لم تريدي لأحد أن يعرف. لقد شعرت
أنني غششت بطريقة ما بذاكرتي تلك. لم أشعر أنني أستحق أن أعرف شيئاً كهذا ما دمتِ
لم تقولي شيئاً."
"وهل أخبرت أحداً؟" سؤالي كان حاداً.
وكأن السؤال آلمه أكثر من كدماته الكثيرة، جفل
للوراء في غير تصديق. "مستحيل."
تنهدت ووقفت لأضع بعض المساحة بيننا، ليستقيم
خلفي. مررت يدي في شعري ثم تركته يسقط حول وجهي وأنا آخذ نفساً طويلاً. واضح أن
الجميع كان يكذب علي بطريقة ما. كنت أعلم أن آجاكس الأكثر غموضاً لأنه نادراً ما
يتكلم ويفصح عن مشاعره ولكن لم أتوقع أنه يعرف من أكون طيلة هذا الوقت ويتظاهر
بالعكس. متى أصبحت بهذه السذاجة؟ متى تناسيت هدفي وتقاربت من الفتية والطلبة هنا؟
ماذا كنت أفعل؟
مسحت ردة فعلي من وجهي والتفت نحوه. نظرت له من
خلال ستارة شعري. لم يهم إن كان يعرف آجاكس من أنا. طالما سأستغل مشاعر ندمه
لصالحي. كنت أشعر بغضب عارم حيال ما اكتشفته عن أليكساندر لكنني حولته للكره. كره
شديد صببته كله صوب التفكير والتخطيط. "آجاكس،"
نظر لي متسائلاً.
"أريد أن أصبح ملكة الأكاديمية. وأريد
مساعدتك."
♪♪
فتحت جرايس باب غرفتها لتتسع عيناها على
رؤيتي. "أين كنتِ؟ لقد رأيتك تركضين صباح اليوم من الملعب ولم أجدك بعدها؟
ماذا حدث؟"
تجاهلت أسئلتها وقطعت طريقي بكتفي داخل
غرفتها. من طرف عيناي لمحتها تقلب عيناها وترمي بيدها في الهواء. "بالطبع.
تفضلي بالدخول. ليس وكأنكِ سألتي أم ما شابه."
نظرت حول الغرفة التي أراها لأول مرة في
شرود. كانت الغرفة مناسبة لجرايس تماماً. بألوان صاخبة وأضواء زينة في كل مكان
وبوسترات ملصوقة على الحائط كدت أبتسم. لكن صمتي استدعى انتباه جرايس وهي تقترب
وتنظر لي عن قرب.
"شئ ما حدث عندما تبعتيهم." لم يكن
سؤالاً.
"أليكساندر كاد يؤذيني." همست.
شهقتها آلمتني لأنني تذكرت مجدداً ما حدث
لأغمض عيناي عندما قابلني صمتها وعدم تعليقها على غير عادتها. "أنتِ تعرفين بشأن
مشكلته."
"ديانا—"
"كلا. لا أهتم. لقد احتجت تأكيداً فحسب
أنها الحقيقة." نظرت لها أخيراً لتقضم شفتها في تردد. بالطبع هي لا تستطيع
إفصاح أي شئ عن ما بداخل قاعة إروز. كدت أضحك في سخرية لولا كوني لم أعد أهتم.
أخذت نفساً كبيراً. "على أية حال لم آتِ
من أجل هذا." لامست أطراف شعري. "كنت آمل أن أجد لديكِ صبغة شعر سوداء؟
فجذوري البنية لا تتماشى مع باقي شعري."
ذهب بصر جرايس مباشرة لرأسي وتمعنت النظر في
شعري. "لما لا تعيدي لونه لما كان؟"
"إن كنتِ قد نسيتي فأنا أحاول أن أخفي
من أكون."
"لماذا؟" كان سؤالها مشوشاً فعلاً.
"الإدارة بالفعل تعلم من تكونين. ما المهم في كون الطلاب غير ملمين
بالحقيقة؟"
ساد الصمت بيننا وبدت جرايس أنها ندمت على
السؤال عندما نظرت لملامحي. تحاشيت نظرتا سريعاً. "من أجلي. لا أريد لأحد أن
يعلم ماضيَّ. لا أريد لأحد أن ينظر إلي ويرى ما حدث لي من سنتين فقط. لا أريد لأحد
أن يلعن اسم والدي مجدداً. لا أرغب بتلقي الشفقة أني خسرت كل شئ في ليلة وضحاها
وأصبحت محض طالبة منحة بدون أي قرش."
"لم أقصد—"
"أنتِ لم تري ما حدث عندما عدت. لقد
تركني أصدقائي وباعنا رفقاء والدي ومعارف أمي. لقد تم جرّ اسم العائلة في الوحل.
كانت الصحافة أسوأ. كانوا وحوشاً ينهشون فينا كلما تسنت لهم الفرصة، بإشاعات جديدة
وهجوم كلما ظهرنا للعلن. لم نستطع الإختباء. كل مكان ذهبنا إليه أنا وأمي كان
يتعرف علينا الناس ويخبروا الصحافة ومن هم في دين أبي، من أجل بعض المال. لم
يرحمنا أحد. كل فترة يجدنا زميل أو عامل في شركة والدي ويحاول قتلنا لأننا دمرنا
حياته. لقد تعلمت الدفاع عن نفسي لأنني هوجمت في الزقاق لبيتي كل يوم. لقد كانت
حياتي جحيماً حتى بعد أن تم إنقاذي منها. فأنتِ لا تدركين حجم رغبتي في إخفاء
هويتي عن الجميع. أنا أريد أن أنسى من كنت وأركز فقط على ما سأصبح."
عقب كلامي صمت طويل ملأ الغرفة ولكن رغم
كلامي لم تتبدل نظرة جرايس مرة للشفقة. احتدت ملامحها وكأنها تخبرني بأنها تفهمني.
"لدي الصبغة. ويمكنني صبغ شعرك أيضاً إن أردتِ."
وهذا ما حدث. جلسنا نتحدث بشأن توقعاتنا
لعروض الغد ونحلل أنماط المستعرضين من عروضهم السابقة ثم انتقلنا للحديث عن
واجباتنا وصفوفنا التي لا نتشاركها، بينما تجثو جرايس خلفي على السرير وأنا أجلس
أمامها على الكرسي أمام المرآة وهي تضع الصبغة السوداء على تاج رأسي بقفازين.
جلسنا ننتظر استقرار اللون ونحن نتبادل أطراف
الحديث حتى توقفت جرايس ونظرت لأطرافي. "لما لا تدعيني أقص شعرك؟"
رفعت يداً في دفاع. "أنتِ تتمادين الآن.
يمكنني الوثوق بمهارة صبغك ولكن ليس قصّك."
هذا أهانها فوراً لتفتح فمها في اتساع.
"ما مشكلة شعري؟"
هذا جعلني أكتم ضحكتي، لأنه لم يكن مقصدي،
لأتمادى في المزحة. "مزري."
شهقتها كانت القشة الأخيرة لأنفجر في الضحك.
دفعتني من ذراعي في لمسة بسيطة منها قبل أن تبتسم باتساع وهي تقلب عيناها.
"يالكِ من عاهرة."
انتهيت من الضحك وهززت رأسي. "ماذا في
بالك؟ شعري بالكاد يصل لصدري الآن، هل ستقصرينه؟"
"كلا. أظن فقط أنه بدلاً من كونها قصة
مستقيمة، أن أضيف بعد الطبقات لها."
بسطت شفتاي في تفكير. "لا بأس بها—"
"جرايس! جرايسي!" اقتحم الصوت
الجديد الغرفة فجأة لنرفع رأسنا فوراً على دخول يارا.
بترت عبارتها فوراً على رؤيتي وتوقفت في
مكانها بفم مفتوح في صدمة. ببطء أخفضت الورقة التي كانت تندفع بها وبدا عليها
التردد. "لم أعلم أنكِ مشغولة."
"يارا—"
"سأعود في وقت لاحق!" أسرعت فوراً
نحو الباب لتقفز خلفها جرايس. فركت يداي سوياً ونهضت نحو الحمام. تمتمت في خفوت
لهما:
"سأغسل شعري الآن."
لم يجبني أحد لأغلق الباب خلفي وأقف أمام
المرآة وأستند على الحوض، فيما يصل لي صوتهما من الخارج:
"ماذا تفعلين؟" كان سؤال يارا كله
اتهامات.
"نحن نقضي بعض الوقت سوياً فحسب."
"هل جننتِ؟ ألا تعلمين خطورة ذلك؟ لما
تصادقينها الآن، جرايس؟ ألا تخافين على نفسك؟"
"بالطبع، لكن—"
"لكن ماذا؟ أتعتدمين عليها لتحميكِ؟ ألم
تريها؟ إنها أكثر شخص أناني في هذا المكان! إنها لن تهتم لكِ إذا حصلت على
مبتغاها! ستبيعك في لحظة!"
"أخفضي صوتك!"
"لا أهتم إن سمعتني! هي تعلم أني محقة.
لأن هذا كل ما تفكر به. إنها ليست هنا لإنقاذ أي منا. إنها هنا من أجل نفسها،
والجميع أخيراً بدأ برؤية ذلك، سواكِ."
"إن كان هذا بسبب آجاكس—"
"إياكِ وجلبه للحوار! إنها حركة خسيسة،
أتريدين مني الحديث عن ستورم؟"
صمت.
"هذا ما ظننت." تنهدت يارا.
"انظري، جرايس. أنا قلقة عليكِ. أنتِ تعرفين أني لن أغار إن صادقتِ فتاة
جديدة... لكنها ستدمرك. لا أريد الوقوف مكتوف اليد عندما يحصل هذا."
