التخطي إلى المحتوى الرئيسي

٢٩ I الغابة

29 "الغابة" وقفت   متسمرة مكاني لدقائق عاجزة عن الكلام، أحدق بظهر أليكساندر والصمت حليفنا. حتى تحرك فجأة صوب الحمام المفتوح وهو يخلع قميصه. توسعت عيناي على ظهره العاري ولكنه توجه للحوض وعيناه علي من خلال المرآة وبدأ يمسح بعنف على صدره. “ ماذا تفعل؟ ”   بدلاً من أن يجيب هو استمر بالفرك في عدة أماكن مختلفة بقميصه ثم استدار. لم أكن مستعدة لما قابلني، وعندما أغلق الصنبور وخطا لي تراجعت للوراء. “ ولآخرة مرة سأقولها، ديانا آركان، وهو أنكِ الوحيدة التي لا تملك ما تخسره. ولذلك نحن لا نساعدك ولا نجيبك ونتظاهر بالجهل. لقد  سئمت. ”   استطرد واستمر بالتقدم وصدره المشوه يحدق بي. كان يختاجلني شعور غريب لم أفهمه وأنا لا أستطيع رفع بصري عن الحروق والكدمات التي ملأت أركاناً كثيرة من جسده. “ سئمت منهم ومن التنقيب عن الأسرار والأهم من ذلك سئمت من نفسي. هم يتحكمون بي وكأنني دمية معلقة بخيوط وأنا أشعر بأني محاصر. أنتِ لا تودين العبور لناحيتنا. ” تجاهلت جملته الأخيرة. “ إنهم يهددونك بنقطة ضعفك. ” ابتسم ابتسامة ساخرة ولكن بائسة. “ والمثير للضحك في الأمر أنني نفسي لم أكتشف ما هي نقطة ضعفي س...

٢٨ I رويال

 

28

"رويال"

 

"هيا الكمها."

بدأت أول دمعة تترك عين الطفل ذات الخمس سنوات. لم يبك عندما كان يبرحه والده ضرباً بل بكى على هذا الأمر. هز رأسه مراراً وتكراراً ليهوى كف الأب على وجهه بقوة. ارتمى الصغير على الأرض مباشرةً.

"تعلّم أن تتحكم بمشاعرك أيها الوغد! هيا اضربها!"

رفع الصغير رأسه ونظر لوالده من بين دموعه. "لكنها أمي..."

"إنها ليست سوى المرأة التي جلبتك لهذه الحياة. إياك وأن تحمل لها أهمية في قلبك. ألم تقل أنك تكره حياتك؟ انتقم منها إذاً!"

"كلا كلا كلا..." شهق الصبي في البكاء وبدأ ينتحب عندما نهضت أمه من مكانه ليهدأ فوراً وهو يشاهدها تقترب. لقد ظن أنهما سيتركاه الآن لكن الأم توقفت أمامه وأعطته نظرة خائبة.

توسعت عيناه عندما انغلقت قبضتها الحادة حول شعره ثم بدأت تسحبه خلفها على البلاط. "كم أنت ضعيف. يالك من وغد مثير للشفقة." استمرت بسحبه خلفها ودمعت عينا الصبي أكثر من الألم الذي يحرق فروة رأسه وهو يحاول مقاومتها وإبعاد يدها.

"أمي! أمي ماذا تفعلين؟"

كانت أول مرة تتدخل والدته في تأديبات والده، ولم يعلم الصبي ما يتوقفه عندما استمرت بسحبه خلفها حتى وصلا للحمام. عندما أفلتت شعره أخيراً جلس على البلاط يمسح دموعه في تردد عندما توقف والده على عتبة الباب وعقد ذراعيه أمام صدره في ضيق. فورما سمع صوت الماء قادم من خلفه استدار الصبي ليجد أمه تملأ حوض الإستحمام بماء ساخن.

"إنه ليس حماماً، أيها الوغد." بصقت الأم وهي تغلق الصنبور بعدما امتلأ الحوض بمياه تغلي. شاهد الصبي البخار يتصاعد منها وقلقه يزداد. "التهاون معك لن يجدي نفعاً بعد الآن."

"أمي—"

"توقف عن النحيب!" صرخت المرأة وارتد صوتها بين جدران الحمام بقوة أخرست الصبي فوراً.

انحنت أمامه ورفعت قميصه في حركة عنيفة وذهب بصرهما فوراً للعلامة التي لا تزال حمراء على جلده فوق قلبه. ذلك الرقم الروماني الذي أجبراه والديه على وشمه رغم ألمه. "أترى هذه؟"

أومأ الصبي واستنشق. أكملت الأم بابتسامة مسننة. "إنها علامة تُعطى للأمجاد فحسب. أنت أمامك إرث عظيم ينتظرك، إن لم تستعد له ستحرج والديك اللذان عملا جاهدين على إبقائه."

لم يفهم الصبي لماذا سيحرجهما، ولم يفهم لما يفعلان كل هذا. لم يكن يعلم بعد أن هذه مجرد بداية عذابه، فقد سحبت أمه معصمه الأيمن فجأة ووضعت يده في الماء المغلي.

صرخته هذه المرة كانت أقوى من قبل، خرجت متحشرجة وهي تقتلع حلقه من مكانه على الوجع الذي ضربه.

"حاذري. لا نريد جروح دائمة." ذكّرها زوجها من الباب في برود وهو يستنشق سيجاره.

ضحكت المرأة بجنون ورفعت يد الصغير بسرعة. "ياله من شئ مؤسف."

كان جسد الصبي يرتعش بأكمله من الألم، وأصابعه الصغيرة تنتفض وهو ينظر للإحمرار الرهيب الذي يغطي يده اليمنى. توقفت دموعه عن الهطول لأن عقله ركّز كل شئ صوب الألم الذي يعمي جميع حواسه الأخرى، عندما فجأة أمسكت أمه بشعره.

عندما أدرك ما كانت على وشك القيام به عاد له وعيه وبدأ في الصراخ... بل العويل وهو يحاول مقاومة سحبها له للحوض الكبير. أحرقه حلقه ولكن صراخه لم يتوقف، كان يتوسلها، يبكي لها بأن تتركه، بأن تعفو عنه. حاول وعدها أنه سينصت لهما من الآن فصاعداً ولن يخيب ظنهما. حاول الترجي ولكن توسلاته وقعت على آذان لا تصغي.

اضطرت الأم شد شعره بقوة بسبب مقاومته لدرجة أن عدة خصلات قد اقتلعت من فروته ولكنها نجحت بتقريب وجهه للمياه الساخنة، وعندما نظر الصبي للماء العكرة تلوّى تحت قبضتها القوية أكثر لدرجة أن عدة قطرات لامست بشرته... وأحرقته. صراخه هذه المرة زاد رعباً ولكن الأم كانت قد اكتفت لتضغط رأسه مرة واحدة وتغطّسه في المياه.

كان ألماً لا مثيل له. الصبي شعر وكأن كل عصب في وجهه يشتعل. لوهلة ظن أنه يحتضر. أنها نهاية بؤسه أخيراً. ولكن والدته سحبت رأسه في آخر لحظة.

لم يستطع الرؤية جيداً، وكان يترنح لولا قبضة أمه على رأسه التي جلبته منها لينظر لها عندما انخفضت لتصبح في مستواه. عندما نظر لها من خلال الضباب كان بحقد عظيم. لم ينظر لها على أنها أمه، التي فشلت في حمايته من أي خطر. بل نظر لها على أنها شخص غريب، شخص يكرهه بكل ما جلبه قلبه للشعور به في هذا السن.

ابتسمت الأم عندما لاحظت هذا. "والآن اضربني."

لم يتردد هذه المرة عندما انقض عليها. أفرغ جميع مشاعره في محاولة محو تلك الإبتسامة السعيدة عن وجهها ولكنها أبت أن تخفيها عن ناظريه. ذلك آلمه أكثر من أي شئ آخر ليصفعها بقوة، لتضحك باستهزاء على مشاعره الفياضة، فيصفعها مجدداً.

تركت الأم شعره أخيراً وسقطت عدة خصيلات شقراء من بين أصابعها قبل أن تهوى بكفّها على وجنته ليتمالك نفسه. توقف الصبي مباشرة عن الهيجان ووقف يشهق أنفاسه المتسابقة ولكنه لم يستطع التحكم في ضربات قلبه المتلاحقة ورؤيته التي كانت تهتز.

نظر لوالدته نظرة عابرة قبل أن يفقد الوعي.

شاهد الأب جسد ابنه الضئيل وهو يرتطم بأرض الحمام قبل النظر في ساعة يده. "علي حضور الإجتماع الآن. أحضري له الطبيب للتأكد أنه لن يحظى بحروق مستدامة وسأهتم أنا به غداً."

"لا تعجبني مشاعره الفياضة تلك." قالت المرأة في تقزز. لم يهتم أحدهما بتفقد الولد أو حمله من على البلاط البارد، كانا يحدقان بهيئته الصغيرة فحسب وكأنه مشروع غير مكتمل.

"ولا أنا." تنهّد الرجل واستقام من عتبة الباب، يستعد للرحيل. "ولكنه أفضل صبي وُلد لدينا منذ أجيال. سنكسر ذلك الضعف منه عوضاً عن ذلك."

 

----------------

"هل أنتِ بخير؟"

سؤال آركيت كان هادئاً، خافتاً وهو ينخفض في المقعد المجاور لي. أسرعت بإلقاء حقيبة ظهري على الكرسي قبل أن يتسنى له ذلك ليتجمد مكانه.

شعرت بتردده رغم عدم توجيه رأسي ناحيته وأنا أستمر بالنظر من خلال نافذة الطائرة. كنت أجلس في مؤخرة طائرة رويال ا السوداء بعيداً عن باقي الطلاب الذين تجمعوا في مقدمة الطائرة وهم يلعبون ويغنون أو يتناولون الطعام. منذ حدث البارحة وعندما استيقظت في المشفى صباح اليوم لم أكلم أحداً. اكتفيت بتجهيز حقائبي وانتظار السيارة التي ستقلني للمطار وحسب.

لم أرى جرايس عندما استيقظت في المشفى. في الحقيقة أنا قد استيقت لأجد نفسي وحيدة وبلا أثر للطبيبة حتى. ولكن بينما أنتظر السيارة التي ستقلني للمطار في باحة انتظار الأكاديمية أمام بوابة صَن ظهرت جرايس مسرعة. تصلب كتفاي عندما لمحتها وتظاهرت بعدم رؤيتها. لكنها توقفت أمامي وأخذت تلتقط أنفاسها التي أعلنت على كونها كانت تركض لمسافة كبيرة. مدّت لي شيئاً لأنظر في فضول، وأجده هاتفي.

قبل أن أبدأ بالإتهام، أسرعت جرايس تفسّر: "لقد سقط منكِ البارحة والتقطه قبل أن يحملك أليكساندر للمشفى. كنت أعلم أنكِ لن تريدين أن يلتقطه شخص قد يعبث به أو يفتش عن شئ، لذا أبقيته معي. ا... أنا لم أفتحه، أقسم."

لم أقل شيئاً وتناولته من يدها وحسب، لتغير وزنها من قدمٍ لأخرى في تردد. "لم يكن مسموح بتواجد أي زائر معكِ في المشفى. لكن أليكساندر تشاجر مع الطبيبة ليجعلني أقضي الليلة معكِ. لكن كان علي الرحل في الصباح." فسّرت وكأني سألتها.

باشرتُ بالنظر في صف السيارات أحاول التقاط سيارتي التي لم تصل بعد. منذ دقيقتين كانت قد وصلت سيارة الليموزين الخاصة بأليكساندر لتقلّه هو وآرتميس. أما آجاكس فقد ركب سيارته مع مالك. مارفن تحركت في سيارة آركيت. لم يتبقى سوى سيارة يارا وباقي الشباب الذين معنا. أنا من ضمنهم. لم يحاول أحد النظر إلي أو الحديث معي منذ وقفت معهم على الرصيف أمام البوابة.

"كلميني إن احتجتِ لشئ. أو راسليني." قالت جرايس.

مجدداً عندما لم أقل شيئاً، بدلت وزنها للقدم الأخرى وألقت نظرة سريعة ليارا التي كنت أشعر بعيناها تتابعنا. "ديانا—"

"هلا توقفتِ عن الإلتصاق بي؟" صحتُ في نفاذ صبر فجأة، لتتفاجئ مني وتتسع عيناها. صوتي العالي جلب عدة أعين إضافية لنا. نظرت لها بحدة. "ألا تفهمين أنني لا أريد الحديث معكِ؟ اتركيني وشأني، يالكِ من مزعجة!"