"يكفي!" صرخت جرايس فجأة لأغلق
عيناي وأميل للأمام. "إنها ليست بذلك السوء! أنتِ لا تعرفين ما حصل لها لتبدو
أنانية كما تقولين! إنها تحمي قلبها وأنتِ تدمرينه بكلماتك! إنها أكثر مما تبدو
عليه. إنه قناع لتواجه به العالم. أنتِ أكثر من يعلم هذا. أنتِ من ساعدني على نزع
قناعي لأنكِ رأيتِ ما تحته. فلما لا تريها؟"
عم الصمت من الخارج لمدة قبل أن يتناهى
لمسامعي صوت يارا الخافت. "لأنه تحت قناعها يكمن واحد آخر. إنها لن تتردد
لحظة في تخطيكِ في الرقص، جرايس. ستتلاشين في الخلفية بينما تسطع هي. لكن أنتِ لن
تفعلي ذلك ولو مر ألف عام على انتظارك دورك."
وبهذا سمعت صوت الباب ينغلق بقوة وهي ترحل.
نظرت للأسفل لأجد أصابعي ترتعش حول طرف الحوض لأحاول تهدئة أنفاسي. لم أسمع حركة
من الخارج لأنشغل بفتح الصنبور وغسل شعري من اللون.
بعدما انتهيت بعد دقائق نشفت شعري وتركت
الحمام أخيراً. كانت تقف جرايس أمام تسريحتها تجهز عدة أشياء. تظاهرت وكأن شيئاً
لم يحدث، ونظرت لشعري المبتل. "يبدو جيداً. لنذهب للحمام لقصه الآن."
وقفنا في الحمام بعدها وهي تقصه لتخترق
السكون بسؤالها: "ماذا سنفعل في عرض رويال غداً؟ ألن نرقص؟"
صمتت قليلاً. "لا أعلم."
عندما لمحتها تقضم شفتها في المرآة وتخفض
بصرها تحدثت فوراً. "خذي مكاني."
ذهبت عيناها لي سريعاً. "هل
جننتِ؟"
"كلا. لكنها فرصة كبيرة. أليكساندر
سيفتتح العرض، وكل الأعين ستكون عليه، وستكوني أنتِ الراقصة الأساسية خلفه. هذا
سيغير الكثير."
"ديانا، إن كان هذا بشان ما قالته يارا—"
"أجل. دعيني أثبت لها أنها مخطئة. ثم
أنني لا أريد التعامل مع أليكساندر."
استغرقها الأمر عدة لحظات قبل أن تجيب. "حسناً."
سكتنا بعدها وهي أكملت عملها في شعرها، حتى
تحدثت مجدداً. "يارا ستذهب للمنشأة أيضاً."
"أجل. ألم تكوني تعرفي؟"
هززت رأسي مما جعلها ترفع حاجبها في استعجاب.
"هذه كانت مكافأتها."
"ظننت أن فريقي وحده من كسب هذه
الرحلة." هذا جعلني أفكر لحظة قبل أن أسأل: "من أيضاً كان في
فريقها؟"
"آه... لا أذكر سوى جولز وبلاك
ومالك."
كدت أضحك. بالطبع. كيف لي أن أتخيل أن الهرم
لا يتحرك لمكان ما إلا سوياً. وآرتميس تلك ستكون موجودة. كم هو متوقع. هي لا تترك
جانب أليكساندر لحظة. كيف ستتحمل أسبوعاً بدونه.
"لما بيته يسمى بالمنشأة؟ أهو كبير لهذه
الدرجة؟"
"إنه ليس مجرد بيت، بل قصر. إنه من أكبر
القصور في العالم. لقد تم بناؤه في عصر النهضة الأوروبيّة في القرن السادس عشر كهدية من أحد الملوك الفرنسية
لملك بريطانيا وقتها. إنه ينتمي للعائلة منذ وقتها لأجيال."
انتفضت من تحت يدها على الإكتشاف، عيناي
واسعة. "أتعنين أن أليكساندر ينحدر من عائلة ملكية؟"
ارتفعت زاوية شفة جرايس في مزاح. "ألم يدلّك
الإسم لذلك بالفعل؟"
"لم أعتقد... واو. هذا... واو."
هذا جعلها تضحك، متناسية ما قالته يارا لتعود
لما كانت قبل أن تظهر. "نعم. كانت ردة فعلي متشابهة عندما علمت أول مرة
أيضاً. المهم، إنها تسمى منشاة لأنه إلى جانب القصر يوجد أشياء أخرى أيضاً. هناك
حديقة تمتد لفدادين أمام القصر، وغابة خلفه. لديهم إستبطل أحصنة، ومطارهم الخاص
الذي يضعون فيه طائراتهم الخاصة. ولديهم جراج كامل لسيارات العائلة الحالية
والمتوارثة. لقد سمعت أن لديهم سيارات تعود لأول سيارات تمت صنعها. أتعلمين؟ تلك
التي كانت تتحرك بالبخار."
"واو." هذا جل ما استطعت قوله، كل
كلمة تضيفها تزداد معها دهشتي أكثر.
ضحكت جرايس مجدداً. "لديهم أيضاً مقر
الشركة هناك. رغم أنها حديثة إلا أنها بُنيت على نفس الطراز الفرنسي القديم، في
عصر ازدهار الفن والصناعة. إن ذلك المكان من حلم ما."
"هل زرته من قبل؟"
هزت رأسها. "كلا. لكن لا أحد هنا يعرف
أليكساندر لا يعرف عنه شيئاً. عندما كنا أطفال اعتاد العديد من الأطفال الصغار
سؤال أليكساندر عنه ليريهم صوراً له ويعدهم بأخذهم معه الإجازة القادمة."
"وهل أخذهم؟" همست.
"لا أعلم. ربما فعل، لكني لم أسمع عن
الأمر."
♪♪♪
"ما معنى هذا؟" اقتحم فجأة
أليكساندر غرفتي في صباح اليوم التالي.
تصلب جسدي عندما آل للوقوف مباشرة على رؤية
آجاكس يجلس أمامي على السرير. أغلق فمه وتبدلت ملامحه. "بلاك."
"رويال."
مسح أليكساندر بصره على وجه آجاكس. "لا
تبدو بحال جيد."
"يمكنني القول المثل عنك."
بسط أليكساتدر شفتيه وجلب بصره لي. "لما
لن ترقصي في عرضي؟"
ذهبت رأس آجاكس لي سريعاً على الخبر. هو لم
يكن يعرف أنني عرضت على أليكساندر تأدية رقصة بعرضه. أعطيت أليكساندر نظرة باردة.
"ولما قد أفعل ذلك؟"
"لقد وعدتيني. لقد أخبرتني أنه سيغير
العرض..." ترددت ملامحه قليلاً عندما لم تتغير نظرتي.
"لا تقلق إذاً، فجرايس ستهتم بالباقي.
الرقصة كما ألفتها، لكني لن أؤدي العرض معك."
"ديا—"
"هل هناك المزيد؟"
"لم أعهدكِ مستسلمة."
"أنا لم أستسلم. أنا لم أعد أهتم بأي شئ
يخصك، ليس إلا."
هبط ذراعاه مع كلماتي. "أنتِ لا تعنين
هذا." ثم ذهب بصره لحظة لآجاكس قبل أن تظلم عيناه. "ماذا قال لكِ؟"
"الحقيقة."
"حقيقة؟ هو—" بتر عبارته ونظر حول
المكان وكأنه يستوعب شيئاً. "وأنتِ صدقتيه؟"
سمعت زفير آجاكس من ورائي لأستدير وأراه نائم
على السرير ويسند رأسه على يده اليمنى بينما يشاهدنا. نظر لأليكساندر بهدوء.
"تفضل بالحديث عني وكأني غير موجود."
أعدت انتباهي لأليسكاندر الذي اشتعلت ملامحه
على هدوء آجاكس. "من أنت لتسألني شيئاً كذلك؟ كم مرة سألتك شيئاً ولم تجبني؟
أنت لديك المعلومات التي أريدها ومع ذلك لم تساعدني ولا مرة. لا تتظاهر بالإهتمام
بي وأنت تراني كل يوم أدمر نفسي من أجل ما أريد دون أن يتحرك لك ظافر. أنت مستاء
الآن أن غيرك يساعدني؟ أن أحدهم يجيبني عندما أسأله؟ ماذا أعطيتني حقاً من أجل أن
أثق بك؟"
"ماذا أعطيتني أنتِ لأثق بكِ؟ ومع ذلك
فعلت!"
"لكني لم أطلب منك ذلك! أنت من اخترت
الوثوق بي من نفسك. وحاولت إجباري على فعل المثل معك دون تلقي شئ في
المقابل!"
"أنتِ لا تفهمين...أنا..."
"أنت ماذا؟ اجعلني أفهم!"
"لا أستطيع!"
نظرت له بحقد. "هذا ما ظننته."
تراجعت للخلف وأشرت لبابي. "لا أريد رؤية وجهك مجدداً."
"لا تفعلي هذا،" امتدت يده لمعصمي
"لقد أخبرتك إن لمستني مجدداً،
سأقتلك!"
"لو تسمعيني فقط—"
"لقد فعلت! أنا سبب شقائك؟ إذاً لما
تلاحقني؟!"
"لم أقصد—"
"حقاً—؟"
"أصغي إلي!" صرخ بقوة شديدة لأجفل
من المفاجأة وأتجمد. توسعت عيناه بعدما فقد أعصابه وحاول الإقتراب مني.
"أرجوكِ... أنا لست كما ترين."
تغلبت عن مفاجئتي ونظرت له ببرود. "أنت
بالضبط ما أرى، رويال."
"ديانا—" عندما اقترب مني مجدداً
ظهر جسد جديد أمامي يعترضه. حدقت بكتفي آجاكس اللذان سرقا رؤيتي لأليكساندر تماماً
وأنا أسمعه يقول في هدوء. "إن لم ترحل كما طلبت منك، سيكون عليك الحديث معي
أنا."
"لا تتدخل في هذا، بلاك."
"لقد فعلت بالفعل، رويال. وجودك غير
مرحّب به. إنك تضيع وقتك هنا." أشار آجاكس للباب. "نحن كنا نعمل قبل أن
تقاطعنا. رجاءً اتركنا لنكمل."
"ابتعد عنها." هدده أليكساندر بصوت
مهزوز، وكأنه يقاوم الإنفجار بالغضب.
لم يتحرك آجاكس ولم يقل شيئاً، وقبل أن أتنحى
للجنب لأتدخل، تهجّم أليكساندر على آجاكس. شهقت عندما سدد لكمة لفكه، لكن قبل أن
أفعل شيئاً ردّها إليه آجاكس لتتسع عيناي عندما اشتبكا. لكن غضب أليكساندر جعله
يأخذ الصدارة بسرعة ويحكم رأس آجاكس بذراعه لأسرع بالتدخل.
شددت أليكساندر من ملابسه أحاول إبعاده عن
قتل أجاكس. "أليكساندر!"
"لقد دمرت حياتي مرة، لن أسمح لك بفعلها
مرتين." زمجر من بين أسنانه لأجاكس وكأنه لم يسمعني. ولكن بعد لحظة ظننت فيها
أنه سينجح في خنق آجاكس، تركه.
سقط آجاكس للأرض فوراً يحاول التقاط أنفاسه
في حين استقام أليكساندر لأفلت ملابسه عندما استدار نحوي. كان يتنفس بسرعة وهو
يحاول تهدئة نفسه قبل أن يقول:
"لقد ظننت أذكى من هذا."
وبهذا ترك الغرفة.
ظللت أقف أنظر للباب الذي صفعه خلفه مدة حتى
تعافى آجاكس ونهض. لامس وجهه قبل أن يجفل. "لما يصمم على الوجه؟"
عندما لم أقل شيئاً نظر لي لأغير ملامحي
بسرعة.
"هل أعطيتي ثندر الرقصة فعلاً؟"
توجهت للسرير. "أجل."
"ديانا، أنتِ تحاولين التفوق الآن في
مواهبك. لا يمكنكِ التخلي عن شئ فعلتيه هكذا فحسب."
نظرت له. "هل تخبرني بأن أؤدي
العرض؟"
"كلا."
"إذاً هذا ما سأفعله. لا تملي علي ما
أفعله."
♪♪♪♪
كانت الستائر مغلقة، وعندما أظلمت قاعة أغورا، عم الصمت على جميع من هم في القاعة.
جلست في مكاني من ضمن الصفوف الأولى بدل ما أكون تحت على المسرح الآن. ولكن بما أنني العرض الختامي قررت الجلوس على
المدرجات ومشاهدة العروض من هنا. خصوصاً وأني لن أستطيع التدرب على العرض الآن.
لقد فعلت ذلك بالفعل خلال هذا الأسبوع بمساعدة من آجاكس ونحن نتسلل سوياً للجيم
القديم في مبنى المعلمين بعدما حصل على موافقة من الإدارة من أجلي بإستعماله
وتجهيزه ليناسب ظروف عرضي.
انتظرت عرض أليكساندر أن يبدأ مع الجميع،
ولكن رن هاتفي فجأة برسالة نصية. عقدت حاجباي وانتشلت الهاتف من سترتي، وعندما
قرأت الرسالة سقط قلبي في معدتي.
تركت مكاني فوراً، وبسرعة بدأت أنزل السلالم
في الظلام حتى وصلت للأسفل ودون أن أتوقف، جريت لخلف المسرح. كان قلبي ينبض بقوة
وأنا أعدو حتى وصلت لغرف التحضير، وعندما وجدت غرفة جرايس اقتحمتها بسرعة.
لكنها عكس ما توقعت، كانت تقف في منتصف
الغرفة في كامل عافيتها بينما تربط التنورة السوداء حول خصرها. توقفت في منتصف
الحركة ونظرت إلي أشهق وأزفر.
"هل وصلتكِ نفس الرسالة؟" سألتها وأنا أغلق الباب
خلفي.
أومأت بملامح مغمومة. ابتلعت ونظرت حولي.
"لم أقصد وضعكِ في هذا الموقف."
"ليست غلطتك." أخبرتني في هدوء
واستدارت لتبدأ تصفيف شعرها. "والآن ارتدي ملابسك بسرعة، فليس لدينا
وقت."
عندما ترددت هي نظرت إلي. "إلا إذا
أردتِ منهم تنفيذ التهديد بالفعل وكسر رجلي."
شعرت بحزنها من مكاني، ولكني لم أفعل شيئاً
سوى التحديق بها تصفف شعرها، لأقبض ملابسي وأترك الغرفة وصدري يعتصرني. لم أفهم
لما وصلني ذلك التهديد، لكني متأكدة أنه من الإدارة، فمن سواهم؟ لكن لماذا؟ ما
غاية إجباري على تأدية العرض؟
إلا إذا كانت فعلة أليكساندر.
تجددت مشاعر الكراهية من داخلي وأنا أفكر
بهذا الإحتمال عندما وصلت للغرفة المخصصة لي. أنا لم أعد أثق بأفعاله، لذا هذا ليس
غريباً توقعه منه. هو بعد كل شئ لا يزال غامضاً بالنسبة إلي. اكتشفت أني لا أعرف
عنه شيئاً يذكر.
في منتصف تصفيفي لشعري سمعت صراخ الجمهور من
بعيد، لأعلم أن أليكساندر قد ظهر على المسرح. قبضت فكي وأنا أحاول الإسراع عندما
سمعته يغني الكلمات الأولى:
"المسرح مهيأ لأمثالي، نعم
وسأعود كجزء ثاني،
نعم
ساخن جداً
كالحمى، نعم
مثل الذئب
الأبيض، سأجعلك مؤمناً، نعم"
انتهيت من شعري وانتقلت لربط التنورة حول
خصري. كان الزي عبارة عن تشيرت أحمر قصير يظهر المعدة قليلاً ومعه تنورة يتم ربط
عنقها حول الجلد المكشوف. انتهيت من ذلك وأنا لا أزال أسمع صوت أليكساندر الخافت
يغني وانتقلت للحذاء.
عندما انتهيت أسرعت بترك الغرفة والجري نحو
الستائر، حيث وجدت الفتيات. أومأت جرايس لي وابتسمتن الفتيات على رؤيتي، لكنهم لم
يبدن متفاجئات، لأفهم أن جرايس أخبرتهم. وقفت معهن ننتظر وقت ظهورنا.
رغم أني لم أراه، صوت أليكساندر الآن كان
أكثر وضوحاً. كان قوياً كعادته، ولأن الأغنية حماسية كما أراد ليشعل الجمهور، هذا
تماماً ما حدث لأني كنت أسمع صوت هتافهم اسمه من بعيد. عندما غنّى الكلمة المتفق
عليها تحضرنا أنا والفتيات وذهبنا لجانب المسرح، من حيث سنظهر، ورأيته.
كان يملك المسرح.
مثل أي مرة رأيته يغني فيها، أليكساندر عندما
يغني يظهر حضوره المسرحي بقوة. هو لديه كاريزما لا مثيل لها، يتنقل في مكانه
ويتحرك وهو يثير حماسة الجمهور بكلماته. كان مثلنا يرتدي قميصاً أحمر داكن مع بنطال
أسود، متماشياً مع عنوان الأغنية: بارد الدم. شعره الأشقر كان يتطاير معه ويلمع
تحت ضوء المسرح القوي، وإن كنا في موقف آخر، لكنت استمتعت حقاً بعرضه.
"لا
أريد أبداً أن أنظر للخلف
المستقبل غير
واضح، لكن الماضي فخ،
ربما أنظر إلى
فرصتي الأخيرة،"
"هذه هي إشارتنا." أخبرت الفتيات
عندما أظلم المسرح تماماً عدا من ضوء واحد يومض فوق أليكساندر تزامناً مع انقطاع
النغمة. تحركنا فوراً لموقعنا في الظلام وانتظرنا النور أن يعود.
قرع قلبي في صدري
استعداداً للظهور عندما أضاء المسرح وانفجرت الأغنية. وأشرعنا في القفز.
"لكنني
بارد الدم
بارد الدم!"
غنا أليكساندر ونحن
نتحرك بقوة خلفه، أنا في مقدمة الفتيات بينما هن يشكل مثلث خلفي. طار شعري معي
وأنا أرقص، وعندما أدار أليكساندر رأسه قليلاً دون أن يلاحظ أحد نحونا وكأنه يريد
رؤية شئ ما، وقع بصره علي. لكني لم أقطع رقصي، أتحرك مع الكلمات بكل قوة وصراخ
الجمهور المتفاجئ يتبعنا. كان رقصنا هيب هوب، يتماشى مع إيقاع الأغنية وحركاتنا
قوية معها، لكني كنت أخفف الحركات على ذراعي الأيمن حتى لا أستخدمه بطريقة خاطئة.
توسعت عينا أليكساندر لجزء من الثانية قبل أن يعود ليواجه الجمهور وهو يكمل:
"ثلج في
دمائي
لن أهرب أبداً
سم في أنيابي
نار على لساني
أنا بارد الدم!"
نشير لمعصمنا ثم نجري
في مكاننا بتناسق، قبل أن أمسك الهواء جوار نابي وأشدّ وكأني أسحب شيئاً، ثم أمرر
كفي أمام فمي قبل أن نسقط بكلا ذراعينا مثنيان مع آخر جملة، نحرك أقدامنا بسرعة
بينما نحرك ذراعينا.
"كل شيء
أو لا شيء
إذا سقطت،
سأحترق مع الشمس
لن أتوقف الآن
حتى أجلس على
العرش
أنا بارد الدم!"