النظرة في عيناها اقتلعت قلبي من مكانه، ولكنني لم أخف من حدة نظرتي لأزفر في انزعاج وأقابل السيارة التي توقفت لتوّها أمامي. توجهت لها وساعدني السائق على وضع الحقيبة داخلها دون أن ألتفت لأنظر لحيث تقف جرايس.

لم يكن حتى جلست في السيارة وتحركنا بها أن استرقت نظرة أخيراً لمكانها. ولكن عندما نظرت... هي لم تكن موجودة.

"نحن لا نستطيع التدخل أبداً، ديانا." قاطع أفكاري صوت آركيت فجأة لأغلق عيناي.

"لم يعد يهم ذلك بعد الآن."

"مارفن... إن الأمر معقد."

رفعت بصري للأمام عندما تناهى لمسامعي ضحكة آرتميس التي ملأت المقطورة الأمامية، لأجدها تلهو مع مارفن وحبيبة يوهان لي وتاتيانا. لم تبد إحداهما متأثرتان بما فعلا البارحة كما يحاول إقناعي آركيت. قبضت فكي عندما رفع أليكساندر رأسه من لعبة الشطرنج مع مالك فجأة وتقابل بصرنا. هو ظل يفعل ذلك طيلة الساعات القليلة التي قضيناها على متن طائرته: يسترق النظرات نحوي دون أن يقدم على فعل شئ أو ترك مكانه. في بداية الرحلة حاول آجاكس الحديث معي ولكن صمتي جعله يتركني ويذهب للأريكة ويحاول النوم عليها. لا يزال نائماً منذها.

"أخبرتك: لم يعد يهم." تحدثت أخيراً.

"لكنها ليست بذلك السوء. نحن لسنا كما تتصورين! كم أتمنى لو أستطيع—"

نظرت له أخيراً. "ماذا؟! أنت لست مديناً لي بأي شئ! أنا لست صديقتك، هود! ولست صديقة أي منكم!"

عم الصمت مباشرة على كل من بالطائرة وشعرت بالعيون تذهب إليّ عندما توقف اللعب بسبب صراخي. قبضت فكي مجدداً وأعطيت آركيت نظرة كريهة جعلته يستقيم واضعاً مسافة بيننا. "لا أجد الداعي من وقوفك هنا الآن تحادثني سوى أنك تشعر بالشفقة اتجاهي. وأكثر ما أكره آركيت... هي الشفقة."

صوت قهقهة مكتوم وصلني لأنظر فوراً لآرتميس التي كانت تنظر لكأسها الذي بيدها. "لو تكرهين الشفقة بحق لما التحقت بالأكاديمية. إنها ليست للضعيفين أمثالك."

"أشكرك على النصيحة، آرتميسيا. أتمنى لكِ مستقبلاً مزدهراً في القوة التي تدعينها إذاً." أخبرتها ببرود لتنزلق الإبتسامة من على ملامحها.

"حاذري نفسك."

"وإلا ماذا؟" بدأت أنهض في تحدِ عندما لمعت عيناها.

انصفع كأس آرتميس على الطاولة وهي تضعه بحدة وتستقيم، عندما اشتد الجو في المكان وتنحى آركيت وكأنه يستعد لتهدئتي كونه الأقرب إلي عندما تحدثت:

"لقد تركتك تدوسين علي مراراً في الآونة الأخيرة ولكني لن أتهاون معكِ مجدداً. ربما وقعة البارحة أعطتكِ ثقة زائفة في نفسك لأنكِ استغليت العدد الكبير ضدي، ولكن هذا لم يثبت سوى أنكِ ضعيفة وحدك."

نهضت آرتميس فوراً في ثورة. "يالكِ من م—!"

"لما لا نسوّي هذا في مبارزة؟" اقتحم الصوت الهادئ المكان لنتوقف في اندهاش قبل أن تتوجه جميع الأعين فوراً لآجاكس الذي قد استيقظ ويجلس الآن على الأريكة بدلاً من أن ينسدح عليها. نظر بيننا في هدوء ودون ملامح مقروءة وشعره البعثر أكثر من العادي يغطي جبهته وهي يتكئ مرفقاً على ركبته.

على نظرات الكل المستفهمة أشار برأسه للوح الشطرنج على طاولة مالك وأليكساندر. "مبارزة شطرنج بينكما. الفائز يتركه الخاسر طوال الأسبوع دون مضايقات ويعامله باحترام."

ضحكت آرتميس. "لا بد وأنك تمزح."

لكن آجاكس لم يضحك.

لمحت من طرف عيني الإهتمام يتلألأ في أعين البعض وهم يتبادلون الأنظار والإبتسامات وكأنهم يتراهنون بالفعل عن الفائز، فيما عدا يارا التي عبست، لكني ظللت أشاهد آجاكس في سكون حتى ذهب بصره لي واعتقلني فيه بعيناه الزرقاوتان. بعد وهلة طالت من التحديق فصلت بصري عنه أخيراً ونظرت للأمام حيث وقفت آرتميس تشاهدني بأعين ضيقة وهي تنتظر ردي.

عندما بدأت في الحديث—وكأن أليكساندر تنبأ بردي من ملامحي—تدخل فوراً: "لا أظنها فكرة سديدة. لننهي هذه المهزلة الآن."

لكن هذا لم يفعل شيئاً سوى جعلي حاقدة أكثر عليه وأريد فعل عكس ما يقول. "لماذا؟ هل أنت قلق على ملكتك أن تخسر؟"

احتدت عيناه للحظة وهو ينظر إلي قبل أن ينظر لآرتميس. "ليس عليكِ فعل ذلك. إن بلاك ضجر كما يبدو. هذا لن يثبت شيئاً."

ولكنه كان مخطئاً، فهذه كانت لعبة كبرياء. إن كسبت: أستعيد كرامتي التي تبعثرت في الوحل البارحة أمام الموجودين بالطائرة، وإن كسبت آرتميس: ستستمر في إثبات أنها الأفضل.

ولا بد وأن آرتميس كانت تدرك ذلك، لأنها تجاهلت أليكساندر وابتسمت بجمال نحوي وأشارت يداً للطاولة. "فليفز الأفضل، بريف."

"دوماً."

وهكذا انضممت لهم في المقدمة وجلست على الطاولة أمامها بعد أن تقدمت مضيفة طيران تزيل جميع الكؤوس من فوقها وتخلي مكاناً ليضع مالك لوح الشطرنج. اقترب يوهان لي من كتفي وهو يضع المؤقت ونظر بيننا. "استعدّا: ثلاثة، اثنان...ابدآ!"

فور أن ضغط المؤقت ولمحت آرتميس شبح ابتسامتي الذي هرب مني أن أدركت أنها قد خسرت بالفعل. لأنه لم يكن أن حركت آرتميس جنديها الأول وبدأت اللعبة، لم يستغرق الأمر مني عدة حركات إضافية لأفوز عليها.

ساد الصمت وأنا أضغط زر المؤقت أوقفه قبل أن أرتخي في كرسيِّ للخلف. من ردود الفعل تلك واضح أنه لم يتوقع أحد أن ينتهي الأمر بهذه السرعة. وفي الحقيقة، ولا أنا توقعت أن يكون الأمر سهلاً هكذا. توقعت أن تكون آرتميس نداً عنيداً قليلاً، ولكن الأمر كان محبطاً عندما لم ترى الفخ الذي نصبته لها بإحدى حركاتي الأولى.

"واو." قال مالك قبل أن يضحك ويضرب كتفي في حماس لأقبض فكي وأمسك رسغي تحت الطاولة. "لم تخبريني أنكِ بارعة في الشطرنج! لم أرى هذه الحركة من قبل! أوه، أود أن أرى مباراة بينك وبين ليكس وبشدة الآن. كم سيكون هذا شيقاً!"

قابلت عينا أليكساندر في تلك اللحظة قبل أن ينظر بسرعة لآرتميس التي لا تزال لم تبد أي ردة فعل. مال علي كتفي مالك لأتصلب وهو يهمس: "الشخص الوحيد الذي يبرع في الشطرنج حقاً هو ليكس. من شدة مهارته فيها هو يكره اللعب مع أي أحد لأنه قد تعب من الفوز كل مرة. بالطبع، أنا أتنمر عليه حتى يستسلم ويلعب معي. كيف لي أن أغلبه إذاً؟"

صوت ارتطام مفاجئ صدمني لأجفل عندما رمت آرتميس قطعة الشطرنج من يدها بعنف على الطاولة قبل أن تنهض. عندما أقدمت مارفن على النهوض خلفها أوقفتها بيدها وهي تقول: "سأخلد للنوم في الغرفة وحسب. أنا لم أنم منذ البارحة."

عندما غادرت تحت أعين الجميع ساد صمت غير مريح بعدها استرقت فيه نظرة لحيث جلس آجاكس على الأريكة البعيدة عنا. لمحت ابتسامته المنتصرة فوراً وهو يخفض رأسه، فيما تراجع بعدها في الأريكة في وضعية أكثر راحة عندما رفع بصره وأمسكني وأنا أحدق به.

لكنه لم يخفِ ابتسامته، بل رفع ذقنه وكأنه يقول: أحسنتِ.

أعدت انتباهي للآخرين عندما تكلم مالك. "هيا! مباراة أخرى بين ليكس وديانا!"

بسط أليكساندر شفتيه في انزعاج. "مالك—"

"لنفعلها." أشرت بذقني لمكان آرتميس الخالي قبل أن أعطيه نظرة تحدي. هو ظل يشاهدني لوهلة يحاول أن يفهمني قبل أن يسترق نظرة سريعة نحو الغرفة التي اختفت فيها آرتميس قبل أن يتحرك. ترك مقعده ونهض ليتوجه لمكان آرتميس أمامي. قمنا برصّ القطع مجدداً أثناء هدوء تام من الجميع قبل أن يضغط أليكساندر المؤقت.

بدأنا في اللعب، وكررت نفس حركاتي السابقة حتى اكتشفت أن أليكساندر يصد حركاتي.

ماذا—

"لن تستخدمي نفس الخدعة التي نجحت مع آرتميس معي. لقد رأيتها بالفعل." قال أليكساندر في هدوء قبل أن يشير للوح. "أود رؤية ما ستفعلين الآن."

قبضت فكي على عجرفته ولعبت الحركة التالية وظلت هكذا فترة، كل منا يكشّ الملك ولكن نتملص منها حتى اعترضني أليكساندر تماماً. ولم أجد مخرجاً.

توقفت في ذهول وأنا أنظر لحركته التي لم ألحظها قبل أن يقوم بها قبل أن يضرب أليكساندر المؤقت ويبدأ في النهوض متنهداً وكأنه محبط من لعبي.

"حسناً. لا بأس. كانت مباراة طويلة نوعاً ما مقارنة بالمعتاد عند اللعب مع ليكس." قال مالك وهو يحاول تخفيف الأجواء.

"اجلس." أوقفت أليكساندر عن النهوض تماماً ليتجمد مكانه. "لنلعب مجدداً."

"هذا غير ضروري."

"اجلس." أخبرته مجدداً وأنا أرفع رأسي له. نظر لعيناي عدة لحظات قبل أن ينضم صوت أكيرا لنا:

"هيا! هذا غير عادل! ديانا لم تكن تعرف طريقة لعب ليكس في حين أنه رأى لعبها مع آرتميس. لنرى ماذا سيحدث هذه المباراة!" صفقت أكيرا في حماس ونظر لها يوهان-لي في توبيخ بسرعة قبل أن يخفي ذلك بابتسامة وهو ينظر لنا ويدعم كلامها.

"أتفق معها. لما لا تعيدان اللعب على أرض عادلة؟"

لكن أليكساندر ظل واقفاً عدة لحظات أثناء انتظارنا له بأن يتخذ قراراً حتى استسلم أخيراً وقلب عيناه وعاود الجلوس. صفقت أكيرا في حماس عندما أعدنا ترتيب القطع وانضم لها مالك بصفيره لنبدأ مباراة جديدة.

هذه المرة طالت المباراة أكثر حتى غيّر أليكساندر من جلسته المسترخية ومال للأمام في كرسيّه عاقداً حاجبيه وهو يختار خطوته التالية. بسطت شفتاي في تركيز مماثل وأنا أشاهده في انتظار متوتر حتى ارتفعت زاوية شفته فجأة وحرّك وزيره. وخسرت مجدداً.

"مجدداً."

قلب أليكساندر عيناه مجدداً. "لا جدوى من ذلك. أنتِ بارعة، لكِ هذا. لكنكِ لن تهزميني."