كانت حركاتنا قوية ونحن نقفز ونرقص خلف أليكساندر
الذي ازداد حماساً وملأ المسرح وهو يصرخ الكلمات. رغم رؤية ظهره فحسب كنت أشعر
بابتسامته في الغناء. لقد كان مستمتعاً بما يفعله بقدر استمتاع الجمهور، ورغماً
عني، كنت أشعر بقناعي البارد ينزلق شيئاً فشيئاً.
"إنني أحفر
في التراب لسبب،
يجب أن أواجه
الخوف، أواجه الشياطين،"
قرع قلبي خلف صدري ونحن نرقص على المقطع
الثاني والموسيقى تزداد علواً وقوة، الحماس يملأني شيئاً فشيئاً حتى اقتربنا من
المقطع النهائي. هدأت الموسيقى وهدأت حركتنا معها، وتراجع أليكساندر للخلف لنا حتى
أصبح أمامي مباشرة. وهنا استدار وأعطى الجمهور ظهره، ونظر إلي وهو يغني:
"لا أريد أبداً أن أنظر للخلف
المستقبل غير
واضح، لكن الماضي فخ،
ربما أنظر إلى
فرصتي الأخيرة،
لا، لا، لا،
لا"
أغلق عيناه وهو يضيع
في الأغنية ويكمل المقطع التمهيدي، مع تسارع النغمة، ولم أستطع منع ضربات قلبي من
التسارع معها. هذا لم يكن ضمن العرض الذي تمرنا عليه. هو كان يجدر به مواجهة
الجمهور طوال الوقت.
"لا أريد
أبداً أن أنظر للخلف
المستقبل غير
واضح، لكن الماضي فخ،
ربما أنظر إلى
فرصتي الأخيرة،
أنا بارد الدم..."
ثم فتح عيناه وتقابل
بصرنا، يومض الضوء فوقنا مع انقطاع وضربات النغمة، ليبتسم ابتسامة سرية وهو يغني:
"هل أنت
جاهز؟
هل أنت جاهز؟
هل أنت جاهز؟"
عندما سكت توقفت عن
التنفس، لأني شعرت أنه على وشك فعل شئ ما، ولكني تحضرّت لانفجار الأغنية لأن
أدائنا كان سيزداد في آر مقطع، نرقص بكل قوة. فقط أنتظره يصرخ الجملة الأخيرة.
أليكساندر ابتسم لي واستدار أخيراً وتنحى للجنب، ليكون ضمن مثلثنا، ليصبح مربع رقص
عندما تحركت الفتيات في تشكيل جديد ليصبح هو جواري في المقدمة، فتتسع عيناي لأفهم
ما سيحدث متأخراً عندما أمال رأسه للوراء وصرخ:
"أنا
بارد الدم!"
انفجرت النغمة أخيراً
وقفزنا نرقص، أقوى وأشد من قبل، وكدت أتعرقل عندما شاهدت أليكساندر يلقي مكبر صوته
الذهبي ويرتدي سماعة بمكبر وينضم إلينا.
أليكساندر. إنضم. لنا.
في الرقص.
"بارد
الدم!
ثلج في دمائي
لن أهرب أبداً
سم في أنيابي
نار على لساني
أنا بارد الدم!"
الحركات لم تكن أنثوية، ولهذا اقترحت عليه
الإنضمام لنا أول مرة، لأني عندما تخيلته يقوم بها لم يبد سخيفاً في مخيلتي، بل
بدا مذهلاً. ولكن الحقيقة كانت أفضل من الخيال، لأنه رقص الرقصة العنيفة بكل
براعة، بالطبع ليس كأي راقص ماهر، لكنه كرر الحركات معنا وكأنه قد تمرن عليها
لساعات وأيام. نظرت لجرايس التي ابتسمت لحظة لأفهم أنها من ساعدته.
صراخ الجمهور كان شيئاً آخر، أعلى من أي شئ
سمعته والجميع متفاجئ ومتحمس. لكن رقص أليكساندر لم يدم طويلاً، هو رقص معنا
المقطع الأول وتوقف وأكمل غنائه وهو يعود لمقدمة المسرح. لكن مرة واحدة كانت
كافية. لكن كان الجميع يفقد صوابه.
"كل شيء
أو لا شيء
إذا سقطت،
سأحترق مع الشمس
لن أتوقف الآن
حتى أجلس على
العرش
أنا بارد الدم!"
كان صوته يعلو أكثر
وهو يصرخ الكلمات من حنجرته، ورقصنا خلفه العنيف يضيف قوة لا مثيل لها للأغنية،
تماماً كما أخبرته. كما تخيلت عندما سمعت الأغنية أول مرة. هذا تماماً ما تخيلته،
وهذا تماماً ما كان يحصل. كل شئ كان مناسباً. كل ما كان يرقص العرض هي الرقصة.
لم أستطع إيقاف
الابتسامة التي اعتلت محياي وأنا أنظر للجمهور الذي وقف وأخذ العديد يتمايلون بكشافات هواتفهم. وتركت العنان لحماسي أخيراً.
أغمضت عيناي وضعت في الأغنية. أرقص وأدور
وأقفز وحرك ذراعاي مع الكلمات. التنورة السوداء تتحرك مع حركاتنا وترتفع حتى يظهر
الشورت تحته الواقي. شعري كان يطير معي وأنا أتحرك، نتجهز لنهاية الأغنية.
"بارد
الدم
ثلج في دمائي
لن أهرب أبداً
سم في أنيابي
نار على لساني
أنا بارد الدم
كل شيء أو لا
شيء
إذا سقطت،
سأحترق مع الشمس
لن أتوقف الآن
حتى أجلس على
العرش
أنا بارد الدم!"
انتهى أليكساندر
وتراجع لنا مجدداً، يقف في منتصف المسرح بينما نكمل الحركة النهائية مع النغمة
الختامية، والضوء يومض معها. حتى انتهى العرض.
توقفنا أنا والفتيات
نلتقط أنفاسنا. حيّتني جرايس بيدها في الهواء لأقابل كفها، وأفعل المثل مع
الفتاتان الأخرتان. التفت للأمام بعدها لأجد أليكساندر يلتقط مكبره من على الأرض
قبل أن يتقدم نحونا ويختفي معنا خلف الستار وسط تصفيق الجميع.
"لقد رقصت."
علقت بهدوء.
"وأنتِ
كذلك."
دام تحديقنا لعدة
لحظات لتتنحنح جرايس فأفصل بصري عنه. "كان عرض جيد."
"شكراً." قال
وأنا أبتعد لأتوقف. "على مساعدتي. لم يكن ليصبح جيداً هكذا لولا نظرتك.
وشكراً لأنكِ غيرتي رأيك."
عقدت حاجباي. ألم يكن
يعلم حقاً؟ أليس هو صاحب الرسالة مجهولة المصدر؟ ترددت قليلاً في سؤاله عنها، غير
متأكدة الآن إن كان له دخل بالأمر.
لكنني لم أقل شيئاً بدلاً
من هذا وقاومت أن أستدير له مجدداً، لأتبع جرايس نحو غرفنا في صمت.
-------------
عرض آرتميس كان العرض الأول، بعد الإفتتاح.
استنار المسرح عندما بدأت النغمة التمهيدية،
وصوتها ملأ المكبرات وهي تهمس: "الأبطال لا يولدون... نحن نُصنع."
رأيتها فوراً على ظهرها على الساحة، شعرها
منسدح حول جسدها، بينما تغني من سماعة موصولة بأذنها ومكبر أمام فمها. فستانها كان
أبيضاً، ولكن بقعة كبيرة من الدماء كانت تملأ جانبها الأيمن ويدها فوق الجرح
المصطنع، تمسك بسكين يغوص فيها.
"بالكاد
أتنفس على الأرض
عندما تركتَ
جسدي ليتم العثور عليه
ولكن تلك الندوب
تعطيني الحياة
كان يجب عليك
أن تقتلني مرتين..."
سحبت السكين من معدتها
بقوة، ثم بدأت تدير رأسها للمدرجات وهي تنهض ببطء، لنرى فمها يدمي من ركنه وعدة
جروح تزين أماكن مختلفة من وجهها أثناء استقامتها من على الأرض. لقد كانت تنهض
كمحاربة.
"سقطت
لكنني سأقف
ألف الضربات
لا تكفي
لتبقيني على
ركبتي
أنا أقوى
عندما أنزف..."
تناسقاً مع الكلمات،
من خلفها بدأ الراقصون الداعمون بالظهور، على رأسهم مارفن التي ظهرت بشعرها الأحمر
يتطاير مع نغمات الأغنية وهم يمثلون الكلمات. تسدد عدة لكمات تمثيلية لآرتميس التي
تلقتها وسقطت مجدداً لركبتها، قبل أن تسمح فمها من الدماء وتبتسم باتساع وهي تقول
الكلمة الأخيرة.
جميع الراقصون كانوا
يرتدون الأبيض مثل آرتميس، ولكنها كانت ملابس رياضية عكس فستانها. وجميعهم كانوا
مجروحون مثلها وكأنهم خرجوا للتو من معركة... عدا مارفن. التي كانت تمثل أنها
العقبات التي تواجههم، وتحاول إعادة آرتميس لركبتيها، ولكن الأخيرة تغلبت عليها
ونهضت مجدداً.
"لقد ذهبت إلى الجحيم وعدت
ألتقطت نفسي
من الرماد
لقد جعلتني
أصبح من أنا عليه..."
رفعت آرتميس كلتا
ذراعيها جوار جسدها والمسرح يضيء بالأحمر والأصفر، كالنار. ثم التفتت آرتميس وخلفها
توقف الرقص، وهي تخطو نحوهم قبل أن تتوقف بين راقصيها، وتصرخ الكلمات وهي رافعة
يدها:
"الأبطال
لا يولدون
نحن نُبنى!"
استأنف الرقص من حولها
وانضمت لهم آرتميس.لكن فريقها استدار بظهره، الذي كان على ظهر كل واحد منهم حرف
كبير. ومعاً شكّلوا كلمة الأبطال. كانوا يتحركون بتناسق مع أرتميس التي تقود
الرقصة الحيوية. يمثلون النهوض من الألم والهزيمة والإستمرار. مجدداً، مارفن تركت
الكل واقتربت من آرتميس فقط، تحاول تقطيع ملابسها لتنجح قليلاً قبل أن تتملص من
تحت يدها آرتميس.
رغم أنها كانت تمثل،
ولكن حركات مارفن كانت موزونة وهي متماشية مع الرقصة، تتحرك معهم ومع الإيقاع رغم
دورها، تتحرك بطريقة راقصة مع آرتميس التي تحاول حماية نفسها. قبل أن تعاود مارفن
المحاولة وتحاول سحبها بعيداً عنهم، لتدفعها آرتميس وتتراجع. تنظر لها بينما تغني:
"نُبنى من
معدن أقوى
مهما حاولوا
تركنا محطمين وممزقين
الأبطال لا
يولدون
نحن نُبنى!
"ندوب
على درعي
كل سكينة
قطعتنا مثل الشوك
الأبطال لا
يولدون!"
لقد كنت أفهم الكلمات، لكني لم أستطع ربطها
بالتي تغنيها. هي تقول أن الأبطال لا يصبحون هكذا منذ الولادة، وأنها وصلت لما
عليه بعد عناء وأنها من بنت نفسها بنفسها. لكن كيف؟ إنها آرتميسيا جولز... لقد
كانت مؤهلة لتصبح الملكة منذ الطفولة. إذاً فماذا تعني بكلامها؟ هل هي تكذب وتمثل
المشقة التي مرت بها؟
التقطت مارفن السكين من على الأرض واقتربت من
أرتميس مجدداً، بنظرة غاضبة ومظلمة، وعندما حاولت طعنها أوقفتها يد آرتميس في
الهواء، بقبضة حول معصمها. صوتها كان عذباً وهي تتوقف في منتصف المسرح، تبدو
كآرتميس الإلهة وليست المراهقة، عيناها تلمعان وهي تغني:
"لقد جعلتِني بطلاً!
عندما تركتني
للموت
كان يجب أن
تنهي ما بدأته، ولكن بدلاً من ذلك..."
من جواري نهض العديد
يصرخ في تشجيع، وهم محقين في فعل ذلك، فقد كان الأداء مذهلاً، وصوتها كالعادة يفوق
الوصف، ولكن كانت أروع ما قدمته عندما صرخت الكلمات الأخيرة وصرخ معها الجمهور:
"جعلتِ مني بطلاً!
عندما تركتني
للحرق
كان يجب أن
تنهيني قبل أن تنقلب الطاولة—"
كتّف الراقصون مارفن
وأمسكوا بها أخيراً، رغم مقاومتها. وابتسمت آرتميس وهي تشير لنفسها ولأصحابها:
"الأبطال
لا يولدون
نحن نُبنى!"
انتهت من الغناء
وبابتسامة واسعة نظرت للمدرجات التي كانت تصفق لها بحرارة أثناء التقاطها أنفاسها.
كنت الوحيدة الذي لم أنهض. لكني عندما استقمت لم يكن من أجل التصفيق.
"إنها
مذهلة." قالت فتاة من خلفي.
"أجل، لقد اختارت
الأغنية المناسبة. لا أحد يحب من يصل للقمة دون تعب، وهي أكثر مثال على الإجتهاد
بيننا، علي الإعتراف."
"أنت محق. أما
زلت تذكر عندما أتينا في البداية وكانت تأتي كل يوم للصف شاحبة وعيناها حمراوتان؟
لقد كانت بالكاد تنم، تتمرن طوال اليوم حتى وصلت لمكانها."
"أذكر ذلك. لقد
كانت تبدو متعبة وبحالة مزرية طوال الوقت. لقد كانت تدفع نفسها بقوة شديدة. لكن
ليس عليها فعل ذلك الآن، لقد حصلت على مبتغاها."
كان صوت الفتاة حالم
وهي تتنهد. "كم أتمنى لو أكن مثلها. إنها مثلي الأعلى."
عندما تركت مقعدي
وذهبت لخلف المسرح وصلت في اللحظة المناسبة لأرى آرتميس تندفع من خلال الستار
وتجري فوراً نحو أحضان أليكساندر الذي التقطها في الهواء. كانت تصرخ في حماس قبل
أن تستوعب شيئاً: "أنا أوسخّ ملابسك!"
لكنه لم يهتم وعانقها
بقوة، يغلق عيناه. "أنا فخور بكِ."
توقفت آرتميس فوراً عن
محاولة الإبتعاد عنه ولانت ملامحها قبل أن تبادله العناق. "لم أكن لأفعلها
لولاك."
"هذا غير صحيح.
ألم تقولي أنكِ مبنية من معدن أقوى؟" ضحك أليكساندر ضحكة بسيطة عندما لكمت
كتفه. "لقد أعجبني العرض فعلاً."
"بالطبع سيعجبك،
أيها الأبله،" اقتربت منهما مارفن وهي ترتدي سترتها لتغطي جسدها من البرد.
"لقد صممناه سوياً."
"لقد ساعدت
أيضاً!" هتف مالك من بعيد لتقلب مارفن عيناها قبل أن تنظر لأليكساندر بحاجب
مرفوع.
"ماذا؟ ألا أستحق
عناقاً أيضاً؟"
"عُلم وينفذّ،"
قال الصوت الجديد لتصرخ مارفن عندما رفعها آركيت فجاة واستدار بها وسط صرخاتها
التي انتهت بقهقتها قبل أن تقول. "حسناً حسناً أنزلني، أشعر بالغثيان."
أنزلها آركيت بحرص
لتقف على قدماها، لكن الدوار أصابها مباشرة وكادت تسقط لولا يده التي التفت حول خصرها
لمنعها. تحولت نظرة آركيت فوراً للقلق، لتلحظ مارفن وتبتسم. "أنا على ما
يرام. لقد تعبت من الرقص فحسب."
"حسناً! آركيت
التقط الصور الذي يحتاجها وأنا مهمتي هنا قد انتهت. لنعد لمقاعدنا فأنا أريد
مشاهدة باقي العروض. اليوم قد بدأ لتوّه!" قالها مالك وهو يدفعهم من الباب
الآخر ليعودوا للمدرجات.
لكنني قررت عدم العودة
وانتظار عرضي. فجأة لم أود رؤية أي عرض آخر.
----------------
كنت أرى القليل من الجمهور في المقدمة
يحاولون رؤية أي شئ على المسرح لكن الأمر كان صعباً من الظلام. من ضمنهم كانوا
الهرم الذين بدوا مهتمين وعلى رأسهم أليكساندر وآرتميس... مائلان للأمام بحاجبين
معقودين في محاولة لرؤيتي من الظلام الدامس.
فرغت فاهي وبدأت كلماتي الأولى:
"المعركة
قادمة الآن
الغضب يهز
الأرض
لقد جئت لأخذ
تاجي
أنا أرتفع
وقلبي ينبض
سواء كنت
مستعدًا أم لا ، فإن الساعة في العد التنازلي..."
بدأ البعض يهتفون، لكن التردد كان سادياً على
الطلبة لأني لازلت لم أظهر نفسي. ثم اشتعلت الأنوار ورفعت رأسي. عم الصمت القاعة
الواسعة فوراً، لترتسم ابتسامة على محياي وأنا أكمل الغناء:
" هذه هي لحظتي...
هذه هي
لحظتي!"
وعندما حركت قدمي للوراء شاهدني الجميع أنزلق
برفق على الجليد، قبل أن أصرخ كلمات الأغنية وأقفز في الهواء، لأهبط بعدها بلحظة
على رجل واحدة في سلاسة وذراعي الأيمن في الهواء. وهنا بدأ الصراخ. فقد أدركوا أن القاعة قد تحوّلت إلى ساحة
ثلجية بيضاء. شاهدت العديد يقفزون من مقاعدهم وأنا أكمل
التزحلق على الجليد، أغني بأعلى ما لدي وأنا أقدم استعراضي تحت تصفيقهم.
"وو، لقد ولدت للعظمة
وو، أسطورة يتم
صنعها
عميقًا في
عظامي، أنا أعلم
أنني البطل!
وو، تعال
وحاول أخذه
كل شيء يتوقف
على هذا و
عميقًا في
عظامي، أنا أعلم
أنا، أنا
البطل!"
وبينما كنت أستمتع
بالإثارة والحماس الذي خلقته على المسرح، انفجرت أرضية القاعة بالعديد من الأنوار
الخيالية، تضيئ الساحة التي أنزلق عليها، وتعالت صيحات الجمهور وتصفيقهم بشكل
متزايد. وسط هذا الجو الحماسي، بدأت أضيف حركات إضافية بينما أحافظ على ثبات صوتي
وأنا أغني الكلمات التي تعلو في القوة مع كل ثانية تمر، مما زاد الحشد حماساً.
"أنت تعلم
أنني أبحث عن الدماء
أشعر بالخطر
أنا فقط لا
يمكنني الحصول على ما يكفي..."
أحرك ذراعاي جواري
بينما أتزحلق للوراء وأغمض عيناي عندما أصمت، لأدور حول نفسي قبل أن أكمل التحرك
حول الساحة الكبيرة. كان عرضي هذه المرة خالياً من أي طالب آخر، وكان التركيز علي
تماماً. ولم يكن الموضوع صعباً، فأنا على عكس أغلب الطلبة لم أرتدي ملابس مختلفة ومخصصة
للعرض. بل التزمت بزيي المدرسي، وكلما أعطيت الجمهور ظهري كان اسمي على السترة
السوداء كل ما يرونه.