رفعت عيناي له. "إذاً ماذا ستخسر إن لعبت مجدداً؟"

حدق بوجهي عدة ثواني حتى تنهد وأشار بيده للوح. "لكِ هذا، آنسة ديانا."

هذه المرة فاجئته من بداية المباراة بحركاتي، مما جعله يعقد حاجبيه قبل استراق نظرة سريعة لي. ثم لعب مجدداً، وهكذا استمرت المباراة لوقت طويل وصل لنصف ساعة زاد فيها التوتر في الجو عندما يكشّ أليكساندر ملكي وأهرب منها كل مرة لأفعل المثل به بعدها مباشرة. استمرت اللعبة هكذا عدة مرات نحرك بيادقنا حتى قمت بها أخيراً.

باغتُّه بوزيري من حيث لا يدري لأتراجع أخيراً في مقعدي بابتسامة منتصرة.

اختنق مالك على أنفاسه في صدمة وصرخت آكيرا في حماس وهنأتني تاتيانا، بينما نيرة رفعت حاجباً متفاجئاً من جوار فرانسواه الهادئ. ولكن عيناي لم ترتفع من على أليكساندر الذي ظل ساكناً يحدق بلوح الشطرنج وكأنه يحلل المباراة ليرى فيما أخطأ. حتى رفع رأسه أخيراً لأرى نظرة الإنبهار في عيناه، إلى جانب شبح ابتسامة بدأ يرتسم على ملامحه.

"لا أصدق عيناي! كنت أعلم أنكِ أهلاً لها، بريف!"

ضرب مالك ذراعي في حماس لأجفل هذه المرة وأخفض وجهي بسرعة، لأسمع دوى أليكساندر لحظتها: "مالك!"

تجمد الجميع في صدمة من صرخته وبعد أن هدأ الألم رفعت رأسي لأجده ينظر في تردد بيني وبين مالك الذي سأل: "ما الخطب، يا رجل؟"

"لا شئ...أنا متعب." قالها أليكساندر وفصل عيناه عني ونهض من مكانه. توجه للأريكة التي يجلس عليها آجاكس بوجه منزعج. "انهض. سآخذ الأريكة الآن."

"ولما قد أفعل ذلك؟" مشّط آجاكس شعره بعيداً عن عينيه وهو ينظر لأليكساندر.

"لأنها طائرتي وان حاولت اللعب بأعصابي سأرميك منها ونحن في الهواء."

"تعلم الطلب بأدب إذاً." رد آجاكس ولكنه استقام من على الأريكة عندما تمتم أليكساندر له وهو يتخذ مكانه ليتسلقى على الأريكة:

"ليس معك."


بعد خمس ساعات من اللعب تعب الجميع أخيراً وناموا، عدا آرتميس التي خرجت من الغرفة منذ ربع ساعة. كنت قد عدت لمكاني جوار النافذة في نهاية المقطورة، وآرتميس تجلس بمقدمتها في صمت بينما الليل قد حل من خارج الطائرة وهدأت أنوارها لتساعد النائمون في الإسترخاء.

لم يتحدث أحد منا منذ خروجها ولكني كنت أسترق النظر لها في فضول كل فترة، لكنها لم تغير من وضعيتها. كانت تجلس جوار نافذة ضامةً ركبتيها لجسدها بينما تريح رأسها على الزجاج وتنظر للخارج. كانت الإضاءة الصفراء تخفي بعضاً من وجهها ولكني أكاد أجزم أن ملامحها كانت حزينة.

"كيف حال ذراعكِ الآن؟"

فاجأني كسرها للصمت بغتةً ولكن ليس أكثر من السؤال نفسه. رغم كوني أشاهدها هي لم تبعد عيناها عن النافذة. فتحت فمي وأغلقته عدة مرات في تردد، فلم أفهم مغزى السؤال، ولكن نبرتها لم تكن متبجحة أو متكبرة، بل كانت صادقة.

"بخير."

أجبت أخيراً واستمريت أشاهدها ولكن ملامحها الحزينة لم تتغير... ولم تقل شيئاً إضافياً.

"أنا آسف، ديانا." صدر صوت مالك الأجش فجأة من مكانه على المقعد المقابل في الناحية الأخرى من الطائرة. كان يبدو أنه استيقظ للتو، من ملامحه الناعسة وشعره المبعثر. كانت وضعيته مماثلة لآرتميس في المقدمة ولكنه على عكسها كان ينظر إلي بندم. "لم أدرك أني آذيت ذراعكِ إلا بعد صياح ليكس بفترة."

"...حسناً، مالك."

أعطاني ابتسامة خفيفة قبل أن يعاود إرخاء رأسه على النافذة وإغماض عينيه ليستكمل نومه.

كانت مشاعري متخبطة، ولم أستطع تحديد مشاعري وأنا أعاود مواجهة المقدمة لأتفاجأ بعينا أليكساندر المنسدح على الأريكة تشاهدني. عندما كشفته نظر بعيداً قبل أن يعيد إغلاق عينيه، لأدرك أنه لم يكن نائماً طيلة هذا الوقت، لأن عينيه كانت يقظة تماماً، وأنه كان يتظاهر بذلك.

----------

وصلنا أخيراً بعد عشر ساعات كاملى، وكانت هناك سيارت سوداء خاصة تنتظرنا فور هبوط الطائرة في المطار. كنت أجلس في السيارة مع يارا وأكيرا. كلاهما كانا يتحادثان بشأن شئ لم أهتم لسماعه، وظللت أحدق خارج النافذة، حتى وصلنا.

توقفت الفتيات عن الحديث فور ظهور بوابات القصر أمامنا، وغلّف الحماس الجو. جلست في اعتدال وأنا ألمح أخيراً هيئة القصر العملاق من بعيد ونحن نقترب. كان الهيكل أبيض، مع الأزرق يغطي الأسقف. كان جميلاً. وعتيقاً. مزيج لم أظنه ممكناً حتى رأيت ذلك بعيناي. عندما استدارت بنا السيارة أمام البوابة الرئيسية كان حرف الراء الذهبي كبيراً جداً على منتصفها، وانتظرنا عدة ثواني حتى فُتحت البوابات أوتوماتيكياً لنا، قاسمةً الراء إلى نصفين وهي تُفتح.

كدت أكسر عنقي أنا والفتيات ونحن ننظر حول المكان. تمكنت من لمح مكان هبوط طيارة هيليكوبتر في مكان بعيد، ومبنى كبير آخر أدركت أنه الإسطبل.

"أهذا هو المبنى التجاري خاصتهم؟" سألت أكيرا في صدمة لننظر فوراً حيث تنظر. "إنه كبير."

كانت محقة. لكن أكثر ما شدني كانت الحديقة الشاسعة التي كانت تلتف حولنا في كل مكان. كانت تأخذ شكلاً ما متأكدة أنه يظهر فقط إن نظرت من أعلى. امتدات من أول البوابة وإلى القصر نفسه. والمسافة بينهما كانت كبيرة—استغرقتنا عشر دقائق كاملة بالسيارة.

توقفت السيارة مع السيارات الأخرى أمام القصر وبدأنا ننزل منها. لم أكن الوحيدة التي كانت تنظر حولها في انبهار. هذا لم يكن منزلاً. كانت هذه مدينة خاصة. أمام القصر مباشرة كان يوجد شجرتان على جانبينا مشكّلة على حرف الراء.

لقد ظننت أنني رأيت في حياتي بيوتاً فخمة. لقد عشت في قصر أيضاً. لكنه لم يقارن بكل هذا. هؤلاء الناس كانوا يحبون التفاخر. وبشدة.

"يا رجل، هل تعيش هنا حقاً؟" سأل زاكاري وهو ينظر حول المكان. بسطت شفتاي وأنا أشاهده يرفع كاميرته ويلتقط بعض الصور للمكان.

"هل تنوي استخدام هذه طوال الرحلة؟" سأله أليكساندر بحاجبين معقودين وهو ينضم إليه بعدما ترك السيارة. نظر زاكاري للكاميرا بيده واسترق نظرة ليوهان-لي قبل أن يواجه أليكساندر مجدداً:

"بالطبع. أنا المسئول عن توثيق الرحلة ونشر الصور على موقع الأكاديمية."

بسبب هذا لم يقل أليكساندر شيئاً وبدأ ينظر باتجاهي عندما التفت بسرعة لأكيرا التي اندفعت من خلفي ليوهان-لي وشدته من ذراعه. "زاك! التقط لنا صورة أمام المكان!"

ابتعدت عن طريقهم وشاهدت الخدم يظهر لحمل الحقائب من السيارات قبل أن تتحرك السيارات مبتعدة.

"لما الوجه العابس؟" اقترب مني آجاكس مرتدياً نظارة شمس سوداء. اضطر أن يحني رأسه لي حتى لا يسمعنا أحد.

"أشعر أن هذه مضيعة للوقت."

وضع جيبه في بنطاله واستقام ينظر للآخرون وهم يلتقطون الصور سوياً. لم يكن يرتدي أحد زي الأكاديمية ولهذا كان الجميع يقف في ملابس متنوعة. من فستان آرتميس القصير إلى بذلة آجاكس السوداء بالكامل كانا الوحيدان في ملابس فاخرة. لكن آجاكس لم يكن يرتدي الجاكت، واكتفى بقميص أسود وبنطال أسود.

"ربما أنتِ محقة. لكن اعتبريها إجازة وانسي خططك للآن واستمتعي." رفع نظارته وهو يلتفت لي ليغمز بعينه الزرقاء. "لديهم حمام سباحة لا مثيل له."

ابتسمت وعاودت النظر أمامي عندما تمتم أليكساندر في انزعاج وأخبرنا بأن نتبعه أخيراً. بدأنا أخيراً في التحرك خلفه وانضمت إليه آرتميس لألحظ التردد على محياها وهما يتبادلان نظرة بينهما، قبل أن يمسك أليكساندر بيدها ويعتصرها.

تسلقنا السلالم العريضة جميعاً وسط حماس البعض وصمت البقية. لم يقل آجاكس شيئاً إضافياً ولم أحاول أن أقيم حواراً آخر حتى وصلنا لباب القصر المفتوح، وجواره أحد الخدم ينحني لنا وهو يدعونا للداخل.

عندما دخلنا المنزل أخيراً وجدنا أنفسنا نقف فوق حرف راء كبير في البلاط حوله دائرة. أخذ الشعار نصف القاعة تقريباً، وكان تحت ثريا عملاقة امتدت من السقف العالي حتى فوق رؤوسنا مباشرة.

"ابني الوحيد! وأخيراً!" صوت كعب عالي يطرق على البلاط أتى قبل صوت المرأة العذب، لنلتفت جميعنا نحو السلالم المستديرة لنرى امرأة فائقة الجمال في فستان أبيض يعانق جسدها تهبط السلالم. كان شعرها بنياً ومنسدلاً خلف ظهرها في تموجات بسيطة وحول عنقها عقد من الألماس يلمع المسافة كلها التي اتخذتها حتى وصلت أخيراً أمام أليكساندر.

أفلتت آرتميس يد أليكساندر عندما أمسكت المرأة وجهه بكلتا يديها. "حبيبي، تبدو شاحباً للغاية. ألا تتعرض للشمس كفاية؟ هل توقفت عن التمرين؟ أنت تعلم كم أن صحتك شديدة الأهمية، لا نريدك أن تبدو—"

"أنا بخير، أمي." تمتم أليكساندر من بين أسنانه وحاول تخليص نفسه من مسكتها المحكمة، لكنها انهالت عليه بالقبلات، مما جعل آجاكس يطلق صوتاً ساخراً من جواري.

"من كان يصدق أن أليكساندر مدلل؟" مزح يوهان-لي ولكن لم يشاركه المزاح سوى أصدقائه. أعضاء الهرم لم يضحكوا. في الحقيقة، فور رؤيتهم لوالدة أليكساندر سقطت ابتسامتهم جميعهم، خصوصاً آرتميس.

على ذكرها، لاحظتها والدة أليكساندر أخيراً تقف جوار ابنها لتتوقف وتنظر لها، ابتسامتها متجمدة على محياها. ببطء استقامت المرأة في شموخ وكان كعبها يعطيها طول على آرتميس التي بدت قصيرة أمامها، رغم كونها طويلة في الطبيعي. "آرتيميسيا. أنتِ هنا."

"أهلاً بكِ، آنسة آنستازيا."

"آنا." صححتها والدة أليكساندر في برود، قبل أن تقرر أن آرتميس لا تستحق كل هذا الإهتمام منها لترخي راحة يدها بخفة فوق قلبها وهي تنظر إلينا أخيراً. غطّت خصلات شعرها عينها اليمنى لتزيحها بيد رقيقة وناصعة البياض، أظافرها طويلة وجميلة ككل شئ آخر بها.