سترتي الذهبية كانت
تطاير مع حركاتي السريعة وانزلاقي السلس على الجليد، وغنائي الذي ملأ القاعة كان
يمتزج مع حماس الجمهور الذي ملأ قلبي بحماس من نوع آخر، وابتسامتي كانت واسعة وأنا
أقوم بشئ قد هجرته من حياتي القديمة. التزحلق على الجليد كانت هواية أقوم بها مع
أبي منذ الصغر، حتى كبرت وأكملتها بنفسي عندما أصبح أبي أكثر انشغالاُ، ولكنني
تركتها تماماً عندما فقدت والدي. لكن ها أنا الآن.
ها أنا.
تحوّلت المسرحية إلى مشهد
ساحر ومذهل، حيث تلاقت الألوان والأضواء بطريقة جميلة، وتناغمت حركاتي الراقصة مع
الأنغام الموسيقية. وفي لحظة من الزمن، قفزت في الهواء لأدور حول نفسي بينما يتابع
الجمهور بتركيز شديد، ويصفق بحماس.
كانت حركاتي تتسارع تزامناً مع علوّ الموسيقى
والكلمات، استعداداً لإنتهاء الأغنية. وفي نفس الوقت كانت تنخفض إضاءة المسرح أكثر
وأكثر في كل مكان. من ناحية المدرجات ومن حول المسرح، ما عدا من المؤثرات الضوئية
التي ألقت الضوء على الثلج وقدماي وهما ينزلقا عليه. أخبرني آجاكس أن المشهد ساحر
في مخيلته، لأنني وسط كل هذا سأبدو كالبجعة السوداء على الثلج، ولقد اعتمدت عليه
أن يكون كذلك.
ركضت على الحلبة
الثلجية وأنا أصرخ بعلوّ الكلمات حتى أتوقف في منتصفها وأرفع يدي، أغني الكلمات
التي تهدأ تدريجياً حتى وصلت للمقطع الهادئ تماماً، ومن حولي انخفض صوت الجمهور
ليستمعوا:
"أنا أعرف
إلى أين أتجه
لقد تم اختياري
لن أنكسر أبدًا
أنا البطل!"
انزلقت مجدداً حتى توقفت في مقدمة الساحة،
بالقرب من حافتها أمام الصفوف الأولى من المردجات، صوتي علا أكثر مما وصلت به من
قبل، أختبر حدود قوّته. كان الضوء الأساسي المثبت علي يومض وينطفئ بسرعة مع ومضات
الأغنية التتي تتقطع. وهذه المرة لم أترك مكاني، أوصل الأداء الغنائي للجمهور
الصامت ويدي على بطني تساعد التحكم في خروج صوتي من صوتي قبل أن أخرجه من رأسي وهو
يعلو أكثر فأكثر على الكلمة النهائية: (الصمت)
"اصطدام العمالقة
ومعركة العمالقة
خذ لحظة من الصمت..."
من خلفي كنت أعلم أن كلمة بطل قد أضاءت على
الثلج عندما بدأ بعض التصفيق. تمتلئ وكأن الضوء يزحف داخل زجاجة فارغة داخل الثلج حتى
ملأ الضوء الأسود الكلمة كلها، تصبح واضحة لكن من هو جالس في المقاعد، تزامناً مع
توقف الموسيقى للحظة وأنا أهمس الجملة:
"أنا البطلة."
انفجرت الموسيقى وهي تعود وانفجر صوتي معها، أغني
أقوى أغنية وأصعبها تحدياً من ناحية قوة الصوت وأنا أصرخ بأعلى لدي الكلمات. تراجعت
للوراء وتبددت كلمة بطل السوداء من تحتي وكأنني أمسحها بحركاتي. وعندما أعطيت
الجمهور ظهري رفعت كلا ذراعاي جواري وبدأت سترتي تضيئ بعدة أضواء بسيطة من على
الأكمام وصولاً لكتفاي، وكأنها أجنحة. ورغم ظني أن صوت الحشد لا يمكن أن يتصاعد
أكثر—هذا تماماً ما حصل. لكنني لم أصغي لعويل الجمهور—رغم أنه كان أعلى مني شخصياً—غارقة
في غنائي ورقصي وتحركاتي.
"وو، لقد ولدت للعظمة
وو، أسطورة يتم
صنعها
عميقًا في عظامي،
أنا أعلم
أنني البطل!"
ابتسمت للسماء وأنا أعصر صدري مغنية. ثم فعلتها: قفزت في الهواء لأدور ثلاث
مرات قبل أن أهبط على قدم واحدة. لقد تناسيت مشاكلي وغرض العرض. نعم لقد كان الغرض
منه التألق والقيام بشئ جديد. أن أثبت أنني أستحق لقب الملكة من آرتميس. أن أتفوق
على كل العروض وأضع اسمي في المقدمة معهم. أن أقترب من هدفي أسرع. لكنني كنت
مستمتعة. كنت أستمتع بكون الساحة لي وحدي، أتحرك فيها بحرية وأملأها بأفكاري،
وأشارك الجميع صوتي. كنت أستمتع بالقيام بشئ وددت القيام به قبل ثلاثة أعوام عندما
كنت أنوي الإلتحاق. ظانة أنها أكاديمية فنون ليس إلا. وها أنا كنت... أقدم فناً
للجميع.
"وو،
تعال وحاول أخذه
كل شيء يتوقف
على هذا و
عميقًا في
عظامي، أنا أعلم
أنا، أنا
البطل!"
عدوت بحذائي إلى
الأمام في الساحة، قبل أن أنزلق باقي المسافة، مستديرة به للجنب حتى توقفت بسرعة،
ليحتك نصل الحذاء في الجليد، فشكلت حول ساقي غيمة من الجليد. تنفست بقوة ونظرت إلى
الحشد، كان صوت ضربات قلبي في أذناي أعلى من
الجمهور، ولكن على الرغم من ذلك نظرت للمدرجات حيث الجميع كان واقفاً يصفق. حتى
الهرم—مما فاجئني. وقف مالك أولاً وخلفه نهض آركيت كذلك يبتسمان باتساع وهما
يصفقان بحرارة، ترددت مارفن قليلاً قبل أن يمسكها آركيت من جوارها ويرفعها من
كتفها، لتتعرقل قبل أن تقلب عيناها وترسل ابتسامة بسيطة فقط نحوي. ذهب بصري لآرتميس بعدها التي أخفضت رأسها
وقبضت يدها أمامها على السور التي كانت تميل عليه، وحركة من جوارها جعلت عيناي
تذهب لأليكساندر سريعاً لأشاهده وهو يستقيم ببطء بوجه خال وعيناه مثبتة علي.
مرت لحظة قبل أن يبدأ تصفيقه، منضماً للحشد.
ولكن ملامحه لم تتغير حتى أخفض يده اليمنى ووضعها على كتف آرتميس التي كانت تخفي
وجهها ويبدو عليها الهزيمة. وشئ حيال المشهد كله اعتصر صدري في شعور غريب.
كانت الأضواء المشعة
خلفي تجعل من الصعب رؤية باقي وجوه الجمهور في المدرجات العليا، ولكن الصدمة
والاستمتاع كانا هناك. معظمهم كانوا يصرخون، والجميع كان يصفق، يقفزون من مقاعدهم.
لقد
رأيتها في وجوههم آنذاك. لقد استمتعوا برؤية عرضي كما استمتعت بتقديمه. كان هذا
أعلى تصفيق شهدته منذ وصلت للأكاديمية. أعلى حتى من تصفيق أليكساندر في العرض
الإفتتاحي. والأطول. لأنني وبعد أن التقطت أنفاسي، وانحنيت لهم تبعني التصفيق حتى
وأنا أستدير وأتزحلق للستار، أختفي خلفه وأبدأ بنزع الحذاء. ظل معي حتى وصلت
للغرفة الخلفية التي تحضرت بها.
وجدت آجاكس فيها أولاً، ومن الإبتسامة على
وجهه وهو ينهض علمت أننا نجحنا.
"كان هذا أجمل أداء بصري شهدته في
حياتي."
ألقيت الحذاء وأنا لا زلت ألتقط أنفاسي واقتربت منه. كنت لا
أزال أفكر في ردة فعل آرتميس، وكأنني سرقت اللقب منها بالفعل، وكيف أنني لم أكن
سعيدة كما توقعت. وكيف واساها أليكساندر وهو لم يبتسم مشجعاً لي بل اكتفى بإعطاء
رأيه كمغني وعارض لآخر.
رفع آجاكس لوح آيباد أسود بيده وأراني
الشاشة. اقتربت لأجدها لائحة الرقص، والتي قد تصاعد اسمي فيها عشر أسماء ليهرب نفس
حاد مني. لقد صرت ضمن العشرة الأوائل.
"ينقصك عرض واحد آخر. أنا متأكد أنه كل
ما تحتاجين."
بللت شفتي وأنا أستوعب كلامه. "ماذا عن
الغناء؟"
أغلق آجاكس اللائحة وضغط عدة مرات على الشاشة
قبل أن يريني إياها مجدداً، كان اسمي معلّم عليه باللون الأحمر وأمام عينانا بدأ
يتحرك. تجاوز بضعة أسماء فقط قبل أن يتوقف. العشرون.
"لا تدعي هذا يحبطك." قال آجاكس
عندما رأى ملامحي قبل أن يغلق الشاشة فتصبح سوداء. "ستصلي للمرتبة التي
تريدينها في أقرب وقت."
"لا أريد الإنتظار كثيراً."
شبح ابتسامة ظهر على محياه وهو يخفض الآيباد.
"الصبر."
قلبت عيناي وتنهدت. "لا يزال لدي
التمثيل على أية حال. علي أن أفكر في كيف سأستخدمه في العرض القادم."
"العرض القادم هو عرض رأس السنة."
ذكرني. "يجب أن يكون أفضل عرض لكِ على أية حال. أفضل من جميع ما قدمتيه من
قبل. إنها منافسة شرسة."
على كلمة منافسة تذكرت شيئاً لأجفل.
"يجب أولاً أن يختارني الأساتذة في تلك المواهب لأقدم عرضاً."
"سيتم قبولك." قال في خفوت وهو يعطيني ظهره ويبتعد.
"ولما أنت متأكد هكذا؟"
"اسم عائلتك." همس دون أن ينظر
إلي. "هذا سبب تركيز الأساتذة عليك. الأكاديمية تهتم بأكبر العائلات الغنية
في العالم."
"لكنني لم أعد كذلك." همست أيضاً.
"ربما." قال. "لكنهم لسبب ما يهتمون،
رغم ذلك."
♪♪♪♪♪
"هل رأيت عرض ديانا البارحة؟ يارجل كان هذا أجمل عرض شهدته في حياتي!
أتصدق!"
"أجل! فكرة أن تقدم عرض تزلج؟! كيف لم
يفكر بها أحد من قبل؟"
"كم بدت جميلة أيضاً..." قالت فتاة
بصوت حالم. "أرأيت صورتها التي التقطها آركيت هوود؟ ياللهول إنها تحفة
فنية."
"بل رأيتها! إنها الخبر الرئيسي على
الشاشة في قاعة الإستقبال والكافتيريا! والعرض يتم إعادة عرضه منذ البارحة."
"يارجل كم تبهرني بعروضها كل مرة. كم هي
موهوبة..."
"أوافقك...هناك شئ مختلف دوماً
بعروضها."
كان حديث اليوم التالي كله عني. صور عرضي
تملأ موقع الأكاديمية وشاشات العرض حيثما ذهبت، وأثناء الفطور كانت صورة مذهلة لي
معروضة على الشاشة الرئيسية التي تملأ الحائط.
كان التقطها آركيت بنفسه ونشرها. وعندما
رأيتها أول مرة توقفت عن التنفس أمامها. فلقد وقعت في حبها.
لقد كنتُ في منتصف الهبوط من قفزة آكسل
الثلاثية، لا أزال في الهواء وقدمي خلفي، تنورتي الذهبية تلمع تحت الإضاءة الواحدة
لأن الخلفية سوداء وأنا الشخص الوحيد الذي
كان مسلط عليه الضوء. عيناي كانا مغلقان، وذيل حصاني يطير خلفي مع رأسي المرفوعة
للسماء. وذراعاي معي، واحد فوق رأسي والآخر في مستوى الأرض.
لقد كانت صورة ساحرة.
استدرت وعلى محياي شبح ابتسامة لأتجمد عندما
وجدت أليكساندر يقف عدة أمتار مني، يحدق في الصورة الثابتة ورائي. لمعة غريبة كانت
في عيناه وهو يشاهد الصورة الكبيرة وفمه مفتوح قليلاً، ولكنه عندما شعر بتحديقي
وأخفض بصره لي تصلب مكانه. ملامح الإعجاب اختفت في لحظة وأصبح وجهه خالياً تماماً،
ولكن التردد امتلكه وكأنه على وشك قول شئ، ليقرر بعدم فعل ذلك ويستدير. يرحل نحو
طاولة الهرم.
كانت جرايس تهنئني طيلة اليوم، وتوبخني بأني
لم أخبرها بشأن فكرة العرض ، ولكن الأستاذة ديماس كانت الأكثر إعجاباً. فلقد قضت
الصف كلّه تتغنى في جمال العرض وأنها طوال سنين تدريسها لم ترى تزحلق على الجليد
ممزوجاً بالرقص والغناء من قبل. بالنسبة إليها أني عبقرية للتفكير بذلك. بأنه أجمل
عرض ساحر رأته.
الأستاذ آفين قام بتهنيء جميع المغنيون في العرض،
قائلاً أنه سهر طوال الليل يشاهد العروض التي تم تصويرها ليدوّن الأخطاء التي
اقترفناها ليمليها علينا اليوم. وهذا ما فعله طوال الصف، حتى وصل لاسمي.
"ديانا، هذه اول مرة تغني أغنية قوية،
وعلي الإعتراف كان هذا مبهراً. عرضك من العروض التي أعجبتني لأني لاحظت أنكِ تحبين
التغيير بين عروضك، ولا تتبعي نفس النمط لفترة طويلة. لكن المشكلة أن صوتك اهتز
كثيراً أثناء القفز والرقص. هذا لم يحدث من قبل بذلك الشكل الملحوظ مع الأغاني
التي تعتادين غنائها. لذلك نصيحتي لكِ أن تتدربي أكثر على الجمع بين غناء الأغاني
التي تشكل تحدياً والرقص لتتحكمي في ثبات صوتك."
أومأت ثم انتقل بعدها ليوهان لي.
كذلك مر صف التمثيل بعدها بفونتانا يذكرنا بأنه
محبط فينا أننا لا نؤدي أفضل ما لدينا، مركزاً على أنه سيختار من سيمثلوا الموهبة
في عرض رأس السنة في الأسابيع القادمة عن طريق عدة اختبارات سيضعنا بها حالما تعود
الفرقة الفائزة برحلة منشأة رويال منها.
"أجاكس، أثق أنك ستتقدم للتمثيل بعرض
رأس السنة. أنت متغيّب عن الساحة منذ مدة وأنا لن أقبل هذا. أريد رؤيتك تؤدي
عروضاً بنفسك لا أن تساعد غيرك فقط."
وبخه فونتانا وللحظة ظننت أن عيناه ذهبت لي
قبل أن ينظر لباقي الصف. "الإختبارات ستبدأ الأسبوع القادم بعد عودة زملائكم.
ومن يحصل على أعلى تقييم سيستنى له التمثيل في عرض رأس السنة. هذه العروض يتم
الإشراف عليها من قبل جميع الأساتذة، لذا لا أحد سيقدم فكرة إلا إذا تم الموافقة
عليها منا. عرض رأس السنة ليس مجرد عرض تقديم، إنها أكبر مسابقة سنوية. كل موهبة
يتنافس مقدميها على المركز الأول. إنها مسابقة تستمر ليومان، من اليوم واحد
وثلاثون ديسمبر إلى الأول من يناير. بعد تحديد الفائزين من كل موهبة في اليوم
الأول سيقدموا سوياً عرض واحد كامل شامل كل المواهب، لختام الحفل. لا تنسوا أننا
سنكون متواجدين وعائلاتكم كذلك والناس المهمة في الأكاديمية. لذا قدموا أحسن ما
لديكم."
التوتر كان عالياً في الجو كلما تم ذكر
العرض، فالكل كان يأمل في الحصول على مكان، لأنه أهم عرض في السنة كلها، ويقولون
أنه أول عرض قام به أول من ارتدوا الأكاديمية عند افتتاحها، فهو تقليد عريق في
الأكاديمية يعرّف الجميع عن عظمة المكان، ولهذا هو بهذه الأهمية. لقد سمعت حتى أن
له قاعة خاصة به، في مبنى آخر. لكني لست متأكدة بعد.
عندما حان وقت الغداء كانت صورتي لا تزال
معروضة وكل فترة تتغير الصورة ويتم عرض أفضل لقطات لعروض البارحة، لأشاهدها جميعها
مجدداً. عرضي كان من ضمنها بالإضافة إلى أليكساندر وآرتميس.
كلما تم عرض صورتي مجدداً تحت عنوان
"حديث اليوم" كان الكل يعيد الحديث عنه ويسألني عن أشياء ويذكر ما
أعجبه.
حتى في منتصف الغداء سمعت صوت آرتميس لأول
مرة منذ أول اليوم:
"هذا يكفي!"
عم الصمت الكافيتريا
فوراً على صيحة آرتميس وتصلبت جرايس من جواري. ببطء رفعت رأسي نحو طاولة الهرم
عندما نهضت وبدأت تندفع نحوي. "أفصحي عن سرّك، بريف."
أخفضتُ قطعة الخبز الذي كانت في طريقها لفمي لطبقي وتركت
مقعدي، أقابلها في منتصف القاعة في هدوء.
"ماذا تعنين؟"
التوت شفتاها الحمراء. "أين تدربت قبل المجيئ هنا؟ مهارتك تماثل
مهارات من قضوا كل حياتهم هنا. يستحيل أن تكون كل هذه موهبة. أنتِ تصممين رقصات،
بحق كل شئ. هذا ليس شيئاً ينبع من الفطرة. أنا حظيت بتدريب أقسى من آيدول كوري لأصل
لما أنا عليه. ماذا فعلتِ أنتِ حتى تصبحي هكذا؟"
أبقيت ملامحي خالية تماماً وأنا أعقد ذراعاي
سوياً تحت صدري. لم يغب عن نظري أن الجميع كان يتابع
حديثنا، وعقب سؤال آرتميس أصبح الجميع فجأة مهتماً بالإجابة، وخصوصاً طاولة الرقص
على يميني. "ربما أنا فقط أفضل منكِ، جولز."
نظرة اشمئزاز اعتلت وجهها، لتتجاهل تعليقي
وهي تكمل الأسئلة: "أين كان
تدريبك؟ هنا أم بالخارج؟"
"ماذا؟"السؤال جعلني أرفع حاجباً.
"بالخارج، صحيح؟ أنتِ تدربتِ على يد أساتذة مهرة."
"ماذا تريدين
من ذلك؟"
"كيف؟ كيف لكِ أن تبرعي في كل شئ وأنتِ لم تتمرني.