"مرحباً بكم في منزل عائلة رويال. أتمنى أن تستمتعوا بينما أنتم هنا،"  قالت وهي تحرك عيناها بيننا حتى وصلت إليّ. لم يقف بصرها عليّ سوى ثانية قبل أن يتحرك مجدداً. ولكن ليس قبل أن ألحظ لمحة الحكم على محياها وهي تناظرني من أعلاي لأخمصي، وكأنها تتفقد إن كنت أنتمي فعلاً هنا. قبضت فكي وقررت أنها لا تختلف شيئاً عن الطلاب المتعرجفين حولي.

رغم ثراء والدي لم يتعالى على أحد أو يتصرف بعجرفة. لقد كان يحترم الجميع سواسية وليس بناءً على حسابهم في البنك واسم عائلتهم. تجاهلت ترحيبها بأصدقاء أليكساندر وعندما بدأت تعانق أعضاء الهرم حتى وصلت لآجاكس جواري، تسحبه في عناق طويل لأنظر حولي حتى أتجاهلهما. في تلك اللحظة بالذات أسرع شئ فجأة يجري تحتي لأنتفض بصيحة وأنا أبتعد.

تسبب هذا في تعرقلي لأسقط للبلاط وسط الفراء الأبيض الذي قفز بسببي قبل أن يتوقف أمامي ويحدق بي بأعين خضراء حائرة. حدقت بالهرة الفضولية وهي تشاهدني بالمثل بأعين واسعة من الصدمة حتى وجدت أليكساندر يصفق لها:

 "لوسي!"

وكأن الهرة تعرفت على صوته مباشرةً التفتت حيث وقف بابتسامة واسعة لتعدو بسرعة باتجاهه. لم تكد تصل إليه حتى بدأت تتسلق رجله وساقه وصولاً لصدره وهي تموء بشدة، مما جعل أليكساندر يضحك بخفة ويحتضنها لصدره. "لقد افقتدتكِ أيضاً، لو."

استمرت القطة في المواء وهي تحاول الإقتراب منه أكثر وشمّه، حتى دفنت رأسها في عنقه ليرفعها أليكساندر قليلاً على كتفه ويربت عليها ويفركها ويغلق عيناه، ابتسامته الواسعة تنير وجهه بأكمله لأول مرة.

"هل أنتِ بخير؟" فاجأني آجاكس بسؤاله لأرمش من شرودي وأتجاهل يده الممتدة وأساعد نفسي على النهوض، فقط لأستقيم وأصبح وجهاً لوجه مع والدة أليكساندر التي كانت لا تزال تلتصق بآجاكس وهي تشاهدني بشفة ملتوية. على القرب كانت أجمل بكثير، كعارضة أزياء. لم يكن هناك عيب واحد فيها، بدءاً من وجهها وحتى قوامها الممشوق. لم يبد عليها سنها ولم توجد تجعيدة واحدة على وجهها. لقد كانت مثالية. ورأيت بعضاً من أليكساندر في عيناها العسلية.

فصلت آناستازيا تواصلنا البصري بعدما سحبت ذراعها من حول آجاكس والتفتت للبقية. "هنالك حفل كبير بعد غد في القصر احتفالاً باستحواذ جديد قام به زوجي، وأنتم مرحبون بالحضور طبعاً! هيا، لا شك في أنكم متعبون من الرحلة وتريدون النوم قليلاً. سيقودكم الخدم إلى غرفكم الآن.

فوراً، اقترب منا بعض الخدم وبدأوا في ارشادنا أعلى السلالم المستديرة، مفسرين في الطريق هيكل المكان، قائلين بأننا الآن في الجناح الشرقي حيث توجد جميع غرف الضيوف وغرفة السينما والمسرح. أما غرف العائلة متواجدة في الجناح الغربي مع الجيم وأشياء أخرى كثيرة جعلتني أفقد التركيز وأركز على تصميم المكان بدلاً من سماعها. لقد كان المكان فخماً، بقطع أثرية وحديثة، السلالم كانت عليها سجادة حمراء امتدت حتى للدور الذي توقفنا فيه. كانت الردهة عريضة وطويلة، على الأقل تمتلك عشرون غرفة، ومن كلام الخدم أن هنالك أدوار أخرى مماثلة. كلها للضيوف. هذا ما يزيد عن المائة غرفة، شئ جعلنا نرفع حاجبنا في تعجب. استرقت النظر للخلف لأجد أن آرتميس وأليكساندر ليسوا معنا.

ولا بد وأن آجاكس لاحظ ليفسّر: "غرفهم في الجناح الغربي."

هذا جعلني أنظر إليه سريعاً. ماذا تفعل آرتميس في الجناح الخاص بالعائلة؟ "كيف هذا؟"

"آرتميس صديقة أليكساندر المقربة منذ أعوام، وكانت تأتي معه كثيراً في الإجازات. حتى وفّر لها أليكساندر جناحاً مثل جناحه بالقرب منه."

شعور غريب اختلج صدري لأعاود متابعة الخدم في صمت.  بعد شرح بعض الأساسيات بدأوا يقودوا كل منا إلى غرفته الخاصة، لأتبع خادمة قصيرة وفي منتصف عمرها إلى غرفة بباب بني. "هذه غرفتك، آنسة ديانا."

أومأت لها ثم شكرتها لتنحني وترحل. التفت للباب أفتحه عندما قابلني آجاكس بابتسامة خفيفة من الباب المجاور. "أظننا جيران الآن."

"أظن ذلك." لم يكن آجاكس ضمن مهجع الغناء، لهذا هذه المرة الأولى والوحيدة التي نتشارك غرفاً قريبة. التفت أنظر حول باقي الغرف لأرى مارفن في الغرفة المقابلة لي وجوارها آركيت. كانا يتحدثان خارج غرفهما بخصوص شئ ما قبل أن تتثائب مارفن وتفرد ذراعها ليضحك آركيت ويربت على شعرها.

"اخلدي للنوم الآن، سنتحدث لاحقاً."

هذا جعل آكيرا تلتفت لنا من جوار يوهان-لي من أقصى الردهة، غرفتهما قريبة من زاكاري، بينما غرفة مالك تجاور يارا التي وقفت بحاجبين معقودين من تلك الترتيبة. هذا أثار انزعاجي كذلك عندما لاحظت ما حصل معها. إن اختيار الغرف مقصود، ولكن لما وضعوني بين آجاكس وزاكاري؟

"لاحقاً سنغطس في حمام السباحة! لا أريد سماع اعتراض! فلنحظى بقيلولة ونتقابل على حمام السباحة! هيا، لا يزال اليوم في بدايته! نيرة لا تعطيني هذا الوجه! سننام لساعتين اثنين فقط ثم نتقابل حسناً؟" هتفت آكيرا في حماس، تقفز مكانها بينما ذراع حبيبها يوهان-لي ملتف حول خصرها.

نظر ثلاثة الهرم فيما بينهم عدا آجاكس حتى هز مالك كتفيه. "علي الإعتراف حمام السباحة اللا متناهي هو أكثر ما أفضل في هذا المكان. يجدر بكم رؤية المظهر الذي يطل عليه، إنه أفضل عشر مرات حتى."

صرخت آكيرا في حماس على موافقتهم ويارا تنهدت قبل الولوج لغرفتها، يلحقها زاكاري الذي قال أن عليه تفقد أن معداته قد وصلت جميعها بسلام ليختفي داخل غرفته. انقلبت معدتي وأنا أشاهده يغلق بابه على يميني خلفه. لم أكن مرتاحة بهذه الترتيبة. لم أكن مرتاحة لما ورائها.

"ماذا عنكِ؟" سأل آجاكس بعدما أغلق الآخرون أبواب غرفهم خلفهم لألتفت له.

"أنا متعبة قليلاً. لم أنم جيداً."

"ألن تنضمي إلينا إذاً؟"

قضمت شفتي في تردد. "هنالك شئ علي رؤيته أولاً، ثم سألحق بكم بعدها."

لمع الإهتمام في عينا آجاكس الزرقاء، وعقد ذراعيه أمام صدره في تركيز جديد. "وماذا هذا؟"

ابتسمت قليلاً وأنا أستعد لدخول غرفتي. "مكان اشتقت إليه."

 

♪♪


وقفت في منتصف إسطبل الأحصنة بابتسامة بلهاء وأنا ألقي نظرة على جميع الأحصنة المتنوعة في مكانها. كان يوجد الكثير، فصائل وألوان مختلفة وفريدة من نوعها، ولم أستطع الإختيار بينهم.

جذبتني أخيراً حصانة ناصعة البياض في آخر الإسطبل وهي الوحيدة التي كانت هادئة، تقف مكانها وتناظرني بأعين فضولية. سرقت أنفاسي مباشرة وبدأت أتخذ خطواتي باتجاهها. "كم أنتِ جميلة."

فركت رأسها لتميل معي لتتسع ابتسامتي وشعور نسيته يملأ صدري على المشهد. أوه كم افتقدت هذا.

فتحت بابها وخطوت داخل مكانها قبل أن أمد يدي لفرشاة الحصان المعلقة على الحائط جوار باقي الأدوات. بعدما أخذتها بدأت أفرّش على جلدها لتبدأ في الصهيل. هذا جعلني أضحك.

"تحبين الأحصنة؟"

التفت بسرعة على صوت أليكساندر لأجده يقف على باب الإسطبل واضعاً يديه في جيب شورته. كان يرتدي ملابس مهيئة للسباحة، شورت أسود وتشيرت واسع أبيض، مشابه للتشيرت الذي كنت أرتديه. وهذا ما لاحظه أليكساندر فور التفاتي، فقد كنت أرتدي التشيرت الكبير الذي وصل لركبتاي ولا شئ آخر. فتحتَه كان زي السباحة الخاص بي، والذي كنت أشك أنني سأظهره اليوم.

قبض أليكساندر فكه فوراً والتصقت عيناه بجسدي قليلاً قبل أن يتنحنح ويرفع بصره.

أعدت اهتمامي لتمشيط شعر الحصان. "في منزلنا القديم كنت أمتلك حصاناً نشأت معه منذ صغري. امتلكته منذ كنت طفلة عندما كان مهراً. ولكن بعد وفاة أبي وخسارتنا للمنزل، كان كل شئ آخر أمتلكه راح ضحية ممتلكاتنا، واستحوذت عليه الحكومة مع كل شئ آخر."

سمعت خطوات وهو يقترب. "ماذا كان اسمه؟"

"روسيل."

"اسم... مميز."

هذا جعلني أقهقه قليلاً. "لا تحاول مجاملتي. لقد كنت صغيرة حينها."

هذا جعله ينضم إلي بقهقهة عميقة قصيرة جعلتني أسقط ابتسامتي وأنظر للفرسة بدلاً منه. "إسمها بلوسوم." قال أليكساندر وهو ينضم إلي في النظر لها. "هي المفضلة لدي."

التفت له في تفاجؤ. "هي فرستك؟"

أومأ ومد يده يمسح عليها. "نصف الأحصنة هنا ملكي. هي الأسرع والأجمل بينهم."

"هي جميلة بالفعل." وافقته.

التفت لي فجأة عندما خطرت له فكرة، عيناه تلمعان في حماس. "أتريدين التسابق؟"

شعور غريب اعتصر صدري، لأتوقف عن مداعبة الحصان وأنظر له جيداً، في برود. "هل تظنني غبية، أليكساندر؟"

اختفت اللمعة من عينيه فوراً. "كلا."

"إذاً لما تتعامل معي وكأن شيئاً لم يحدث؟"

عندما لم يجب تركت الفرشة من يدي تسقط للأرض بصوت، مما فاجأ الفرسة لتتحرك قليلاً، فيتابعها أليكساندر بينما أتقدم له دون أن أبعد بصري عنه. "أنت لم تعتذر للآن. أنت مثل تلك الخبيثة آرتميس، ترتكب الخطيئة وينظر من حولك للجانب الآخر."

ملامحه احتدت. "اتركي آرت خارج الموضوع."

هذا أضحكني. "يالك من لطيف وأنت تدافع عنها." اقتربت مجدداً وأخفضت صوتي. "أخبرني الحقيقة، أليكساندر، هل ضاجعتها؟"

اعترى الغضب ملامحه في ثانية وعندما استعد جسده اندفعت قبله ألقيه للحائط. اهتاجت الأحصنة في أماكنها من الضوضاء. الضربة جعلت أليكساندر يفيق من غضبه ولكن نظرته الحادة لم تختفي، وقبض فكه بقوة عندما تحدثت. "لقد أصبحت عدوي منذ ظهرتَ على حقيقتك، رويال."