هذا مستحيل. أنتِ تخفين شيئاً."
"أجل." قال صوت من يميني ليقفز قلبي في صدري
على سماع صوت جانوس لأنظر له. كان يعطيني نظرة حادة لم أتلقاها منه من قبل. لقد
اعتدنا الرقص سوياً والتمرن في الصف، لكنه مؤخراً أصبح ملتصقاً بفريق آرتميس حتى
رقص في عرضها. "أنتِ تقدمين عروض وحدك كذلك. فرصة لم يتلقاها أحد منا منذ
التحقنا بالأكاديمية. أنتِ... تغشّين."
سقط قلبي على اتهامه وعندما لمحت نظرة التردد حول باقي
الراقصين من حوله على الطاولة لم أصدق عيناي. انفكّت عقدة ذراعاي من تحت صدري
وأخفضتهما لجوار جسدي. "أنا لا أغش."
جملتي جعلتال همسات تتصاعد حول كل الطاولات لأنظر حول
المكان وأشهد الشك يملأ الوجوه. راقصة من طاولة الرقص تحدثت من يميني أيضاً. إبوني.
"لكنكِ تغشين مع الإدارة. ربما بينكم عقد ما ولهذا تُعاملين بهذا
التفضيل."
منذ ساعات فقط كان الجميع يتحدث عني وعن عرضي. ونفس الشئ
كان يحصل الآن والهمسات أصبحت أصواتاً واضحة وأنا أسمع كل اتهام يُرمى نحوي من كل
طاولة. في عدة كلمات قالتها آرتميس غيرت نظرة الجميع إلي فوراً. والآن الكل يشكك
في قدراتي والإتهامات تنهال علي من كل صوب وحين:
"كيف نعلم أنكِ من تؤلفين تلك العروض حتى؟ ربما
لديكِ مساعدة خارجية!"
"إنه ليس عادلاً! لما لا نستحق عروضاً خاصة بنا
كذلك؟"
"لما هي؟ نحن أعلى مرتبةً منها ولكنها دوماً في
المقدمة! إنها محتالة!"
"لستِ سوى طالبة منحة وضيعة!"
"لا أحد يحترمك." قالت آرتميس فجأة لألتفت
لها. كانت تقف بطولها الشاهق مرتديةً كعبها العالي وهي فخورة بما يحدث. ابتسامة
جانبية زينت شفتها. "أنتِ لم تفعلي شيئاً لتكسبي احترامهم. وهذه
مشكلتك."
من طرف عيناي
لمحت جرايس تشرع في النهوض من مكانها لأشير بسرعة يداً لها لتلزم مكانها. إن كانت
سمعتي ستتدمر اليوم فلا فائدة من تدمير شخص آخر.
"أظن أنها قد نسيت نفسها، آرت."
سخر صوت أنثوي لاذع مألوف، لتنضم مارفن بابتسامة شريرة لصديقتها وتقف أمامي. لاحظت
ما بيدها متأخراً عندما ألقته. "لما لا ننعش ذاكرتها قليلاً إذاً؟"
لوّحت مارفن كوب العصير اللزج في وجهي لينهمر
العصير البرتقالي عليّ قبل أن ألمحه. فتحت فمي في صدمة عندما غطى شعري ووجهي
وملابسي في لحظة. عندما اشتعلت عيناي في غضب واندفعت نحوها، انفجر فجأة ألم لاذع
في فروة رأسي.
أمسكت آرتميس بشعري وشدتني نحوها حتى لا أصل
لمارفن. جفلتُ في ألم من سحبة رأسي، وحاولت دفع يدها بعيدًا، لكنها دفعتني بقوة إلى
الأرض. وسط ضحكتها هي ومارفن.
سقطت للبلاط، بيداي
أمامي ليتلقيا وطأة السقوط. بسبب ذلك، وجع مرير انبثق في ذراعي الأيمن
ليتهاوى من تحتي وأسقط باقي المسافة بصرخة.
"ديانا!"
بصعوبة ومن بين الألم الشديد تناهى إلى
مسامعي صرخة جرايس لاسمي. لكني لم أكن أستطع التنفس من خلال ألم ذراعي.
"انظري حولك.
الناس معجبون بك الآن، لكنهم سيكرهونك غدًا. أنتِ لم تفعلي شيئًا لصالحهم، لذلك
سيرى الجميع ذلك. . حتى لو
هزمتني، لن يقبلوكِ أبدًا كملكة. لقد كنت معهم طوال حياتي. ساعدت وكافحت وتدربت
معهم. لم يكن هناك أبدًا منافسة بيني وبينهم، وعندما نجحت ووصلت لمكاني، رحّبوا في
ملكةً لهم. ولكنكِ تهتمين فقط بنفسك..."
كان المكان يدور من حولي، وطرف بصري يُظلم،
وأنا أشعر بغياب بأشياء لزجة تلطخ ملابسي وتسيل داخلها، وتضرب جلدي المكشوف. كان
الجميع يرميني بالطعام...
لم يغب عني أن جرايس وحدها من أتت لمساعدتي،
لأنها من أقسمت على التضحية بحياتها من أجلي. ليس يارا، وليس آركيت ولا مالك. وليس
أليكساندر. ولا حتى آجاكس...
هكذا هو الحال عندما تسقط من أعلى قمة. إنك
تسقط وحدك دوماً.
بصعوبة شديدة تمكنت
أخيراً من رفع رأسي، ونظرت حول الأعين التي تتربص بسقوطي، وعندما لامستني جرايس
استجمعت ما تبقى بي من قوة ودفعتها عني، أبعدها. سمعت صوت سقوطها دون أن ألتقت
لها، عندما جثت آرتميس في تلك اللحظة أمامي لتتقابل عينانا أثناء ارتعاشي، وابتسمت
ابتسامة جميلة، تنهي كلامها:
"أنت هنا من أجل
اللقب، بريف، ليس من أجل الشرف."
كان هذا آخرما سمعت قبل أن أفقد الوعي.
ليش القفله هذي اههه تحزن ديانا
ردحذفوالبارت ولا غلطه🩵🩵🩵
تعبت من ديانا كل شوية تاخد علي قفاها و تسكت و يبقي منظرها💩💩 مش بتاخد اي خطوة قدام خالص
ردحذفتاخد على قفاها !!! بتسكت !!!! شكلك مش بتشوفي نفس الرواية اللي بنشوفها
حذفطب ما هي فعلا معملتش اي رد فعل من اول الرواية؟ شكلك انتي الي بتقرأي رواية تانية
حذفاععععععععععععععععع تحفهههههههههههه
ردحذفيعع ارتي كرييه كل ماتعاطفت معها خربتها الزفته ، ديانا ياديانا متى تخلينها تاخذ حقها وتنتقم منهم وياليت ماتخلينها تخون جرايس لانها ماتستاهل
ردحذفنفسى ولو لمره أشوف ديانا بتهزق أرتميس وتاخد حقها منها وتضربها يجماعه أنا فاهمه الناس ألى بتبرر لأرتميس بس لحد هنا وستوب مش مبرر خالص انها تضربها يعنى أحنا مش ف حضانه
ردحذفالا جرايس لا يصير لها شي 😔
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفبعيدن عن كرهي لضعف ديانا هنا حته لو رادت تضرب آرت الهرم بيوقف بوجها عكس ديانا مافي احد معها وانا بصراحه اكره إلكساندر اصلا م احس انه يحبها دايم يسكت لما يعترضولها اي حب ذا؟ من غير علاقته بآرت حته م فرح بعرض ديانا... أما أجاكس انا ابد م اثق فيه واحس وراه بلاوي وأسرار
ردحذفمارفن لو ماجاها كف من ديانا انا بجي اعطيها كف فيها تناقض عجيب
ردحذفمدري ارحمها والا اكرهها
فيه بارتات مو موجوده؟ فين القاهم ابغى اكمل الروايه
ردحذفتعي خاص ع الواتباد تبعي راح ابعثهم لج @Khadooj776
حذفماقدرت ابعثلك رسالة
حذفالبارت ١٨و١٩و ٢٠ مش موجودين
ردحذفممكن يكون اجاكس هو اللى كان بيعتدى بالضرب على لازيلدا
ردحذفاليكس شاكه ف كلامه مره مقدر اثق فيه
ردحذفواجاكس داهيه واضح كذاب ووراه شي
والاثنين علاقتهم في بعض مو حلوه
ابو ديانا له يد ف الاكاديميه
ردحذفافين قال ل ديانا كل ماعرفتي كل ماتأذى احد
ردحذفمعقول اليكس يتعاقب بسبب ديانا ؟
احب جرايس ذكيه و نبيهه
ردحذفعشقي الى هذي الروايه لا توصف كل مره اقول مستحيل بني ادم يبدع اكثر من كذا تصدمني تسبيح في كل بارت ينزل. شكرا لك تسبيح على هذا الجمال شكرا لانك رجعتي لنا ما اعرف اوصف مشاعري اتمنى وصل لو جزء بسيط منه بنتظارك بصبر وحماس
ردحذفديانا اقوى شخصيه قريتها في حياتي حقيقه انه مع كل الضغط و المعاناه الي واجهتها في حياتها و الى الان تواجهها الا انها صامده وما استسلمت لا الومها على الضياع الي هي قاعده تعيشه كل شي كذب في كذب و اسرار في كل زاويه من زوايه الاكادميه. انا مب في فريق اليكس ولا اجاكس كلهم لهم دخل سواء مباشر او غير مباشر على الي قاعد يصير
ردحذفليش تأخرتي😔
ردحذفيستفزني سكوت ديانا لماتنضرب من ارت 🙂
ردحذفبحاجة إلى قرض، اتصل على WhatsApp: +91 (923) 356-1861. لقد حصلت على الألغام منهم. إنهم موثوقون للغاية.
ردحذفشكرًا.