ضربت أنفاسه وجهي، ورغم كوني أحاصره وهو أكبر مني فهو لم يدفعني عنه. "لديكِ عادة في تصديق كل ما تسمعينه."

"وأنت لديك عادة في عدم قول أي شئ." شددت على عنقه بحافة ذراعي أكثر. "أخبرني بما أصدق أكثر، الكلام والفعل، أم الصمت؟"

عندما انقبض فكه في صمت مجدداً ارتفعت شفتي في ابتسامة ساخرة قبل أن أفلته بحدة أخيراً وأتراجع.

"عد لي عندما تسترجل وتصبح مستعداً لإخباري بحقيقتك، رويال. حينها سنرى من أصدق."


♪♪♪


وصلت لحمام السباحة قبل أليكساندر، الذي تركته في الإسطبل مع أحصنته. شكرت الخادمة التي دلتني على الطريق وتوقفت لحظة أمام باب الحمام الشفاف أنظر من خلاله للحمام الكبير الذي امتد لمسافات حتى عيناي لم تلتقطها جيداً. لكن في منتصفه كان الهرم يسبحون سوياً بينما البقية وحدهم يلعبون أو يتسابقون. خطوت للخارج وذهبت لإحدى المقاعد المفرودة والتي كانت عليها منشفة جاهزة كباقي المقاعد.

لم يلحظني أحد لأشاهدهم جميعاً يمرحون ويصرخون سوياً في صمت. أردت الإنضمام إليهم أكثر من أي شئ، ولكن أصابعي ذهبت بتردد لأطراف قميصي. لم أكن مستعدة بعد لخلعه، ليس أمام أحد.

كانت آرتميس في بكيني أسود يبرز جمال جسدها وهي تتحدث مع مارفن التي كانت في لباس سباحة من قطعة واحدة أحمر. كل الفتيات كانت في ملابس سباحة مماثلة لهما، ولكني الوحيدة المترددة من إظهار جسدي. قبضت أصابعي وأنا ألمح آجاكس يسبح مع نفسه بعيداً عن الآخرون. عكس باقي الفتيان لم يخلع قميصه الرمادي وكان يسبح فيه مراراً وتكراراً. كان سباحاً ماهراً، ذراعاها يضربا المياه في عنف كل مرة وهو يسبح، غارقاً في عالمه الخاص.

"ليكس! وأخيراً!" صرخ البعض من المياه وهم ينظروا خلفي.

التفت فوراً لأرى أليكساندر يتقدم بوجه بارد نحو طرف حمام السباحة. لم يعيرني أي انتباه وهو يتوقف فوراً ويرفع تشيرته فوق رأسه في حركة واحدة ثم يلقيه على الأرض. فرغ فاهي من جرائته وأنا أحدق بظهره المنحوت بالعضلات قبل أن أبدأ في ملاحظة الجروح العديدة التي تزينه.

بعضها كانت كدمات حديثة، ولكن الأغرب كانت الندبات القديمة التي لم ألحظها سوى الآن تحت ضوء الشمس الواضح. شعرت بأعين علي لأرفع عيناي وأجد أليكساندر يشاهدني في ملامح فارغة قبل أن يناديه مالك وآركيت ليلتف ويقفز في المياه.

غطيت وجهي من المياه التي انتشرت بسببه كوني قريبة من المسبح. ولكن اللعين لم يهتم وسبح فوراً نحو أصدقائه دون النظر خلفه مرة. تنهدت واستقررت في مقعدي وأخذت أشاهدهم وحسب.

كنت أشعر بأن هذه الرحلة مهزلة. بينما يمكنني في ذلك الوقت التدريب والتخطيط لأن أعلو بترتيباتي ها أنا ذا أجلس على حافة مسبح مع بعض الأشخاص لنلهو. لم يكن لدي وقت لهذا. لقد مضت شهور منذ التحقت بالأكاديمية ولا زلت لم أعثر على شئ يذكر. كنت أعلم فقط أن المفتاح يكمن في انضمامي للهرم. إن وصلت لمستواهم قد أحصل على الحقيقة أخيراً.

لكن، وبينما أنظر إليهم وهم يستمتعون مع بعضهم البعض، كل من المجموعتين أصدقاء بدأت أفكر في جرايس. رفعت هاتفي وذهبت إلى رسائلي لأتفاجأ برسالة منها أرسلتها لي قبل نصف ساعة:

(كيف الحال عندكِ؟ إن أردتِ يمكنكِ الإتصال بي في أي وقت J ).

تكونت غصة في حلقي وأنا أحدق بالرسالة، في تردد مما أفعله. صوت الضحكات والصرخات المازحة كان يملأ المكان من حولي بينما أنا جالسة بعيداً وأبدو مثيرة للشفقة. لم أشعربالوحدة هكذا من قبل. ولم أصدق أنني اشتقت لجرايس.

"بريف ألن تنضمي إلينا؟" صاحت آكيرا فأرفع رأسي في تفاجؤ لأراها تقف في المسبح مبتسمة وحولها أصدقاؤها الذين توقفوا ونظروا نحوي.

"لا أظن ذلك!" هتفت بالمقابل.

"هيا، ولما لا؟! أنتِ الوحيدة التي لم تقفز بعد!"

دون وعي قبضت طرف التشيرت الذي أرتديه. "لا تهتمي لي!"

"كفاكِ عناداً، بريف،"

هذه المرة لم يكن صوت آكيرا، ولم يأتي من المسبح، بل من خلفي، عميقاً وينتمي لذكر. قفز قلبي في حلقي وأنا أسارع في الإلتفات له لكن مالك باغتني عندما رفعني من مكاني فجأة لتتوسع عيناي وهو يسرع بي نحو المسبح. كان لا يزال مبتلاً لأدرك أنه خرج من المسبح دون أن ألحظه وتسلل خلفي.

"زيدان! أقسم إن لم—!"

"تبدين في حاجة ماسة لتهدئة أعصابك." ضحك وتجاهل مقاومتي له ومحاولة التملص منه، في نفس اللحظة التي انضم إليه فرانسواه يساعده في حملي من قدماي وهو يشاركه المزاح عندما صعد من المسبح مسرعاً.

سقط قلبي وانتشر الهلع في أوصالي وتوقفت عن المقاومة في لحظة عندما تبدّل المشهد من حولي. لم تكن السماء صافية ولم يكن هنالك مسبح لا نهائي. بدلاً من ذلك كانت السماء مظلمة وعمود النور يومض بانقطاع وخلفي كانت توجد السيارة ذات الدفع الرباعي الخاصة بوالدي. وكان هنالك رجلان عملاقان غير مالك وفرانسواه من يحملاني، وكنت أسمع صرخات عالية.

لم أدرك أن تلك الصرخات تنتمي لي إلا عندما اختلط الأمر علي وبدأت أصرخ وأقاوم قبضة مالك تحت ذراعاي ويدا فرانسواه حول كاحلاي بكل ما لدي من قوة. ارتفع التشيرت الذي أرتديه أكثر من اللازم وبدأ يُظهر أكثر من جسدي عما أحببت، مما جعل الفزع يزداد داخلي. سمعت تأوه مالك عندما اندفع مرفقي في معدته قبل أن يلقياني في الماء.

لم أشعر بنفسي وأنا في الهواء ولكن فور ملامستي المياه الباردة أظلمت رؤيتي ولم أرى سوى السواد أمامي. لم أدرك أنني فقدت الوعي إلا عندما شعرت بيدان تحيط بي وتبدأ تسحبني معها للسطح.

فور صعود وجهي فوق سطح الماء شهقت الهواء لرئتاي وبدأت أسعل بقوة. طوّق ذراعان حولي وشدّاني لجسد دافئ قبل أن يلامس ظهري سطح صلب. هذا طمأني لألمسه فوراً لأسند نفسي.

"هل أنتِ بخير؟"

رمشت المياه من عيناي والذكرى بعيداً وحاولت التركيز من السواد أمامي حتى ظهر وجه أليكساندر أمامي أخيراً، أقرب مما توقعت. كانت المياه تتقاطر من شعره الذي أصبح داكناً عدة درجات وماثل اللون البني وهو متساقط على عيناه الذي كان بؤبؤهما واسعين بينما يتنفس بحدة. ضربت أنفاسه شفتاي وهو ينتظر إجابة لكن كل ما استطعت عليه هو تسارع ضربات قلبي خلف قفصي الصدري.

"ديانا؟" تحركت عيناه بين عيناي والقلق يلمع فيهما لأفيق أخيراً.

أشحت بصري عنه ونظرت للجانب لأجد الجميع يحدق بي. تجمدت بين ذراعا أليكساندر اللذان لاحظت للتو كونهما حول خصري. ابتلعت ريقي بصعوبة وبدأت أتحرك بعيداً عن جسده القريب. أفلتني مباشرة وأسقط يداه ولكني شعرت بعيناه تثقب ثقوباً في مؤخرة رأسي وأنا أسبح بعيداً. لم أكن أستطيع التفكير جيداً وهو لا يزال قريباً، كان علي وضع مسافة آمنة بيننا.

"ألا تستطيعين السباحة أم ما شابه؟" سألت آرتميس من مكانها في المسبح باستخفاف لأتوقف عندما وصلت للحافة. والمشهد الذي قابلني خطف أنفاسي. نهاية حمام السباحة كانت تصب المياه لتحت من تلة عالية ومن مكاني كنت أرى الغابة الموجودة خلف القصر. لقد كانت شاسعة، والمشهد كان خلاباً.

"يا أنتِ!"هتفت آرتميس لأقبض فكي.

"بل أستطيع."

"إذاً ما كان هذا؟"

التفت مجدداً لأجد الأعين لا تزال علي، الجميع ينتظر في فضول تفسيراً لما حدث.

"هذا ليس من شأنكم." أجاب آجاكس نيابةً عني وبدأ يسبح نحوي. شاهدت عضلات ذراعيه تنقبض تحت تشيرته وهو يتحرك حتى توقف أمامي. على عكس أليكساندر هو أبقى بعض المسافة بيننا ولم يلتصق بي، ولكن رغم ذلك تصلب جسدي قليلاً. قلب عيناه على الجميع حيث ظلوا يحدقون بي. "فلتعودوا لما كنتم تفعلونه. ما كل هذا الفضول؟"

لمحت ملامح الضيق تعبر وجه أليكساندر عندما استرقت نظرة سريعة نحوه.

"أنتِ تحبين الدخول دوماً بعرض." مزح آجاكس وهو يتحرك حتى أرخى ذراعه على حافة المسبح.

"أنا لست في المزاج، حقاً." أخبرته وأنا أخفض رأسي. كانت المياه جميلة وشديدة الشفافية، وعندما اعتاد جسدي على برودتها بدأت أسترخي.

لفّ آجاكس خصره ليواجه المظهر الخلاب ووضع كلا ذراعيه على الحافة. "لا شئ أحبه أكثر من الصمت، على أية حال."

كنت ممتنة لذلك، لأستدير مثله وأحتضن الحافة بذراعاي وأنضم إليه في مشاهدة الغابة. كان هنالك جبالاً بعيدة أضافت مشهداً أجمل، خصوصاً عندما بدأت في ملاحظة أول خيط برتقالي للغروب يرتفع من خلفها. دق قلبي على المظهر وارتخيت أكثر. كنت أشعر بالراحة أن آجاكس يرتدي تشيرت أيضاً، لذلك لم أشعر كغريبة أطوار كوني الوحيدة التي لا تظهر جسدها—عكس يارا التي كان من المتوقع منها ولم يكن غريباً—، وبسبب أنني لم أريد ذلك السؤال لنفسي، لم أسأله عن السبب.

مر الوقت علينا في صمت عدا من صوت اللعب خلفنا وطرطشة المياه علينا من الحين للآخر بسبب مزاحهم، حتى قطعته أخيراً:

"هل زرت المكان من قبل؟"

"مرتان. منذ زمن طويل."

"لماذا تظن الغرض من وراء هذه الرحلة؟" حصل البعض على هدايا غالية وحصلت جرايس على رحلة لقاعة الأسرار. لا أكف عن التفكير عن كون هنالك مغزى أكبر مما نظن من هذه الرحلة. ولما بيت أليكساندر من بيت كل بيوت الهرم؟

"هذا ما أحاول اكتشافه أيضاً. رغم أن لدي نظرية."

هذا جعلني أنظر له فوراً. "ما هي؟"

أدار وجهه لي. "أنتِ. أنتِ سبب هذه الرحلة."

"لكن..." لم أعرف ماذا أفكر. "لماذا؟"

هز آجاكس كتفيه وعاود ينظر أمامه. "لا أعلم. لكن الأشياء الغريبة بدأت تحصل منذ أتيتِ."

-------------

بعد ما يقرب الساعة صعد الهرم من المسبح وجلسوا يسترخون وهم يجففون أنفسهم. ظللت في الماء قليلاً أسبح حول المسبح الطويل تحت الغروب حتى بدأ المكان يظلم. توجهت لطرف المسبح خلف الآخرون بعدما صعدوا لأصعد أنا الأخيرة خلف يارا التي كانت ترتدي لباس سباحة يغطي جسدها كله. فور صعودي ضربني الهواء البارد فوراً لأرتعش وأنا أتحرك نحو أحد المناشف قبل أن أتوقف فجأة.

نظرت لحيث جلس أليكساندر لأجده قابضاً لفكه وهو يحدق بي بأعين مظلمة. وهنا استوعبت أن التشيرت يشفّ لباس السباحة الأزرق من تحته وهو ملتصق بجسدي يظهر مفاتني. ظللت محبوسة عدة لحظات في نظراته وأشعر بجسدي يرتفع حرارته حتى علّق زاكاري:

"أووه، ديانا، لما لا تخلعي قميصك بدلاً من إخفاء كل هذا عنا؟"

هذا جعلني أفيق لأسارع بلف المنشفة حولي وأنا أعطيه نظرة حادى، ولكت قبل أن أقول شيئاً، اندفعت مارفن في تقزز: "ما اللعنة؟ فلتغلق فمك ذاك!"

نظرت لها بحاجبين معقودين. "لا أحتاجكِ للدفاع عني."

قلبت عيناها وانسدحت على المقعد المفرود في زي سباحتها الذي أبرز جمالها ونحافة جسدها. "لا أهتم. أنا لا أحب أن يحادث أحد أي فتاة بهذا الشكل."

"أتفق معكِ، مارفن. لقد كان هذا مريباً، زاك." تدخلت يارا من مكانها وهي تجفف وجهها قبل أن تغطي نفسها بالمنشفة، تعطي نظرة حادة لزاكاري الذي قلب عيناه في غير اكتراث وهو يميل ليلتقط كاميرته.

"حسناً، أيتها النساء. لا تجتمعون أبداً سوى على الرجال."

"أغلق فمك، وحسب." قال آركيت.

لم أعلن عن رحيلي لأني أعلم أن لا أحد سيهتم، لذلك تركت المكان وخطوت داخل المنزل والمنشفة لا تزال حولي. عندما عدت لغرفتي أخيراً استحممت وارتديت ملابس جافة ودافئة قبل أن أسمع صوت طرق على الباب.

عندما توجهت لفتحه وجدت آجاكس يقف على الناحية الأخرى بملابس جديدة وشعره لا يزال مبتلاً من الإستحمام، ويغطي جبهته في خصلات متمردة عديدة.

"ما الأمر؟" سألته في تشوش.

تردد قليلاً قبل أن يجيب: "لقد اغضبني مورن بتعليقه منذ قليل، وأردت التأكد أنكِ بخير بعدما اختفيت فجأة."

قضمت شفتي السفلية. في حين ظننت أن لا أحد سيلاحظ رحيلي آجاكس فعل. "أنا بخير. لقد كان غباءً منه قول ذلك."

هذا جلب شبح ابتسامة على محياه. "نعم."

عندما لم يقل أحد منا شيئاً آخر ولاحظنا أنه لا يزال يقف في الردهة فتحت الباب قليلاً ليدخل. أغلقت الباب خلفه عندما دلف للغرفة. توقف ونظر حوله. كانت الغرفة أكبر مما نحتاج، أشبح بجناح، بحمام خاص كبير وتجهيزات كثيرة. كتلفاز وأجهزة أخرى كآلة تصفيف الشعر وثلاجة صغيرة. قبل نزولنا لحمام السباحة عرج الخدم على الغرف ليوصلوا الغذاء قائلين أنها ليست من عاداتهم ولكن لسوء الحظ أن أستاذة آناستازيا وأستاذ آلن رويال غير متواجدان حالياً لإستضافتنا على الغذاء ولذلك أكلنا طعامنا في غرفنا وكأننا في فندق.

كانت الشرفة تطل على واجهة القصر، لنرى رؤية واضحة لحديقة القصر التي امتدت لأميال من البوابة وإلى القصر، والمشهد من فوق كان أفضل بكثير كما توقعت.

"لقد فكرت كثيراً، وأشعر أنني أخطأت بما أخبرتكِ به في المسبح." قال آجاكس.

خطوت نحوه. "ماذا تعني؟"

استدار لي. "ربما لستِ السبب. حتى ولو كنتِ، أنتِ لكِ الحق في الإستمتاع كأيٍ منا هنا." قال وكانت عيناه الزرقاء تلمع. "لذا استرخي قليلاً وتوقفي عن التفكير، ديانا. أنتِ تستحقين بعض الراحة."

لم أعرف ماذا أقول، وهو لم ينتهي من كلامه، ليبدأ يتقدم نحوي لأرفع رأسي قليلاً وأنا أنظر له. "أنا أتابعكِ منذ وصلتِ الأكاديمية، ديانا. أنا أرى كم أنتِ متعبة. من الكذب، ومن الماضي. وفوق كل ذلك أنتِ خائفة مما هو قادم."

رفعت رأسي أكثر عندما اقترب أكثر. انخفض صوتي: "وكيف... كيف تعلم هذا؟"

انخفض صوته مثلي وأصبح زرقاء عيناه داكناً. "لأنكِ مثلي تماماً، ديانا. لقد خسرتِ شخصاً تهتمين له، والآن لا تمتلكين أحداً يهتم لك. أنتِ لا تحبين أحداً ووحيدة في هذا العالم. إنكِ تحاولين النجاة فقط، ولكنكِ لا تعيشين. نحن متشابهان."

لم أشعر به يغلق المسافة بيننا إلا عندما انتقلت إلي حرارة جسده، لأتوقف عن التنفس. نظر آجاكس مطولاً لوجهي وكأنه يضيع فيه حتى همس بصوت أجش جعلني أقشعر: "أنتِ أجمل مخلوقة وقع بصري عليها. يدي لا يمكن أن تعطيكِ العدالة التي تسحقينها في تصويرك في رسوماتي أبداً."

بدأ يخفض وجهه شيئاً فشيئاً حتى أصبحت شفتيه على بُعد نفس واحد من شفتاي. كانت رائحته كرماد محترق وشجر. تسارعت نبضات قلبي وأنا أفكر بأشياء كثيرة في تلك اللحظة. كان يجدر بي دفعه، كان يجدر بي صفعه، كان يجدر بي فعل أي شئ. لكنني ظللت ساكنة، وهو كذلك وكأنه يسألني في صمت، وعندما لم أجيب اتخذها إجابة كافية ليغلق المسافة المتبقية.

في آخر لحظة، أدرت وجهي بسرعة.

توقف آجاكس مباشرةً والصمت بيننا كان شديد الثقل. لم أستطع ابتلاع أنفاسي بسبب ضربات قلبي التي كانت تتعالى أكثر. لم أنظر إليه وأنا آخذ خطوة للوراء، ثم أخرى.

"أنا..." بترت عبارتي عندما لم أستطع إكمالها. ظل آجاكس ساكناً مكانه لا يتحرك حتى وصلت أخيراً لباب الغرفة.

"لا بأس." همس آجاكس واستدار مرة واحدة واتجه للباب، وقبل أن أفعل أي شئ كان قد خرج وأغلق الباب خلفه.

ظللت مكاني دقيقة، ثم أخرى، ثم أكثر. ولكن لم يهدأ قلبي أبداً.


♪♪♪♪



لا أعلم متى تركت الغرفة وبدأت أسرح في آرجاء المنزل، لكني أصبحت متأكدة أني ضائعة عندما لم أعد أرى شيئاً مألوفاً، لأدرك بعد فترة أنني في الجناح الغربي. الجناح الخاص بعائلة رويال.

أدركت هذا عندما بدأت أرى شعار العائلة أكثر مخفيّاً في أبسط الأشياء. منحوتاً في الطاولات الخشبية، على السجاد الأسباني، على البلاط، في المنحوتات الفنية المعلقة على الجدران وأشياء أخرى كثيرة.

التفت حول عمود نحاسي ممزوج باللون الأبيض لأقف وجهاً لوجه لغرفة واسعة تبدو كغرفة مكتب تمتلك العديد من الصور. صوراً عائلية. لم أتردد لحظة في النظر حولي والتأكد أني وحدي قبل التقدم لها.

فور دخولي الغرفة أول ما لمحت كانت الصورة العائلية المعلقة بمنتصف الجدار الفاتح. وتحتها مباشرةً كان هيكلاً لهرم شفاف على منضدة طويلة ونحيلة ذهبية داكنة، قمّته المدببة مصنوعة من اللون الأسود الداكن، وعكس باقي الهيكل، لم تكن القمة شفافة، بل كانت معتمة تماماً ولكن ناعمة كالبلاط. اقتربت في فضول منه عندما شدتني مجدداً الصورة العائلية فوقها لأتوقف أمامها.

كانت الصورة العائلية كبيرة، في إطار ذهبي لامع—كمعظم الأثاث في هذا المكان—تضم والدا أليكساندر، وطفل أليكساندر. عقدت حاجباي عندما لاحظت تغيّب أخيه منها، رغم كونها صورة العائلة الأكبر بين كل الصور الأخرى. اقتربت من المنضدة الصغيرة أسفل الصورة المعلقة لأحصل على نظرة أقرب للإطارات الصغيرة. فيها وجدت صورة مشتركة لأليكساندر وأخوه وهما أطفال. كلاهما كان يحمل ابتسامة واسعة ويد أخيه ملتفة حول كتف أليكساندر الصغير. في حين كان أليكساندر أشقراً، كان أخاه بشعر بني صريح ولكن التشابه كان واضحاً في كل شئ آخر.

التفت لباقي الصور، ولاحظت كيف أن كلها كانت لأليكساندر، البعض وحده والبعض مع والديه، لكن لا مزيد من الصور لأخيه. تلك الصورة الوحيدة وهما طفلان كانت كل ما هو موجود عنه. عقدت حاجباي عندما لاحظت صورة عائلية أخرى صغيرة بخمس أفراد.

عدتُ أخيراً للتركيز على الهرم الزجاجي الكبير بمنتصف المنضدة، أميل فوقه لأتفصحه في فضول. شئ حياله كان مألوفاً، وكأنني لمحته من قبل.

"لا بد وأنكِ ديانا."

انتفضت على الصوت الغليظ الذي أتى فجأة من حيث لا أدرى لأستدير وأتجمد. كانت أمامي نسخة طبق الأصل من أليكساندر...ولكن أكبر سناً. نفس الشعر الأشقر المميز، ونفس الأعين البندقية الحادة والفك المحدد. حتى ملامح وجهه كانت مغازلة والرجل يقف يشادهني أتفحصه في بدلة داكنة باهظة ومطرزة على مقاسه بالضبط، يده اليسرى في جيب بنطاله. عندما استرقت النظر لمنديله الظاهر من جيب سترة البدلة، حبست أنفاسي فوراً على رؤية حرف الراء الذهبي المخصص لعائلة رويال.

أمامي كان يقف والد أليكساندر.

"كيف تعرف اسمي؟"

نبرتي الإتهامية جعلته يبتسم أكثر. ابتسامته كانت جذابة وحول فمه تجاعيد خفيفة لم تقلل من جماله شيئاً. "لقد اطلعت على قائمة الطلبة الذين فازوا بجائزة رحلة لمنزلي. ألا يمكنني أن أعرف من سيأتي لبيتي؟"

عندما لم أرد عليه ترك بقعته وتقدم للغرفة أكثر. منعت نفسي بكل ما في من قوة ألا أتراجع للوراء بعيداً عنه. شئ ما حياله منذ وقع بصري عليه لم يريحني. ولم يعجبني تواجدنا وحدنا في الغرفة. مد يده التي لم تكن مشغولة في جيبه. "آلن رويال."

نظرت ليده الممتدة مطولاً وعندما شعرت بتغيير في الأجواء سارعتُ بمبادلته التحية عن طريق وضع يدي بيده. حاولت منع عضلاتي من أن تُظهر أي ردة فعل ولكنني توقفت عن التنفس قليلاً وكتفاي تصلبا. اتسعت ابتسامته الودودة وهو يغلق أصابعه حول يمناي وعيناه تحدق في عيناي.

عندما ترك يدي وأخفض ذراعه تنفست أخيراً وتنحيت عنه عندما تحرك حولي ليقف أمام الطاولة وينظر لنموذج الهرم الزجاجي الذي كنت أحدق به قبل مجيئه. "لقد كان هذا الهرم هدية لأليكس عندما أصبح من ذروة الأكاديمية. قبل أن يلقب ملكاً لها بعدها."

"ماذا كانت هديته حينئذٍ؟" لم أستطع منع نفسي من السؤال.

استمر آلن بالتحديق في الهرم وهو لا يزال مبتسماً. "لم نره بعدها لنعطيه هديته." قال ثم رفع رأسه ونظر إلي. "لم يعد أليكس للمنزل منذ ذلك الوقت."

لا بد من أن ملامح الصدمة على محياي ما جعلته يضحك، لأنها جائت قصيرة تثير القشعريرة في جسدي. "نعم. هذه أول مرة يعود أليكس منذ أصبح ملك الأكاديمية."

أثار هذا تعجبي وفضولي في نفس الوقت، ورغم نبرة آلن التي تبدلت قليلاً سألت: "متى كان هذا؟"

ارتفعت زاوية شفته قليلاً. "منذ ثلاثة أعوام."

"ولكن لماذا؟ نحن نحصل على إجازات عديدة. لما—"

"آلن!" انضم لنا صوت جديدة فجأة لأنتفض على صوت أليكساندر العنيف وهو يندفع نحونا.

تراجعت بعيداً عن والده عندما تقدم ليقف بيننا. نظر لوالده فوراً، ولكن كان ظهره لي فلم أستطع رؤية ملامح وجهه. "ماذا يحدث هنا؟"

لكنني كنت أستطيع رؤية ملامح والده، الذي كان أطول سنتيمتراً واحداً منه، لتختفي ملامحه الودودة لجزء من الثانية وهو ينظر للأسفل لإبنه قبل أن يبتسم مجدداً. "مرحباً بعودتك، بني."

لم يقل أليكساندر شيئاً رداً على ذلك، ليرتفع بصر والده عنه وينظر إلي. "لقد تعثرت في الآنسة ديانا وهي تتسلل حول المكان. أردت معرفة ماذا تفعل صديقة لك وهي تحوم حول المكان وليست معكم."

على هذا تصلب كتفا أليكساندر قبل أن ينظر إلي من فوق كتفه ثم يعاود محادثة والده. "لا يهم. سأتولى أنا أمرها."

لم أكد أعقد حاجباي على جملته حتى استدار وسحبني فجأة من معصمي ورائه خارج الغرفة. عندما نظرت خلفي كان والده يتابعنا وهو يعقد حاجبيه في ضيق خفيف أخفاه فور نظري إليه ليرفع يده من جيب بنطاله ويلوّح. لقد كان شاهق الطول، بدون تجعيدة واحدة في بدلته، ويقف مستقيم الظهر في كبرياء شديد وكأنه معتاد على انحناء الناس له. كتفيه كانا أعرض من أليكساندر، ولم يبد عليه سنه، في الحقيقة كان يبدو كعارض أزياء أو ممثل بملامحه، وجسده كان منحوتاً تحت بذلته مما يوحي بأنه يهتم بالتمرين وصحته.

عندما ابتعدنا عنه واختفى عن ناظري جلبت رأسي للأمام لحيث كان أليكساندر لا يزال يجرني خلفه. مجدداً لم أستطع رؤية سوى ظهره، والذي كان عريضاً: جميعها تشابهات لاحظتها بينه وبين والده. حاولت شد يدي من بين قبضته ولكنه أبى تركي لأقبض فكي وأحاول مقاومة سحبه لي حتى ابتعدنا مسافة كبيرة وترك معصمي بنفسه فجأة.

"هل نسيت نفسك؟!" انفجرت فيه وأنا أدلك معصمي.

استدار أخيراً وواجهني، وتوقفت في تردد عندما رأيت وجهه. لقد كان ثائراً. اقترب فجأة وأصبح في وجهي لأتوقف عن التنفس فوراً. "بل أنتِ من جُن جنونه! أتظنين هذا المكان كالأكاديمية؟"

عندما لم أقل شيئاً شاهدت عضلة في فكه تنكمش قبل أن يبعد فمه عن وجهي ويغلق عينيه. "إياكِ والتجول في المكان. وإذا قابلتِ أحداً لا تحادثيه. ولا تتسللي حول البيت مجدداً."

"توقف عن إلقاء الأوامر." هسهست في غضب.

مجدداً ظهر في وجهي: "وتوقفي عن—"

قاطعت عبارته بلكمة لوجهه. لم تكن وقع الكدمة كبيراً كصدمته بها. ظل وجهه موجههاً للجانب الذي ضربته فيه، ينظر للفراغ. حتى رأيت عيناه تظلم وقبل أن أتدارك نفسي فوجئت به يدفع ذراعه أسفل عنقي وعلى ترقوتي ويدفعني للحائط، يماثل ما فعلت له صباح اليوم. انتظرت رأسي أن ترتطم بقوة عندما أغمضت عيناي، ولكني شعرت بأصابع يده تأخذ الصدمة عني عندما وضع يده خلف رأسي لأفتح عيناي سريعاً. لقد كان قريباً جداً، وأنفاسه سريعة. رائحته كانت كالفانيليا. ورغم الغضب الشديد في عينيه تمكنت أخيراً من رؤية شئ آخر يلمع في بنيتيهما. القلق.

"أنتِ—" بتر عبارته وأغمض عيناه، يحاول التنفس بطريقة أفضل. "لا تعرفين شيئاً. أنتِ لا تعرفين أي شئ."

"إذاً أخبرني." همست بصعوبة وكأنني أتوسله، عيناي تلين على النظرة اليائسة التي كانت تحدق بي. لقد شعرت به يمنع نفسه عن قول شئ في تصلب عضلات جسده من حولي.

ظللنا على هذا الوضع لحظات لم أشعر بالوقت يمر فيها، كلانا يشاهد الآخر في انتظار من أحد أن يرضخ ويستسلم، ولكن بعد انتظار طويل أغمض أليكساندر عيناه وأطلق صوتاً متألماً قبل أن يفلتني بسرعة ويبتعد.

ضربني هواء المبرد البارد فجأة لأرتعش عندما أدركت أن الجو كان خانقاً ودافئاً في الدقائق الماضية قبل يبتعد أليكساندر عني. شاهدت ظهره وأنا أرى عراكاً وهمياً يحدث في حركة جسده الساكنة قبل أن يقول أخيراً:

"اتبعيني."

بعد تردد من تغيره المفاجئ بدأت أتحرك خلفه حيث أخذ يقودني بين الردهات العديدة. "إلى أين؟"

"سأريكِ شيئاً." لم يجب إلا بعد وهلة. إجابة مبهمة لكنها أثارت فضولي كفاية لأتبعه في صمت. مرت دقائق وبعدها دقائق إضافية، مشينا فيها فيما بدا وكأنه المنزل كله. قادني للجناح الغربي للمنزل وبدأنا ننزل السلالم للأسفل في مكان يقود لما يشبه القبو.

"هل تنوي قتلي واخفاء جثتي، أليكساندر؟" مزحت عندما أصبحت الطرقات مظلمة ومخيفة، مضاءة فقط بمصابيح خافتة تُشعل كلما أصبحنا تحتها وتنطفئ بعد ابتعادنا. بدا وكأننا متوجهان نحو الزنازين في القصور العتيقة—كان ينقص المكان الشموع بدلاً من المصابيح الحديثة.

صمت أليكساندر أمامي كان يؤرقني. في حياتي لم أعهده على هذا الحال. عادة ما يبادل مزاحي أو يملأ الصمت—شئ لاحظته للتو. هو يكره الصمت. مما كان غريباً الآن.

كانت الممرات تصبح أقصر وأضيق، وعدة مرات اضطر أليكساندر أن يحني رأسه ليتفادى السقف. حتى وصلنا أخيراً أمام باب في نهاية طرقة قديمة وتوقف. أخيراً. لقد كنت على وشك التذمر من المجهود الذي جرني إليه. نحن نمشي منذ ما يقرب النصف ساعة.

حاولت النظر من حول جسد أليكساندر ولكن كتفيه العريضين منعاني من استراق النظر لما يحدق. كان الباب مغلقاً فحسب. ولكن لغة جسد أليكساندر منعتني من الكلام. لقد كان يقبض يده اليمنى جوار جسده، وكأنه يستعد لشئ—لحرب أو عراك، ليس أقل. انتظرته في صمت حتى سمعت نفسه الذي أطلقه قبل أن يتقدم أخيراً ويفتح الباب.

كانت لجزء من الثانية، ولكنني لاحظت تردد قدماه على حافة الباب قبل أن يخطو داخل غرفة القبو. خطوت خلفه.

"هذا هو."

"لماذا نحن هنا؟" استدرت حول نفسي وأنا أنظر للجدران المتسخة. كان المكان قديماً، هذا كان واضحاً من الأثاث القليل الموجود. سرير واحد ومكتب، كليهما حجميهما صغير وكأنهما انتميا لطفل. عدا عن نافذة صغيرة في أعلى ركن في الغرفة لم يكن هناك سوى ذلك وباب آخر يؤدي إلى حمام صغير متصل بالغرفة.

"إنني أرتجل."

توقفت على عبارته ونظرت إليه. ولكنه كان ينظر للمكان، لأستكمل الاستكشاف. كان هنالك بعض الأوراق مبعثرة على الأرضية المليئة بالغبار. كوب ماء في أحد الأركان، وغطاء خفيف جداً جوار السرير. على الجدران لاحظت بعض الكتابات—كتابات كثيرة ملأت ركنأ كامل من جدار— وتحركت نحوها وأنا أسأل في صدمة: "هل كان يعيش شخص هنا؟"

"هنا تم تعذيبي أول مرة. عندما كنت في الخامسة من عمري."

أدهشني الإعتراف بشدة لدرجة أن جسدي بأكمله استدار نحو أليكساندر، عيناي واسعة. ولكنه لم يكن ينظر نحوي. كانت عيناه غائمة وهو يستعيد ذكريات واضح أنه لم يرد تذكرها، ينظر إلى الفراغ وهو يكمل في صوت خالي.

"أتعلمين لماذا؟" كان يبدو وأنه يقاوم ردة فعل جسده لكونه في هذا المكان. لا بد وأنه لم يعد منذ أعوام لهنا، ولكنه اضطر لفعل ذلك ليثبت لي شيئاً. "لأنني رفضت لكم أمي."

نفسي الحاد جعل أليكساندر يرفع عيناه أخيراً وينظر حول الجدران. "أدركت بعد مدة من صراخي مستنجداً أن الغرفة عازلة للصوت. وأن الخدم لا يهتمون حتى لو سمعوا. جميعهم كانوا خائفين من أبي لدرجة أنهم تظاهروا بعدم ملاحظة جروحي والكدمات التي كانت تزين وجهي وجسدي والدماء التي كانوا ينظفونها من غرفتي كل يوم."

بارتعاشة بدأت في أوصالي ثم تسللت شيئاً فشيئاً لكامل جسدي التفت أتبع مجال رؤيته. كان المكان موحشاً، مليئاً ببقع حمراء شبيهة بالدماء قديمة في عدة أماكن وعلى بعض الأدوات. أدوات لم ألاحظها سوى الآن. مضرب بيسبول في الزاوية. سكين ما. وأشياء غريبة لم أفهمها.

"أليكساندر—"

كنت أحاول إخباره أنه ليس عليه إخباري بكل هذا. أنني أرى كم آلمه الحديث عن ذلك. أنه كان يقف أمامي على بعد ثانية من الهلاك ولكنه يمنع نفسه ليكمل فوق صوتي ويقاطعني.

أشار إصبعاً للسرير القديم والصغير، حالته كانت مزرية.  الملاءة البيضاء كانت رمادية من الغبار والإهمال. "هنا أجبرني على فقدان عذريتي. مع خادمة بعمر والدتي. لقد كنت في الثالثة عشر."

أغلقت عيناي عندما لم أعد أتحمل سماع ما يقول ولكنني وجدت نفسي أتخيل أشياء لا أتمنى تخيلها لأفتح عيناي مجدداً وأحتضن نفسي. لاحظت أنني كنت أرتعش.

"لكنه لم يهتم لكوني خائفاً. بل أمر بتقييدي عندما خرجت عن السيطرة وأبيت الثبات."

دموعي كانت تجري شلالاً أسفل خدودي الآن. كل كلمة يقولها تدمر شيئاً داخلي. "أرجوك توقف."

لكن زاوية شفته ارتفعت، لا يزل يرفض النظر إلي. "كيف لي ذلك؟ لقد أردتِ أن تعرفي من أكون." ترك مكانه وذهب للنافذة الوحيدة المتواجدة في الغرفة. لقد كانت صغيرة جداً وفي أعلى ركن في الغرفة، لا أحد منا قادر على الوصول إليها. "عندما كنت أبكي، كان تخبرني أمي بأنني أثير إشمئزازها وتحبسني هنا لأيام دون طعام. تخبرني أن هذا سيعلمني أن أتخلص من مشاعري حيال العالم. كنت أنظر كل يوم لهذه النافذة وأتمنى لو لا أرى الشمس تشرق مجدداً. لكنها كانت تشرق كل مرة رغم أمنياتي."

"أليكساندر—"

"وهنا—" أشار لمكان آخر. كان ركن الغرفة. "كان يدفع والدي رأسي للجدار عندما أتصرف بطريقة لم تعجبه. في أحد المرات حصلت على إرتجاج في المخ وهذا ما أجبره على التوقف. ليلجأ لطريقة أخرى."

أغمض أليكساندر عيناه ولاحظت أن قبضته أصبحت بيضاء من شدة اعتصاره لأصابعه. نظرت أخيراً للحائط جواري والكتابات الكثيرة التي زينته، بخط طفولي في أغلب الأماكن حتى بدأ الخط يتحسن شيئاً فشيئاً عندما كبر في السن. وأدركت أخيراً أنها كتابات أليكساندر. أنها كانت مذكرته. قطعت عيناي عن الحروف الصغيرة بسرعة عندما سمعت همسته:

"كان هنالك دوماً شخص يراقبني. يشاهدني. وأنا أذاكر، وأنا أتدرب، وأنا آكل. كل حركة كانت متبوعة."

سرت رعشة قوية في جسده أوقفت قلبي عن النبض عندما فتح عيناه وقابلتني النظرة البائسة فيهما. "أمي كانت تشاهدني. وأنا أترجاها أن تجعل الخادمات يتركاني. كانت تجلس وتتابع ما يحصل، تأمرني بأشياء أقوم بها—"

بتر عبارته في نهاية الجملة وأعطاني ظهره. ومن موقعي هذا سمعت صوت سقوط قلبي للأرض وتحطمه لأشلاء. لأنني فهمت أخيراً. لهذا السبب هو لا يتناول الطعام في الكافيتريا. هو لا يثق بأحد. لأنه... خائف.

"استمر آلن يدفعني للحافة بأساليبه العنيفة، يوماً وراء يوم يعذبني ويضربني ويهينني لأتوقف عن البكاء. حتى في مرة لم أذرف دمعة واحدة ولم أتوسله مجدداً. لقد تركني فحسب لأنني كنت على حافة الموت." سكت عندما ارتعش صوته لأول مرة. "كانت آخر مرة يلمسني فيها."

"متى؟" همست بصعوبة.

"منذ ثلاثة سنوات. بعد اختفاء زيلدا."

لقد كان في الخامسة عشر.

استدار أليكساندر أخيراً لي وحبست أنفاسي عندما قال:

"لهذا أصبحت أقابل أي مشاعر لي بالغضب. لأنني لم أتعلم سوى ذلك."


تعليقات

  1. Alexander's past broke my heart 😭😭😭

    ردحذف
  2. That’s so sad

    ردحذف
  3. احس اني اكره اجاكس

    ردحذف
  4. هل في موعد محدد للبارتات الجاية

    ردحذف
  5. مالك؟؟؟؟

    ردحذف
  6. اجاكس ذكي هذا يعني يعرف انه يارا تحبه

    ردحذف
  7. مره يحزن الكس ياقلبيييي أهله الانذال الكلاب يارب يندمون حاليا ما اهتم الصراحه إذا طلع نذل في المستقبل انا في فريق الكس خلاص ماعرف منو اجاكس ماعندي غير الكس

    ردحذف
    الردود
    1. تعرفين حساب للكاتبه اعطيني

      حذف
  8. جاني فضول اعرف ماضي باقي الهرم واضح كل واحد قصته تقطع القلب

    ردحذف
  9. تحمست متا البارت الجديييددد

    ردحذف
  10. قلبي تقطع💔

    ردحذف
  11. معقول ديانا و اليكس كانوا يعرفوا بعض؟؟
    لما وقفت عند الهرم حق الصور كأنها شافته من قبل

    ردحذف
  12. مرا انبسطت لما لقيت الرواية من جديد

    ردحذف
  13. اليكساندر طلع خزان احزان😔💔

    ردحذف
    الردود
    1. بس للحين مقدر اثق فيه💔

      حذف
  14. صارلك شهريين على هذا البارت خلاص متنا من الإنتظار المرة الجاية نزليلنا كل البارتات الباقية عشان تعبت و أنا أقرا هالرواية من سنييين و لسة ما خلصت

    ردحذف
    الردود
    1. الكاتبة عندها جامعة

      حذف
  15. مره تأخرتي

    ردحذف
  16. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هذه أول مرة اعلق اعتبريني متابعة جديدة وجدت روايتك صدفة واعجبتني الفكرة XD
    اكثر ما اشيد به حتى الان في الرواية هو السرد وطريقة الوصف، أسلوبك مذهل ومريح حتى أنني
    احببت تنسيق العناصر فلا الوصف مشبع بالحشو ولا السرد مهمل والحوارات تأخذ حقها احسنتِ
    حسنا بالحديث عن الشخصيات..بما ان القصه تعتمد على تفاعلهم مع بعضهم.. حتى الان احببت منهم اربعة

    اركيت هود: عشقي الشاب الهادئ قليل الكلام، اتمنى أن ارى المزيد عنه

    جرايس: الى الان هي افضل بنت في القصة بالنسبة لي
    قصة حبها بسيطة لكن مميزه، مرت بالكثير من المنعطفات واختبرت كل المشاعر التى تمر بها اي مراهقه عادية حب، غيره، اهتمام، غضب، انهيار
    تبدو عادية وصادقة جدا

    يارا: اعشقها لأنها مسلمة XD لا نرى كثير من المسلمين في الروايات ذات الطابع الأجنبي، ثم هي الاخرى تمتلك شخصيه رائعه احب تمسكها بمبادئها ودينها

    لينك: فقط تعجبني شخصيته، انتظر المزيد عنه ايضا

    بالحديث عن باقي الشخصيات الرئيسية اذكر انني احببت اجاكس ايضا في بدايات القصه، الان بالنسبة لي هو لا يطاق وجوده اصبح ثقيل جدا مع ذلك افضله على الكنسدر بسنوات ضوئية، والاخير رغم فظاعة ماضيه الا أنه متوقع ولم يجعلني اتعاطف معه، لازلت اكرهه اكثر من اي شيء في الرواية
    عموما هو او ديانا اتمنى ان ارى احدهما خاسر في شيء او لا يجيده على الاقل المنافسة بينهم مملة
    تجد الكسندر الافضل في كل شيء ويعرف كل شيء ثم تاا تأتي ديانا للتوافق معه في موهبته او تهزمه في لعبته
    واضح الان لماذا الكل يعامل ديانا كأنها محور الكون
    عموما اظن انني الوحيده التى لا اتمنى لها أن تحب اجاكس او الكسندر لو عادت للينك افضل لها

    او بالمناسبة ما نمط اجاكس؟ حسب ذاكرتي لم يتم الكشف عنه لكنني لا ازال مصره حتى اعلم
    اظن انه INFJ or INTJ.. وممكن بعد بنسبة لا بأس بها يكون ENFJ.. هممم احس ال ENFJ اقرب شيء له







    ردحذف
  17. كاتبه عندها حساب تنشر فيه انستا او تيليجرام اذا عندها اعطوني

    ردحذف
    الردود
    1. تقريبا تيجي من وقت لوقت لمجموعة الفيس

      حذف
    2. ممكن اسم جروب الفيس تبعها؟

      حذف
  18. متا ينزل بارت جديد؟

    ردحذف
  19. هل الكاتبه بخير؟

    ردحذف
    الردود
    1. بخير، مشغوله بالجامعه والامتحانات

      حذف
  20. ديانا البيكيني اللي كانت لابسته ازرق فاتح او غامق؟؟ ومن قطعه وحده او اثنين؟؟ ما فهمت ليش تسبيح ماتركز على وصف ديانا "البطله" كتير، يعني ارتميس ومارفن قالت نوع البيكيني تبعهم وديانا؟؟ دااايما تسبيح تركز فوصف الملابس على باقي الشخصيات وتخلي ديانا ما تفعل ابدا واذا فعلت فالقليل فقط. الشيء الوحيد اللي يزعجبني بالروايه

    ردحذف
    الردود
    1. لابسة قطعتين مكتوب في الفقرة لما طلعت من المسبح

      حذف
    2. وحشتني الروايه والاحداث

      حذف
  21. غيري اسم الرواية ، اسماء الآلهة لا تجوز

    ردحذف
  22. الروايه توقفت خلاص ولا كيف ؟

    ردحذف
  23. اه وحشتني الروايههه

    ردحذف
    الردود
    1. كيف الاقي البارت 18 !!

      حذف
  24. والله اشتقنا

    ردحذف
  25. الرواية رفيقتي من الصف الثامن إلى أول كلية

    ردحذف
  26. معقول ماخلصت الروايه من ٢٠١٨؟ كثير مره

    ردحذف
  27. تسبيح مرت 4 أشهر طولتي مره😔💔💔

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

٢٩ I الغابة

29 "الغابة" وقفت   متسمرة مكاني لدقائق عاجزة عن الكلام، أحدق بظهر أليكساندر والصمت حليفنا. حتى تحرك فجأة صوب الحمام المفتوح وهو يخلع قميصه. توسعت عيناي على ظهره العاري ولكنه توجه للحوض وعيناه علي من خلال المرآة وبدأ يمسح بعنف على صدره. “ ماذا تفعل؟ ”   بدلاً من أن يجيب هو استمر بالفرك في عدة أماكن مختلفة بقميصه ثم استدار. لم أكن مستعدة لما قابلني، وعندما أغلق الصنبور وخطا لي تراجعت للوراء. “ ولآخرة مرة سأقولها، ديانا آركان، وهو أنكِ الوحيدة التي لا تملك ما تخسره. ولذلك نحن لا نساعدك ولا نجيبك ونتظاهر بالجهل. لقد  سئمت. ”   استطرد واستمر بالتقدم وصدره المشوه يحدق بي. كان يختاجلني شعور غريب لم أفهمه وأنا لا أستطيع رفع بصري عن الحروق والكدمات التي ملأت أركاناً كثيرة من جسده. “ سئمت منهم ومن التنقيب عن الأسرار والأهم من ذلك سئمت من نفسي. هم يتحكمون بي وكأنني دمية معلقة بخيوط وأنا أشعر بأني محاصر. أنتِ لا تودين العبور لناحيتنا. ” تجاهلت جملته الأخيرة. “ إنهم يهددونك بنقطة ضعفك. ” ابتسم ابتسامة ساخرة ولكن بائسة. “ والمثير للضحك في الأمر أنني نفسي لم أكتشف ما هي نقطة ضعفي س...

١٧ I هيبتا

  ١٧ هيبتا   داخل غرفة مكتب بالأكاديمية .   يدها صفعت الخشب بقوة وعيناها تطلق الشرار نحوه. لكنه لم يرمش واستمر بالنظر إليها بهدوء شديد؛ يعلم أنها لن تفعل له شئ .    يعلم أنها تخاف منه لا العكس .   " كيف أمكنك أن تكون بهذا الغباء؟ أخبرتك ألا تقترب منها! ألا تجعلها تلحظك، ألا تضع نفسك في بالها، لكن لا، كان عليك الإرتجال والتصرف بنفسك ومحاولة مصادقتها !"    يديه ارتفعا لرقبته وقام بطرقعتها، في ضجر تام. "وما هي وجهة نظرك؟ "    هي كانت تغلي، ذلك المدلل كان يفسد كل شئ. لقد فعلها مرة وسوف يكررها ثانية. استدارت حول المكتب ومالت على كرسيّه. "أريدك أن تبتعد عنها. لا مزيد من محاولة الإقتراب منها، هي تشك بك بالفعل ."    فجأة هو مال للأمام، عيناه تلمع بغضب مكتوم. "هي، تشك بالجميع وأنا لست استثناءً. أنتِ لا تفهمين شيئاً. تريدين إنتقامك: تتركيني أتصرف. أنا وسيلتك الوحيدة لتدميرها ."    التوت شفتاها وهي تستقيم وتحدق بالشاب أمامها. هزت رأسها وعادت لمقعدها في هدوء. "كل شئ سيسير حسب مجرى الأحداث. ما عدا إض...